السفير الدكتور جواد الهنداوي ||
رئيس المركز العربي الاوربي للسياسات وتعزيز القدرات ،بروكسل ،
التاريخ ، وخاصة في منطقتنا ، مدرسة وليس درساً ، لقراءة وتحليل الوقائع و الاحداث و المواقف ، واستشراف ما بعدها .
في عِزْ انتصارات ابطال فلسطين ، و مآساة اطفالها ونسائها ، وفي اكبر حملة تبرع دم من ابناء غزّة لاولئك الذين يعيشون دون دماء ،دون قلوب ،دون انسانيّة ، تستعيد ذاكرتي لقاء كولن بول ،وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية الاسبق ،مع الرئيس بشار الاسد ،وفي شهر تشرين الاول عام ٢٠٠٤ ،اي بعد احتلال العراق .
المفارقة أنَّ اللقاء كان ايضاً في شهر تشرين ،في شهر اكتوبر ، حيث كانت الادارة الاميركية حينها تشعرُ بالنصر و قوة على الارض ،فكان مضمون اللقاء هي رسائل تهديد صريحة لسوريّة ، ومطالبتها بالخضوع و الانصياع للمطالب الامريكية . رفضت وصمدت و انتصرت سورية.
اليوم ، وبعد عشرون عاماً ،يأتي بلينكن و خلفه بايدن الى المنطقة ،وهم خائفون على مصير الكيان ، يتوسلون بعدم توسّع الصراع ، ويبحثون عن حّلْ . جاءوا في الامس متوعديّن وجاءوا اليوم منهزمين . هم ، اكثر من الاسرائلين معنين بالانكسار و بالهزيمة . والذي حقّق هذا الانتصار هي قوة صغيرة من محور المقاومة ،فما بالك بأولائك الذين يحملون ذات الارادة والعقيدة في القتال ، وهم اكثر عدداً و قوتاً وتجهيزاً .
عشرون عاماً مضتْ ، وهم يسعون لتصفية القضية الفلسطينة ،و اذا المقاومة الفلسطينية و الاسلامية و احرار العالم وشرفاء الوطن يشهدون مرحلة تصفية الكيان المغتصبْ . طوقان الاقصى نقلَ القضية الفلسطينية من عصر التطبيع الى عصر التحرير .
اعودُ الآن لتقييم و استشراف زيارة بلينكن وبايدن للمنطقة .
عديدةٌ هي اهداف و دلالات زيارة الرئيس الامريكي بايدن ، والمتوقعة ، الى المنطقة ،وفي هذا الظرف . وتأتي بعد اختتام زيارة وزير خارجية الادارة الامريكية ، قبل ثلاثة ايام . وفقاً لصحيفة واشنطن بوست ،والصادرة يوم ١٠/١٥ ، والتي تناولت زيارة بلينكن الى السعودية . لمْ تك زيارته موفقة للمملكة ،حيث ،وبعد انتظاره ساعات عصر يوم السبت ، لم يقابله الامير ولي العهد محمد بن سلمان الاّ صباح يوم الاحد ، و اسمعّه و بأختصار جداً ماهو المطلوب من امريكا ،وليس ماهو المطلوب من السعودية او من العرب ! ايقاف القصف الوحشي على المدنيين ، حّلْ الدولتيّن ،ايصال الماء والكهرباء والوقود الى القطاع المحاصر و المحتل . كذلك كان اللقاء بين بلينكن و الرئيس محمود عباس في عمّان ،وليس في رام الله، فاشلاً ، وحسب تصريح السيد عباس زكي ،عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الفلسطينية.
جاء بلينكن ليطلب من اصدقاءه و حلفائه بأن يدينوا مقاومة حماس ، و يوافقوا على تهجير سكان غزّة ، ربما ارادَ منهم الادانة و التهجير ، كخطوة اولى ليطلب بعدها مشاركتهم في توغل بري للقضاء على حماس ، ولِمَ لا ، وللادارة الاميركية الاكثر صهيونيّة ( حسبَ ما صرّحَ به بايدن عن صهيونيتهِ ) لا خجل و لاحياء .
وجاء ايضاً وزير خارجية ايران وزار عواصم المنطقة والتقى بقادة المقاومة في بيروت لدعم المقاومة ،وفي مسعى هدفه اتخاذ موقف عربي و اسلامي موّحدْ تجاه الجرائم الاسرائيلية .
فَشِلَ بلينكن ،وعادَ خائباً ،مرّة اخرى لاسرائيل ،ليخبِر نتنياهو بالنتائج ، والتي على ضوئها قررت امريكا باستبعاد فرضية التوغل البري ، وتوالى تسريب انباء استبعاد التوغل البري او تأجيله ، و انباء عن خلاف حاد بين وزير الامن الاسرائيلي ،المؤيد والداعي بقوة لتوغل بري ،والموقف الامريكي ،والمتمثل بنتنياهو ، والمتحفظ جداً على قيام اسرائيل بتوغل برّي . مَنْ يدير" عمليات القصف الجوي" هي الادارة الامريكية وليس نتنياهو ، وهذا ما كتبناه في تاريخ ١٠/٥ ، في مقال ،تحت عنوان ،هل تُقدِم اسرائيل على التوغل البري"؟.
ما يجري في غزّة ليست معركة وليست حرب ، هي ،في الحقيقة، قصف جوي على مباني واطفال و مدنيين عُزّل .
المعركة الآن ، في شمال اسرائيل ،في جنوب لبنان ،بين حزب الله و اسرائيل ، وتبدوا معركة استنزاف للكيان الصهيوني ،حيث يتكبّد كل يوم خسائر في الارواح و المعدات ، علاوة على القلق والهلع والخوف الذي يرتاب العدو من تدحرج مناوشات المعركة نحو حرب ، تسمح لمقاتلي حزب الله التوغل نحو الجليل .
امريكا و اسرائيل ،الذين هدّدوا بالتوغل البري في غزة ،و اكتشفوا عجزهم ، يخشون الآن مِنْ توغل بري لحزب الله في الجليل ولما هو ابعد من الجليل !
قد تكون هذه هي المفاجأة التي يتحدث عنها محور المقاومة !
في حسابات محور المقاومة ( ايران وحزب الله والفصائل الفلسطينية الاخرى ) ،في حالة توغّل بري لمقاتلي حزب الله نحو الجليل ،لن تجرأ اسرائيل الى الذهاب لخيار القصف الجوي على بيروت والجنوب ،لانها تعلم جيداً قدرات المقاومة في الرّدْ .سيفرض الحزب ،في هذه الحالة ، على اسرائيل معركة بريّة حقيقية و ستتكبد خسائر كبيرة في المعدات و الافراد .
ما الذي في جعبة بايدن عند لقاءه مع القادة العرب ؟
سيصل الرئيس وسيكون بين العرب ،وهو بشعور خاسر و فاشل ، و ربما سيقول لهم " انا بينكم ابراهيمي وليس صهيوني " ، اتصال بايدن برئيس وزراء العراق ،السيد محمد شياع السوداني ،قبيل وصوله للمنطقة ، دليل على انهم يخشون من طلوع المَنون لمقاتلي حزب الله ، ويعرف الرئيس بايدن أنًَ العراق مؤهل اكثر من غيره من الدول العربية ،للتواصل والتأثير بمحور المقاومة ، وخاصة ايران . يريد بايدن تطمينات قبيل وصوله بأنْ لا هجوم برّي من طرف حزب الله ،اثناء زيارته . الاجواء الآن في المنطقة تتجهّ في الحديث والعمل عن توغّل برّي لحزب الله لتحرير ما تبقى من الاراضي اللبنانية المحتلة ،و كذلك الدخول الى الجليل ،اي فتح معركة بريّة حقيقية ،لا قدرة للعدو الصهيوني على مواجهتها .
يكفي فخراً للمقاومة الفلسطينية و الاسلامية الباسلة ان بايدن سيصل مطار عمّان ومنها الذهاب الى اسرائيل،لأنَّ مطار تل ابيب غير آمن .
https://telegram.me/buratha