السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات / بروكسل / ٢٠٢٣/٤/٢٢ .
طالَ انتظار وصبرْ الاردن لمجئ فرصة او وقت مناسب يسمحُ له أتخاذ قرار استراتيجي بتبني سياسة خارجية متحرّرة مِنْ بعض ثوابتها و اطرها التقليدية .
للأردن حسابات وعليه استحقاقات سياسية وطنية و اقليمية و دولية ،تنوء بحملِها دولة اكبر بكثير من الاردن بمساحتها و بأمكانياتها ، لذا ، ليس مِنْ السهلْ عليه ،أنُ يُحدِثْ استدارة في مساره السياسي التقليدي و المحافِظْ دون مراعاة لتلك الحسابات و الاستحقاقات .
ما يهّونُ على الاردن مشاق هذا المسار ،ليس فقط صبره ، وانما ايضاً تفهّم اشقاءه العرب ، وبالاخص جارهُ العراق ، الذي لم يتوقفْ عن دعمه ، وعن التعبير له ،حكومياً و برلمانياً ، ومن كافة احزابه السياسية بالتضامن ازاء مواقف وتصريحات حكومة اليمين المتطرف للكيان المُحتل . يُحضرني بيت شعرٍ للمتنبي فيه خير وصفٍ لعلاقة العراق بالاردن " و حالات الزمان عليك شّتى " يا عراق " ، و حالك واحدٌ في كّلِ حالِ " .
مع الاعتذار للشاعر على التصّرف في متن البيت في ادخال كلمة " العراق " . كان ،على ما يبدوا ،الزمنُ كفيلاً كي يدركُ الاردن الشقيق بأنّّ مَنْ يتربّصهُ بالغدر و الانقضاض ليس بُدعة و وهم " الهلال الشيعي " ، وانما حقيقة خطر " نجمة داوود " .
في مقال سابق وبعنوان " الصين و المملكة وايران : توافق على النفوذ وتوزيع الادوار " نُشِرَ في الحوار الالكترونية ( hiwarnews)،و مواقع اخرى ،بتاريخ ٢٠٢٣/٤/٢٠ ، عبّرنا عن أملنا وتوقعّنا بأنْ لايُترك ملف الاردن و ما يواجهه من تحديات دون اهتمام و رعاية المملكة العربية السعودية ، وهي تتناول ملفات المنطقة ،الواحدة تلو الاخرى ( اليمن ، لبنان ،سوريا ،فلسطين )، وجاءت في الامس ، ٢٠٢٣/٤/٢١ ، زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية الى عمّان لتأكّد حرص المملكة و دعمها للاردن ، و روح التضامن العربي وتوحيد المواقف قبل انعقاد القمّة المرتقبة في الرياض بتاريخ ٢٠٢٣/٥/١٩ .
الاردن ،الآن ، امام فرصة إحداث الاستدارة المطلوبة في مسار سياسته الخارجية ،و لمصالحهِ الاستراتيجية . استدارة ، طالَ انتظارها ، و عبّرت ، ومنذُ مُدّة ، اقلام و افكار النُخب الاردنية السياسية و الثقافية للمطالبه بها ( اقصد بالاستدارة ) . ( انظر في ذلك مقالات عديدة في صحف عربية و اجنبية ،اذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر ، القدس العربي ، ٢٠٢٣/٤/١٥ ) .
لماذا الآن ،و ماهي مؤشرات و مقومات هذه الفرصة ؟
خطر خطط وفِتنْ الكيان المحتل على المملكة الاردنية ليس وليد اليوم ، تعايشَ معه الاردن لعقود من الزمن ، وكان ( واقصد الخطر ) في حالة سُبات و يقظة حين تتطلب ظروف اليقضة .أَولمْ يدعّي مؤسّسي الكيان
و قادته فكرة " الاردن هو الوطن البديل للفلسطينيين " ؟
أَولمْ تكن ضمن مخططاتهم إسكان الفلسطينيين في الصحراء الغربية من العراق ؟ كذلك محاولاتهم لانهاء الولاية الهاشميّة على الحرم القدسي الشريف ، او المساومة بها لاغراضهم السياسيّة !
اسرائيل اليوم هي ليست اسرائيل الامس ، فقدت قوة الردع ، وتتفكك داخلياً ، ومهووسة بتنبؤات زوالها الموروثة توراتياً وتأريخياً ،ولم تعدْ تحظى بتلك الرعاية والحضانة الامريكية ، لزوال الاسباب و القدرة . اهتمام امريكا والغرب بأسرائيل بسبب اهتمامهم ، ومن اجل مصالحهم ،في المنطقة ، هجرتهم ،يوم بعد يوم ،عن المنطقة ، يبعدهم عن رعايتهم المُكلفة لاسرائيل .
لم يعُدْ الاردن يأتمن اسرائيل ،وهي في عُهدة حكومة متطرفة و ارهابية ، ومنبوذة حتى من الولايات المتحدة الامريكية ، وتجدر الاشارة بأن الرئيس بايدن يرفض ،حتى الآن ،استقبال نتنياهو !
يدركُ الاردن حقيقة أنحسار النفوذ الامريكي في المنطقة ، و انفتاح حلفاء و اصدقاء امريكا نحو القوى الاسيوية ،وفي مقدمتهم الصين ، و يمضي هذا الانفتاح ،كما يبدوا لي ، بموافقة مُكّره لامريكا ، اي ليس برضا وانما باستسلام!
لن يبقْ الاردن بمعزل عن توجّه دول المنطقة نحو بناء شرق اوسط جديد ،قوامه السلام والامن والتعاون بين دوله العربية و الاقليمية ،بدلاً من الحرب و الفتن و الطائفية وتبديد الثروات ، وهي وسائل المعيشه لامريكا ولاسرائيل في المنطقة .
الاردن بأمّس الحاجة الى التكامل بمحيطه العربي المباشر ( العراق ، سوريا ،لبنان ،المملكة العربية السعودية ) ، ومحيطه الاقليمي ( ايران ،تركيا ) ،ومن اجل تنويع مصادر الدعم الاقتصادي ، وكذلك الدعم السياسي و الامني .
الاردن ،وبالرغم من اتفاقيات السلام مع الكيان المحتل ، لايزال دولة مواجه لهذا الكيان ، طالما هو كياناً مُحتلاً لفلسطين و رافضاً لحقوق الشعب الفلسطيني ، و متمرداً على القوانين الدولية والشرعية الدولية ، ومُهدداً لوحدة اراضي ومياه المملكة ، وهذا ما تدركهُ الشعوب العربية ، ويدركُه الشعب الاردني .
المحيط العربي والاقليمي للاردن سيكون داعم ومساند له في ما اذا الذئب الراقد بجوارهِ ( اسرائيل ) كشّرَ عن انيابه . انضمام الاردن الى مسار الشرق الاوسط الجديد ،بأبعاده العربية و الاقليمية ، سيمنحه قوة ردع ترغم اسرائيل على الانضباط ، في الافعال وفي التصريحات .
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha