السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
انتصرت غزّة قبل أن تبدأ المعركة ، و شطبت غزّة قوة الردع الاسرائيلية ، و المتآكلة اصلاً ،من خرائط الاشتباك الاستخباراتي والعسكري المرسوم بين الكيان المهزوم و محور المقاومة .
نتنياهو الآن و زمرته في وضعٍ نفسي مأزوم ، وسياسي مهزوم ، وما يصدر عنهم هو انتقام واستدراج ،من الله سبحانه وتعالى ،نحو مزيد من الجُرمْ وسفك الدماء البريئة ،والتي سَتصب في حوض سبيل الله ، وتشهد عندهُ ،سبحانه .
لو تُرِكَ الامر و القرار لهم ( اي لنتنياهو وزمرته ) لفعلوه (اي الاجتياح البري ) ، ولكن من يدير الحرب الآن عسكرياً،على مستوى القرار الاستراتيجي هو الرئيس الامريكي وبطانته . هؤلاء هم ايضاً يديرون الحرب سياسياً واعلامياً . نعيش استنفارا امريكيا و غربيا ،وعلى كافة الصعُد ، في التعاطي مع الحرب لصالح اسرائيل ،دون اي اعتبار لقانون او لعُرفْ ،او لاخلاق ،او لانسانية ،بل العكس . كم هو ثمين اذاً ، و غال وعزيز هذا الكيان لهولاء مُدّعي حقوق الانسان والعدالة وحرية التعبير وحّق المصير ، والذين يُكيلون الامور بمكياليّن .
الادارة الامريكية ، تعتبر الآن نتنياهو غير مؤهل لاتخاذ قرار ، وتتركه يمعنُ في انتقامه لاشباع غريزة القتل و الاجرام . للتحشيد الامريكي العسكري بالاساطيل وبالعتاد والسلاح للمحتل هدفان : الاول اقناع وطمأنة الكيان وادارته وامتثال للوبي الصهيوني ،والثاني تهديد دول المحور وحزب الله وحركات المقاومة من الاقدام على فتح جبهة جديدة من شمال فلسطين ، ومن قبل حزب الله . وبالتأكيد ،وصلت رسائل للحزب تطلب عدم مشاركته او بالتحديد عدم فتح جبهة جديدة ، وخاصة من قطر ومن فرنسا .
الحزب في حذر شديد وفي تواصل دائم مع اطراف محور المقاومة ، ويتبنى الآن موقف ” الغموض البّناء” ، الموقف الذي يجعل اسرائيل وخصومه و اعداءه في حيرة . يدرك الحزب جيداً بأنَّ الكيان في حالة تقهقر ، وهي فرصة عسكرية مناسبة جداً للإنقضاض عليه ، لاسيما في وقت تنشغل فيه امريكا وقوى الغرب في ساحة الصراع والحرب في اوكرانيا ، ولكن الحزب وضع شرطه واعلنه للجميع وهو ” سيقاتل الى جانب المقاومة الفلسطينية اذا حصل اجتياح بري ” .
لنْ تُقدم امريكا على السماح بأجتياح بري لغزّة مقابل منح الحرية الكاملة للمجرم نتنياهو ووزير دفاعه بالاستمرار وبدون هوادة في قصف غزّة ، وهذا ما نعيشه مع الاسف ، وهذا ،صراحة مشهد آخر من مشاهد الغباء الامريكي والاجرام الامريكي . حزب الله فهِمَ المعادلة جيداً واطمأن على غياب قرار اجتياح بري ،مقابل ارتكاب مجازر وافراغ غزّة من السكان ،فرسمَ هو ايضاً معادلته وهي ” فتح حدوده لفصائل المقاومة الفلسطينية الاخرى كي تأخذ دورها في المشاركة في الطوفان ،ومن جبهة شمال اسرائيل ،جنوب لبنان ، وهذا ما نعيشه الآن ،حيث تنشط فصائل المقاومة الفلسطينية كالجهاد وغيرها من جنوب لبنان في استهداف العدو ،وفي اطلاق المسيّرات ، وغيرها من العمليات الاخرى .
إنْ اقدم العدو على الرّد على العمليات العسكرية المنطلقة من الجنوب ،والتي تتبناها وعلناً الفصائل الفلسطينية المسلحة ، واحدثَ اضرار او خسائر بالارواح في الجنوب ،سيرد حزب الله ، وهذا ما فعله في الامس واول امس حين استهدف موقعاً للعدو ، وآلية عسكرية بصواريخ موجّه .
بعبارة اخرى ، الحزب يشارك بشكل غير مباشر من خلال فصائل المقاومة الفلسطينية التي تستخدم جغرافية الجنوب ،وبشكل مباشر عند الرّدْ على اعتداءات الكيان على الجنوب ، و في ذات الوقت يلتزم بعهده وشرطه عدم المشاركة بريّاً طالما الكيان ممتنع لحد الآن عن القيام باجتياح بري .
* رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات /بروكسل / ٢٠٢٣/١٠/١٢ .
https://telegram.me/buratha