الدكتور السفير جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيزالقدرات /بروكسل / في ٢٠٢٣/٣/٦ .
نعم ،سيفوز الرئيس أردوغان في الانتخابات البرلمانية و الرئاسيّة ، المقرّر اجراءها بتاريخ ٢٠٢٣/٥/١٤ .موقفه و تصريحه بعدم تأجيل الانتخابات لسبب الزلزال الكارثي الذي ضربَ تركيا ،قبل شهر ، يبيّنان مدى ثقة الرجلُ بالفوز .
مقومات شخصّية و اخرى سياسيّة داخليّة مُعزّزة بمقومات خارجية ،اقليمية و دوليّة ستؤهّل السيد أردوغان الى الفوز . فما هي ؟
ابدأُ بأهم تلك المقومات و أولها في الذكر . الرجلُ في السلطة منذ عام ٢٠٠٢ ،اي بعد سنة واحدة من تأسيس حزب العدالة والتنمية ، تولى رئاسة الوزراء لمدة ١١ سنة ، بعدها ،فاز ،عام ٢٠١٤ بالانتخابات الرئاسيّة ،ليكون اول رئيس تركي مُنتخب بالاقتراع المباشر ، وهو منصب ،وفقاً للدستور ،تشريفي و بروتوكولي ، ولكن ، كان اردوغان يتناول كل امور البلاد ، في تصريحاته و مواقفه ، بحجة انه مواطن ،ومن حقّه ابداء الرأي و النقد و التعليق !
عام ٢٠١٥ وفي شهر تشرين الثاني ، اي بعد عام ونصف على توليه رئاسة الجمهورية ، قرأ جيداً اردوغان المشهد السياسي ،فدعا الى انتخابات مُبّكرة و حقّقَ نتائج افضل ، ونجح في البقاء فاعلاً اكثر في السلطة .
نجا اردوغان من محاولة انقلاب عام ٢٠١٦ ، و استطاع ان يوظّف الخطر الذي تعّرض له الى فرصة لتعزيز موقعه وسلطته و التخلص من مناوئيه ، وطرد اكثر من ٢٠٠ الف شخص من المؤوسسات المدنية و العسكرية ،بذريعة مشاركتهم بشكل او بآخر في محاولة الانقلاب . استطاع ايضاً ان يحقّقُ طموحه بتغير النظام السياسي في تركيا الى نظام رئاسي ،وذلك في استفتاء شعبي عام ٢٠١٧ ، مدعياً بعجز النظام البرلماني في بناء وتنمية الدولة ، و انَّ النظام الجمهوري انسبُ من البرلماني الى واقع و ظروف تركيا .
قراءة سريعة لمسيرة الرئيس اردوغان تُظهِرْ تجربته السياسية وبرغماتيته وقدرته على تحقيق طموحاته وتحويل التحديات التي تواجهه الى فرص نجاح ، حتى خصومه السياسيين يصفونه بالرقم الصعب ، و يبحثون على مُرشّح رئاسي قادر على الفوز على اردوغان . وهذا ما يقودنا الى تناول مقومات سياسية داخلية تساعد الرئيس اردوغان على الفوز ، فالمعارضة السياسية والتي توصف " بالطاولة السداسيّة " ،والمؤلفة من الاحزاب الست الكبرى فشلت في التوافق على مرشّح رئاسي واحد ، الامر الذي يضعف كثيراً حظوظ المعارضة بالفوز ، ويشتتها . تتجه الآن المعارضة بترشيح اكثر من واحد ، مما يؤدي الى توزيع اصوات الناخبين المعارضين على اكثر من مُرشّح ،ويعزّز فرص نجاح الرئيس اردوغان ، و يدعُمُ اقوال وتصريحات اردوغان الموّجه للراي العام التركي ، و مفادها " انَّ المعارضة مُشتته و ممزقة وسينعكس ذلك في أداءها عندما تقود البلاد " ،اي ستدخل البلاد في فوضى الاحزاب و مصالحها التي ستكون على حساب مصلحة الشعب و الدولة . هذا هو جانب من الخطاب الذي يسّوقه حزب العدالة والتنمية ،وكذلك الرئيس اردوغان الى الشعب ،لتحذيرهم من المجازفة في التصويت على مرشّح ،لا يحظى بتوافق المعارضة انفسهم ،فكيف الحال عند استلامه السلطة ! هذا النوع من الاعلام و الخطاب سيكون له اثراً بليغاً على الرأي العام التركي ،لاسيما اذا اقترن بنماذج المشاهد السياسية التي تعيشها دول وشعوب جارة لتركيا كالعراق ولبنان حيث تجارب المحاصصة او التوافق السياسي على السلطة بين احزاب و مكونات ، هي في اختلاف وتناقض حول الاهداف و السياسات ، ما يجعل مصلحة الاحزاب قبل و اهم من مصلحة الدولة والشعب . مشاكل مستوى المعيشه و الدخل التي يواجهها الشعب التركي اهم كثيراً ، بالنسبة له ، من ترف الديمقراطية ،التي تتدحرج وبسهولة في منطقتنا ،الى فوضى وفساد ومنافع حزبية و فردية .
تعاملَ الرئيس اردوغان و حزبه بذكاء مع الاثار المدّمرة التي خلفها الزلزال ، اتخذَ اجراءات سريعة في منع سفر كافة المقاولين الذين ساهموا في تشييد المناطق السكنية ، و توقيفهم و مقاضاتهم ، وسخّر الحزب و الجيش في اغاثة المنكوبين ، وتعهد لهم ،في اكثر من خطاب مباشر ، ببناء مجمعات سكنية حديثة و في اقرب وقت ، وفعلاً بدأوا العمل في ذلك . يدرك الرئيس اردوغان ما يجب عمله ،لمتضرري الزلزال و امام الراي العام ، خلال الشهرين القادميّن ،والسابقة لتاريخ الانتخابات ، ستساهم ، بكل تأكيد انجازاته الملموسه والمشهوده ،في كسب الاصوات لصالحه .
أضيفُ على ما تقّدم من ذكر لمقومات فوز أردوغان ،مقومات اخرى ذات طابع اقليمي و دولي ، ترغبُ و تسعى روسيا لفوز اردوغان ، وكذلك هو موقف ايران .بينهما و الرئيس اردوغان قاعدة صلبة من المباحثات و التفاهمات ،التي لاتخلوا ،بكل تأكيد من صعوبات وحسابات مختلفة و احيانا متناقضة ،ولكن تأتي ( واقصد التفاهمات ) أُكُلُها .
و ادرك اردوغان خطورة وكلفة تدخله السلبي في سوريا ، وكيف انسحب غيره ممن دعموا المعارضة او الجماعات المسلحة و الارهابية بالمال وبالسلاح ،تحت شعارات زائفة و مضللّة ، ولاهداف سياسية ،فشلوا في تحقيقها . ادركَ ايضاً اللعبة الامريكية تجاه تركيا ( حليف في الناتو ) و تجاه قسد و الجماعات المسلحة الاخرى ( حليف في سرقة النفط السوري وفي انشاء كيان كردي في سوريا وعلى الحدود التركية ) .
ستشجع موسكو وكذلك طهران سوريا و تركيا الى كثير من اللقاءات و توسيعها الى مستوى دبلوماسي رفيع ،على امل لقاء رئاسي بين القيادة التركية و السورية ،قد يكون موعده بأيام قبل الانتخابات .
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha