محمود الهاشمي ||
عندما انهار الاتحاد السوفيتي عام 1991 كانت قواته المسلحة تفوق اي دولة اخرى بالعالم ،فقد تحولت اراضيه الى ترسانة عسكرية بحيث ان عدد القوات العاملة في الاتحاد السوفيتي تقدر يومها بنحو ثلاثة ملايين ونصف المليون )فرد وان عدد العاملين في قوات الصواريخ الاستراتيجية لوحدهم يقدرون ب(500) الف شخص .
ولو اردنا احصاء الصواريخ والمدرعات والالات العسكرية ونوعها لاحتجنا الى (40) صفحة .
يقول احد الخبراء العسكريين (انهار الاتحاد السوفيتي ولديه اسلحة تكفي لتدمير الكرة الارضية ثلاث مرات )!
هذا (الخزين العسكري )تدعمه (ثقافة عسكرية )ايضا بحيث تحولت العقول في الاتحاد السوفيتي الى (عقول تسليح )فقط
وبات قلم الرصاص المصنوع لديهم يشبه (قاذفة RBG ) والمنضدة اشبه بالدبابة .!
لقد غابت عن هذا البلد الممتد على قارتين
(الصناعة المدنية ) وباتت معامله تنتج صناعة مدنية (رديئة ) ولايتقبلها سوق سوى في البلدان الفقيرة ،وخير شاهد سيارات (الفولگا والمسكوفج )الرديئة الصنع ،ولا احد يصدق ان الذي صنع هذه العجلات هو ذاته الذي صنع (دبابة 72) يومها.
لا احد يشك بان الصناعة العسكرية للاتحاد السوفيتي متفوقة في ميدان الحروب ومفضلة بالقتال في السرعة والدقة والمتانة والمرونة والحركة ،لكن مكانها (التخزين او ميدان القتال).!
خسر الاتحاد السوفيتي معركته المدنية وبات المواطن يعيش احلاما واوهاما بان يقتني لباسا او عجلة او تجهيزات منزلية فيها ذوق ومتانة والوان مناسبة ،وبات المواطن يومها يحلم بالسفر وعالم البهجة .
كانت يومها البصاعة @المدنية الغربية "تصل الاقصى من العالم ،وموضاتها تتغير وفق اذواق الشعوب ورغباتهم ،وتتبارى الاسواق ثم المنازل لاقتنائها لانها تحمل الذوق والمتانة .
لم تستطع الالة العسكرية للاتحاد السوفيتي ان تدافع عن دولتها من (الهجمة الغربية )
ورغبة مواطنها بالحصول على بضاعتهم
بحيث ان شباب اميركان زاروا بولندا في ثمانينات القرن الماضي وهم في عجلة اميركية حديثة وملابس غربية استطاعوا ان يهيجوا الشارع البولوني يومها .
عندما زار الرئيس الاميركي ريغان وزوجته
الاتحاد السوفيتي كانت نساء الاتحاد السوفيتي معجبة برداء زوجة ريغان وفيها حسرة كبيرة .!
فيما كان القطبان الكبيران الاتحاد السوفيتي
واميركا يصطرعان بحرب (باردة )ويخزنان الاسلحة ،استطاعت الصين ان تمتطي جوادي القطبين معا بمهارة وان تشهد نهضة عام 1975 مستفيدة من نظام "اقتصاد السوق "الغربي ومن ادارتها المركزية ،وشهدت الصناعات المدنية الصينية قفزة كبيرة ،ومع تعاقب الاعوام
تسللت الى منازل الدول الغربية واحتلت المطابخ وشؤون المنزل الاخرى ثم الى مؤسسات الدولة ومختبراتها ومراكز عملها
ليجد الجميع انفسهم بامر واقع ان يتقبلوا هذه البضاعة الرخيصة السعر وعالية الجودة ،وبدلا من ان تشكو زخم العدد السكاني حولتهم الى ايد عاملة فاعلة وطورت مؤسساتها العلمية والفكرية لتكون الثانية بالاقتصاد العالمي ان لم نقل الاولى .
يقول احد كبار علماء الاقتصاد (ان الصناعات المدنية جيوشك الاولى ورسلك الى العالم ).!
لقد فرضت الصين ذائقتها على بضاعتها
في الشكل واللون وباتت تزاحم حياتنا
ولسنا بحاجة ان نرى الشعب الصيني فقد سبقتهم بضاعتهم (التي تشبههم )
مرة سالوا مواطنا يابانيا عن سر عدم تقبله
عجلة المارسيدس الالمانية وبيعها والعودة لشراء العجلة اليابانية (تيوتا )فرد وكانت زوجته تقابله في الجلسة (لانها لاتشبه انف هذه )مشيرا الى انف زوجته !
استفادت الصين من (الهزال)الذي بدأ في الحضارة الغربية،لاسباب عديدة في مقدمتها
(الشيخوخة)وهيمنة الشركات والمصارف على القرار وفوضى النظام الليبرالي ،بحيث ان مئات الشركات الغربية تحولت الى الصين دون النظر الى بلدانها بقدر بحثها عن (المال)،
باتت الصين تتقدم على الولايات المتحدة كثيرا ،وان العجز التجاري الاميركي مع الصين بلغ 350 مليار سنويا .
تشمل الواردات الأمريكية الرئيسية إلى الصين فول الصويا والرقائق الدقيقة وغاز البترول المسال والنفط وفحم الكوك وسيارات الدفع الرباعي والقطن والذرة والنحاس وخام النحاس،فيما وتشتري الولايات المتحدة بنشاط في الصين الهواتف الذكية والمعدات الخاصة وأجهزة الكمبيوتر وبطاريات الليثيوم أيون والمنتجات البلاستيكية والكاميرات الأمنية والأجهزة المنزلية والأحذية ولعب الأطفال. وفي عام 2020 بلغ حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة 586.72 مليار دولار بزيادة 8.3%، كما نما بنسبة 28.7% في عام 2021 إلى 755.64 مليار دولار..
لاحظ ان اميركا تصدر بضاعة (غير مرئية) معظمها منتوجات خام ومنتجات زراعية (فول الصويا والبترول وغاز،وهي مواد يمكن للصين ان تحصل عليها من مصادر اخرى .
الصين احتلت العالم (مدنيا )ولم ترسل الغواصات وتنشيء القواعد العسكرية ولم تجتاح الدول وتكرهها على سرقة ثرواتها وامتهان شعوبها بل مدت جسور التعاون ووضعت الحلول (المدنية ) من اتفاقيات وعقود بالشكل الذي يؤمن المصالح المشتركة .
حين ادركت الصين ان العراق عاجز ان يبني ويعمر رغم امتلاكه الثروات والموقع بسبب فشله في اعداد الموازنات بحيث ان واردات النفط تذهب رواتبا وادامة (تشغيلية)لاغير ،اعدت لنا ثوبا وفق قياسنا بنظام (النفط مقابل الاعمار ) بحيث نضخ لها نفطا بمعدل (300)الف برميل يوميا تودع امواله في مصرف صيني ومضمون من قبل مصرف صيني حكومي يقدم المال للشركات الصينية
التي تتعاقد مع العراق ،وهكذا هذه المقاسات مع دول افريقيا واسيا وامريكا الحنوبية !!بحيث انه من المتوقع أن يزيد حجم التبادل التجاري بين دول أميركا اللاتينية والكاريبي مع الصين بأكثر من الضعف بحلول عام 2035، ليتجاوز 700 مليار دولار".
و أن الصين تقترب من حجم مبادلات الولايات المتحدة مع دول المنطقة، ويمكن أن تتفوق عليها لتصبح الشريك التجاري الأول معها.
انتهى (الغزو المدني )الصيني للعالم وبدأ المشروع السياسي لها لترتب رقعة الشطرنج بشكل يؤمن السلام والطمأنينة عبر طريق مفروش بالحرير ونختم (لصين كانت مستعمَرة بريطانية، وهدفاً لليابان، ولم يُذكر في تاريخها أنها استعمرت بلداناً خارج كيانها، غير أنها اليوم تدخل سوق المنافسة بإطار مختلف، فهي لم ترسل بوارجها لتخلع أنظمة، وتعلن احتلالها، ولم ترسل مبشرين لخلق كيانات مسيحية تعلن تبعيتها للثقافة الغربية وعقيدتها الدينية، ولم يُعرف أن الصين جاءت لدول لتمحو تراثها ولا لتشيع
(الديانة الكونفوشيوسية )ولا (البوذية )
وحين بدأت مشروعها للسلام بالعالم بعودة العلاقة بين ايران والسعودية فان مشروعا اخر تم الانتهاء منه يتكون من (12)بندا سيحل مشكلة الحرب الاوكرانية الروسية وسيرى النور قريبا.
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha