الدكتور السفير جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل /٢٠٢٣/٧/٥.
تبذُل الدول الجهود و الزيارات ، وتمنح المساعدات في اطار العلاقات الدولية من اجل اهداف تسعى لتحقيقها ، وكذلك تسعى الدول الى اغتنام الفرص في ساحة العلاقات الدولية ،من اجل توظيفها لتحقيق الاهداف المرجّوة ،لاشئ ( لوجه المعبود ) .
و ما مِنْ ملف في العالم ينافس ملف القضية الفلسطينيّة في عمر الاحتلال و معاناة الشعب الفلسطينى ، و ادراة النفاق وتعطيل القانون و ازدواجية المعايير في المواقف و توظيف تفصيلات القضيّة .
الزيارة الرسمية التي قام بها ألرئيس الفلسطيني في ٢٠٢٣/٦/١٣ ، وبدعوة من الرئيس الصيني ،ولمدة ثلاثة ايام ،لها خصوصيتها و أهميتها . تأتي في ظرف دولي مناسب لمصلحة القضية الفلسطينية ،حيث الجميع ينفضُ يديه من الدور الامريكي في المنطقة ، الذي طالما كان متحيزاً لاسرائيل ،بل داعماً لها ، والذي طالما دعمَ الفوضى الخلاّقة في المنطقة . هل ستمتلك السلطة الفلسطينية الشجاعة كي تسير مع السرب الذي يغادر حَلبة النفوذ و الاملاءات الامريكية ؟
اعتقد بقدرة السلطة الفلسطينية على ذلك . منذ حضور الرئيس محمود عباس قمة سيكا ( نحو تعزيز قيم السلام والحوار لدول آسيا ) ، في كازاخستان ،خلال شهر تشرين الاول عام ٢٠٢٢ ، و مقابلة الرئيس عباس للرئيس بوتين على هامش القمّة ، تبنى الرئيس عباس موقف و ادلى بتصريحات جريئة تجاه امريكا ، حيث عبّر عن استياءه من الدور الامريكي المُتحيّز ، وعدم اطمئنانه وثقته بالدور الامريكي ، ومانعَ من المشاركة في ايّة جهود للسلام دون اشراف و رعاية الرباعيّة الدولية ( روسيا ،الاتحاد الاوربي ،امريكا ، الامم المتحدة ) . جاءت تصريحات الرئيس عباس في وقت تخوض روسيا حرباً ضّدَ امريكا و الغرب مُمثّلاً بحلف الناتو ، ومسرح هذه الحرب هي أُوكرانيا .وفي وقت تبحث فيه امريكا عن دعم و تأييد وتحشيد ضد روسيا ، والرئيس الفلسطيني لم يتردّدْ ،في اللقاء ، بتثمين دور روسيا في دعم العدالة الدولية والسلم العالمي و احترام القانون الدولي .
زيارة الرئيس عباس كانت بدعوة من الرئيس الصيني ، و رّحبَ الرئيس الصيني ،خلال كلمته في بداية اللقاء الاول المشترك ، بالرئيس عباس ،واصفاً اياه بأول رئيس عربي يزور الصين لهذا العام ، و واعداً بأقامة علاقات " استراتيجية بين فلسطين و الصين ". وعلينا ،صراحة التوقّف عند هذا الوصف للعلاقة بين فلسطين و الصين ،والتي ستكون ،وعلى لسان الرئيس الصيني " بعلاقة استراتيجية " ! و لمْ تمنح الصين هذا الوصف لعلاقتها الاّ لدول مثل أيران و مصر و السعودّية .
الامر الذي يبيّنُ مدى الاهتمام الذي ستوليه الصين للقضية الفلسطينية ،و ستعزّز الصين نفوذها السياسي في المنطقة ،من خلال جهودها و مساعيها لاحياء مفاوضات سلام بين اسرائيل و الفلسطينيين ، بعدما نجحت في انهاء التوتر بين المملكة العربية السعودية و الجمهورية الاسلامية في ايران .
سيكون استثمار الصين في فلسطين هو سعي وجهود لاحياء مفاوضات السلام بين الطرف الاسرائيلي و فلسطين ، بالاظافة الى استثمارات و مساعدات في مجال البنى التحتيّة والكهرباء.
بكل تأكيد ، تدرك الصين صعوبة ،بل استحالة اقناع الطرف الاسرائيلي بمفاوضات تقود الى تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال الاسرائيلي ، و اقامة دولة فلسطينية ،وفقاً للشرعية الدولية ، ولكنها تعّول كثيراً على المتغّيرات الدولية و الاقليمية ، والتي ليست لصالح اسرائيل ؛ و اهم تلك المتغيّرات هو انحسار النفوذ الامريكي في المنطقة و جزع امريكا من اسرائيل ،و التي اصبحت مشكلة لامريكا و للعالم ، كذلك تبدّد قوة الردع الاسرائيلي ،وعدم جدوى سياسية التهديد و الوعيد و العربدة الاسرائيلية ، وعدم قدرة اسرائيل بشّن حرب .
كانت زيارة الرئيس عباس الى الصين مناسبة نشاط سياسي للسلطة ،والتي اصبحت ،ميدانياً ،على هامش القضيّة ، مقارنة بحركات المقاومة ( الجهاد و حماس ) و اللتان فاعلتان ميدانياً و سياسياً ، و مابين روسيا و ايران و القاهرة . مَنْ خذلَ السلطة و ساهمَ في تهميشها هي امريكا و ربيبتها اسرائيل . اسرائيل تستخف بمنْ يتعامل معها باتفاق سلام او بتطبيع او بتعاون امني ( كحال السلطة الفلسطينية)، وتحذر و تحسبُ لمَنْ يعرفُ دنائتها و جرائمها ويقاتلها سياسياً و عسكرياً .
لم يسّرْ اسرائيل دعوة الرئيس الصيني لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ،و استقباله و تكريمه بتصريحات سياسية تُليق بنضال و مظلوميّة الشعب الفلسطيني ،و بعدالة القضية ، و أستغربت اسرائيل تصريح الرئيس الصيني بالعمل على شراكة استراتيجية مع فلسطين . وما يُغيض اسرائيل و رئيس حكومتها هو شعوره منبوذاً من الادارة الامريكية ، حيث لم يلقْ ايّة دعوة من الرئيس بايدن لزيارته بعد انتخابه ، خلافاً لما جرى عليه عُرف و بروتكول التعاون بين الادارة الامريكية و اسرائيل .
تفّكر الصين ، كما اعتقد ، بضرورة احلال السلام في المنطقة ، والسلام في المنطقة يمّرُ من خلال حّلْ القضية الفلسطينية ،وفقاً للشرعية الدولية ، و مصالح الصين التجارية و الاقتصادية في المنطقة تتطلب ليس فقط طريقاً للحرير والتنميّة ، و انما ايضاً طريقاً للسلام الذي يؤمّن التنميّة .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha