نشرت وكالة رويترز في تقرير تفاصيل يُكشف عنها لأول مرة بشأن أحداث العنف في السودان من خلال مقابلات أجرتها مع مصادر في الجيش وقوات الدعم السريع ومع مسؤولين ودبلوماسيين.
وذكرت أن مجموعة من الوسطاء كانت تدفع باتجاه إجراء محادثات في اللحظات الأخيرة بين القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قبل أسبوعين من اندلاع الاشتباكات الدامية.
ومن بين حوالي 12 مصدرًا، قال 3 من الوسطاء السودانيين إن الرجلين لم يشاركا في الاجتماع الذي انعقد في مقر الرئاسة بوسط الخرطوم صباح يوم 15 أبريل/ نيسان. وبدلًا من ذلك، اندلع القتال في أنحاء البلاد.
ووفقا لـ3 شهود ومستشار لحميدتي، بدأ إطلاق النار في معسكر سوبا العسكري بجنوب الخرطوم حوالي الساعة 8:30 صباحًا بالتوقيت المحلي.
ولا يعرف من الذي أطلق الرصاصة الأولى، لكن العنف تصاعد بسرعة في أنحاء البلاد، وهو ما يوضح إلى أي مدى تفرقت السبل بالطرفين في الأسابيع التي سبقت استعدادهما لخوض حرب شاملة، أودت حتى الآن بحياة ما لا يقل عن 512 شخصا، ودفعت عشرات الآلاف إلى الفرار وفاقمت أزمة إنسانية خطيرة كانت البلاد تشهدها بالفعل.
وقال دبلوماسي اطلع على الأمر واثنان من الوسطاء إن البرهان وحميدتي التقيا للمرة الأخيرة في الـ8 من أبريل في مزرعة على مشارف الخرطوم، أي قبل أسبوع من اندلاع القتال.
وطلب البرهان خلال اللقاء انسحاب قوات الدعم السريع من مدينة الفاشر، التي تقع في إقليم دارفور بغرب السودان، معقل حميدتي، ووقف تدفقات الدعم السريع إلى الخرطوم المستمرة منذ أسابيع.
وذكر الدبلوماسي والوسيطان أن حميدتي طلب بدوره سحب القوات المصرية من قاعدة مروي الجوية خشية استخدام هذه القوات ضده، والقاهرة حليف وثيق للبرهان.
وقال الوسيطان إن الرجلين تحدّثا أيضًا على انفراد ووافقا على ما يبدو على خفض التصعيد، وكانت هناك نية لعقد لقاء آخر في اليوم التالي، لكنه لم يحدث. وعلى مدى الأسبوع التالي وخلف الكواليس، كان كل منهما يستعد بقوة للأسوأ.
التوترات الأمنية في السودان أودت حتى الآن بحياة ما لا يقل عن 512 شخصا، ودفعت عشرات الآلاف إلى الفرار (رويترز)
وتحدث مصدران عسكريان لرويترز عن خطط لم يكشف عنها من قبل، وقالا إن القوات الجوية بقيادة البرهان كانت تدرس أماكن تجمع قوات الدعم السريع اعتمادًا على إحداثيات قدمها الجيش.
وأوضح المصدران أنفسهما أن قوات الدعم السريع كانت في الوقت ذاته تنشر المزيد من المسلحين في سوبا ومعسكرات أخرى في أنحاء الخرطوم.
وذكر المصدران العسكريان أن القوات الجوية، التي تقصف مواقع في العاصمة منذ اندلاع القتال، ظلت تدرس أماكن معسكرات قوات الدعم السريع أكثر من أسبوع قبل بدء المعارك، وأن الجيش شكّل أيضًا لجنة صغيرة من كبار قادته للاستعداد لصراع محتمل مع الدعم السريع.
وقال موسى خدام محمد مستشار حميدتي لرويترز إن الطلقات الأولى في الحرب يوم السبت 15 أبريل أيقظت قوات الدعم السريع المتمركزة في سوبا.
وأضاف أن قوات الدعم السريع شاهدت قوات الجيش من خلف أسوار المعسكر وهي تنصب مدافع في المنطقة المحيطة به. وقال إن قوات أخرى تجمعت حول مقر إقامة حميدتي في الخرطوم.
وسرعان ما تبادل الجيش وقوات الدعم السريع الاتهامات علنًا بإشعال العنف ومحاولة الاستيلاء على السلطة.
وقال المتحدث باسم القوات المسلحة العميد ركن نبيل عبد الله إن الجيش كان يستعد للرد، وليس لشن حرب بعد مؤشرات عن هجوم لقوات الدعم السريع.
وأضاف أن قوات الدعم السريع هي التي بدأت الهجوم وأسرت عدة جنود، مضيفًا أن الجيش تحرك لصد الهجوم. وأشار إلى أن الجيش كان ينفّذ حملته بموجب تسلسل قيادي واضح وأن قوات الدعم السريع أصبحت هدفًا مشروعًا للقوات الجوية بعد بدء القتال.
واتفق الجانبان على هدنة مؤقتة هذا الأسبوع بضغط من الولايات المتحدة والسعودية، اللتين تشعران مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بالقلق من أن السودان قد يتفتت ويزعزع استقرار المنطقة.
وسمح الهدوء لآلاف من سكان الخرطوم والزوار الأجانب بالفرار من العاصمة، ورغم تمديد الهدنة في ساعة متأخرة من مساء الخميس، فقد هزت الضربات الجوية والقذائف المضادة للطائرات المدينة مرة أخرى.
وبحسب التقرير، كان حميدتي -وهو قائد مليشيا سابق في دارفور- تابعًا للرئيس السابق عمر البشير ومنفذًا لأوامره، وتنعّم بالثراء من تجارة الذهب، ولم يكن على خلاف دائم مع البرهان ضابط الجيش المحترف.
وقاد كلاهما رجالًا في دارفور حيث تسبب صراع -تصاعد عام 2003 واستمر حتى الآن رغم العديد من اتفاقيات السلام- في مقتل ما يصل إلى 300 ألف شخص وتشريد 2.7 مليون.
وشكّل الرجلان اللذان تقلّدا أكبر منصبين في مجلس السيادة الحاكم بعد الإطاحة بالبشير في 2019، جبهة موحدة في الغالب في اتفاق لتقاسم السلطة مع قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف سياسي خرج من رحم الثورة.
وخلال ذلك الوقت زادت قدرات قوات الدعم السريع وأصبحت قوة يقدر قوامها بنحو 100 ألف شخص. واكتسبت هذه القوة شبه العسكرية صفة رسمية في الدولة بموجب قانون أقره البرلمان في عهد البشير.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، نفذ الرجلان انقلابًا على الحكومة المدنية، وبينما راهن حميدتي على اتفاق إطاري مدعوم دوليًّا لتشكيل حكومة مدنية كان من الواضح أنه يتطلع من خلاله إلى لعب دور سياسي في المستقبل -وفق التقرير- توترت العلاقات بسبب تسلسل القيادة في المرحلة الانتقالية الجديدة وخطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.
وفي إطار الاستعداد للقتال، أصر حميدتي على أن دمج قوات الدعم السريع يجب أن يجري على مدى يتجاوز عشر سنوات، بما يتماشى مع بنود الاتفاق الإطاري للخطة الانتقالية الموقع في ديسمبر/ كانون الأول.
غير أن الجيش كان يضغط من أجل مدى زمني أقل، وضغط الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي، النائب الصارم للبرهان داخل الجيش، من أجل تنفيذ الدمج على مدى عامين فقط.
وقال دبلوماسي كبير شارك في جهود الوساطة في الأسابيع الأخيرة قبل اندلاع القتال إن فرصة كانت سانحة على ما يبدو للتوصل إلى اتفاق بين البرهان وحميدتي.
وأضاف أن قائد الجيش كان يصر على ضرورة أن يرفع حميدتي إليه التقارير، في حين كان حميدتي يقول إن البرلمان المنتخب وحده هو الذي يملك سلطة تحديد تسلسل القيادة، وذكر الدبلوماسي البارز أن أيًّا من الرجلين لم يرغب في تقديم تنازلات.
https://telegram.me/buratha