محمد صالح صدقيان ||
14/05/2023
🚨قبل أيام مرت الذكری الخامسة لانسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي الذي تم بين إيران والمجموعة الغربية المتشكلة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين.
الرئيس دونالد ترامب الذي انسحب في 8 مايو/مايو عام 2018 من هذا الإتفاق قال كلمته أنه “وفی بعهده”. وكان معلوماً إلی من كان يريد ايصال رسالته لأنه أعطی وعداً للوبي اليهودي “ايباك” الذي يرعی المصالح الإسرائيلية داخل الولايات المتحدة بالإجهاز علی الإتفاق النووي في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2016. الرجل التزم بما تعهد به؛ وكان في نية مناصريه ليس الإكتفاء بالإنسحاب وانما انهيار هذا الإتفاق الذي كان يری فيه الكيان الإسرائيلي تهديداً لأمنه القومي وأنه لا يطمح إلى أقل من تفكيك البرنامج النووي الإيراني.
في تشرين الأول/أكتوبر 2014، كانت لي مداخلة أمام مؤتمر عُقد في باريس برعاية مركز دراسات قريب من إحدی الدول الخليجية؛ قلت هناك بالفم الملآن إن جميع المؤشرات تؤكد قرب توصل إيران مع المجموعة الغربية إلى إتفاق؛ لأن الجانبين عازمان علی تحقيق انجاز بشأن البرنامج النووي الإيراني خصوصاً أن سلطان عُمان الراحل قابوس كان قد حمل رسالة من الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما إلى المرشد الإيراني الأعلی الإمام علي الخامنئي يُعلن فيها رغبته بفتح صفحة جديدة مع إيران تستند إلی الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام ثوابت الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وفي مداخلتي المذكورة، تمنيت على كافة الدول الإقليمية، وتحديداً الخليجية، الإنسجام مع الإتفاق وعدم معارضته لأن ذلك يصب في مصلحتها ومصلحة الأمن الإقليمي. لكن للأسف لم يحدث ذلك ، وإنما وقفت تلك الدول مع خيار انهيار الإتفاق لأسباب عديدة؛ كان المعلن منها؛ أنها لم تكن شريكة في صياغة الإتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه في يوليو/تموز 2015!.
لا أريد أن اُقيّم الموقف الخليجي وتحديداً السعودي حيال الإتفاق النووي لأن ذلك يدخل في الاعتبارات التي تهمها والقراءة التي تقرأها للأمن الإقليمي كما لأمنها القومي؛ لكن مع مرور الذكری الخامسة للإنسحاب الأمريكي من الإتفاق المذكور، ينبري السؤال؛ ما الذي تحقق من بعد تلك الخطوة:
أولاً؛ للدول الإقليمية؟ ثانياً؛ ماذا جنت الدول الغربية من تلك الخطوة؟ ثالثاً؛ ما هي خسارة إيران؟
قبل الإجابة علی هذه الأسئلة ينبغي القول إنه بعكس ما أرادته الولايات المتحدة ومعها اللوبي اليهودي “ايباك” وحتى بعض الدول الإقليمية ، فإن إيران سعت إلى الإبقاء على الإتفاق النووي، وهذا ما حاولته أيضاً الدول الأوروبية، وتحديداً فرنسا وألمانيا، بعدما تيقنت أن انهيار الإتفاق يُعرّض الأمن الاقليمي ومصالح أوروبا والغرب في المنطقة للخطر. لذلك؛ وعدت هذه الدول إيران في حال بقائها في الإتفاق بتفعيل آلية “اينستكس” للتعامل التجاري والاقتصادي.
لم تلتزم الدول الأوروبية بتعهداتها بسبب رضوخها لضغوط واشنطن لكن إيران عملت مع الدول الغربية علی صمود الإتفاق باعتباره إتفاقاً جماعياً رعاه مجلس الأمن الدولي بالقرار 2231 وهو في نهاية المطاف ليس إتفاقاً ثنائياً بين إيران والولايات المتحدة.
الآن وبعد خمس سنوات.. ما الذي حدث؟
إيران بعد يوليو/تموز 2015 خفّضت نسبة تخصيب اليورانيوم الی 3.67 بالمئة. وبعد 8 مايو/أيار 2018 خصّبت اليورانيوم بنسبة 20 بالمئة وهي اليوم تملك كميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة. وحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإنها عثرت علی يورانيوم بنقاء 83.7 بالمئة؛ وتقول إن نسبة 90 بالمئة لم تكن بعيدة عن اليد الإيرانية! اضافة إلی ذلك، فإن طهران تملك كمية من اليورانيوم ذات نقاء 60 بالمئة تصل الی 62.3 كيلوغرام حسب تقديرات الوكالة الدولية في حين نصّ الإتفاق النووي علی عدم تجاوز إيران نسبة امتلاك الـ 2.2 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67 بالمئة!.
لا أريد الدخول في جدلية رغبة إيران بامتلاك السلاح النووي من عدمه؛ ولماذا وصلت إلی تخصيب نسبة 60 بالمئة لكن الواضح أن القدرة النووية الإيرانية في أيار/مايو 2023 هي أعلى وأكبر بكثير من قدرتها في أيار/مايو 2018. ويبدو واضحاً أيضاً مدی خسارة الجانب الأمريكي والإسرائيلي تحديداً من تجميد العمل بالإتفاق النووي لأن الهدف النهائي من هذا الإتفاق “أمريكياً” هو لجم الطموحات الإيرانية النووية، الأمر الذي لم يتحقق بسبب انسحاب واشنطن من الإتفاق.
أما الأمن الإقليمي، فلم يتحسن غداة الغاء الإتفاق، لا بل إن مرحلة ما بعد أيار/مايو 2018 كانت أسوأ بكثير من قبلها بدليل ما عاشته المنطقة من توترات وأزمات لامست أحياناً حدود خوض حروب جديدة خلال السنوات الخمس المنصرمة.
تبقی إيران التي حاولت الالتفاف علی العقوبات الدولية، “وإن بصعوبة” لتجد نفسها في مسارات جديدة بعد مرحلة “جائحة كورونا” ثم مرحلة ما بعد “حرب أوكرانيا”.
لا أريد هنا تقييم السياسة الأمريكية الشرق أوسطية. فهي باختصار شديد “غير موفقة” لا بل “فاشلة” شرق أوسطياً. وهي خلال ولاية الرئيس جو بايدن “ضعيفة” و”مترددة” و”مأزومة”؛ فلا الإدارة الأمريكية تدري ماذا تريد؟ ولا أهل المنطقة يعرفون ماذا تريد أمريكا منهم ومن منطقتهم؟
في الخلاصة، يجب أن تكون خطوة الانسحاب من الإتفاق النووي مناسبة لمراجعة السياسة الامريكية في المنطقة، وصولاً إلى إستخلاص العبر وأولها أن لأمريكا ودول الإقليم مصلحة في إعادة إحياء الإتفاق النووي كسباً للوقت والأموال والجهود والقدرات ولكن الأهم من أجل أن تكون منطقتنا والعالم أكثر أمناً واستقراراً.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha