اضواء على اطروحات توينبي في فلسفة التاريخ: ......تعريف ونقدعلاء الدين السيد محمد تقي الحكيم

اضواء على اطروحات توينبي في فلسفة التاريخ: تعريف ونقد

 

علاء الدين السيد محمد تقي الحكيم

 

ارنولد جوزيف توينبي، مؤرخ انجليزي ولد عام 1889 في اسرة معروفة بمكانتها الثقافية ضمت العديد من رجالات الفكر، لعل اشهرهم عمه انولد توينبي، المؤرخ والعالم الاجتماعي ، تلقى تعليمه في وننشر ومن ثم في كلية باليول في جامعة اوكسفورد .

 

اصبح زميلا في هذه الكلية من عام 1912-1915 تزوج من ابنة جلبرت ميدي، العالم الانجليزي المعروف في الدراسات الكلاسيكية .

 

عمل في وزارة الخارجية البريطانية في اثناء الحرب العالمية الاولى، وعين استاذا لتاريخ اللغة الاغريقية بجامعة لندن 1919-1924 .

 

عين في عام 1925 مديرا للدراسات في المعهد الملكي للشؤون الدولية، حصل على فرصة لدراسة الاثار اليونانية في المدرسة البريطانية في اثينا، سافر الى اليونان للاطلاع على المعالم والاثار الحضارية، شغل منصب استاذ التاريخ الدولي 1927 .

 

زار القاهرة في عام 1964 والقى اربع محاظرات فيها

 

توفي عام 1975 وتحديدا في 22 تشرين الاول

 

الروافد الفكرية

 

تاثر توينبي بمفاهيم الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون، في فكرته حول دور الاقلية المبدعة في بناء التقدم الحضاري اذ ان من العبث الاعتقاد بان التقدم الاجتماعي ياخذ مكانه تدريجيا بفعل حالة المجتمع الروحية ابان فترة معينة من التاريخ، وان قفزة الى الامام لاتتم الا عندما يحزم المجتمع امره للقيام بتجربة ما، وهذا يعني ان المجتمع قد سمح لنفسه بتقبل الايمان وان نصيبه مثل هذه الرجات التي يحدثها عادة شخص ما ، علق توينبي على هذه الفقرة بما نصه ((ان هؤلاء هم اعظم من كونهم رجالا عاديين، ففي وسعهم انجاز ما يظنه غيرهم معجزات، مثل هؤلاء الافراد عباقرة بالمعنى الحرفي وليس بالمعنى المجازي حسب.

 

وتأثر توينبي بالمؤرخ كاريل في فكرة البطل حيث طور هذه الفكرة بأشتراطه الارستقراطية فيه، حيث كان يخشى الديمقراطية وعارض فكرة المساواة. (

 

ولكن توينبي ناصر العدالة وتحدى النزعات الارستقراطية المنحرفة، حيث عد الابطال حالات نسبية وليست مطلقة قال ما نصه: (( ان الاقلية المبدعة التي قد انتهى امر ابداعها وانحط شأنها فباتت اقلية مسيطرة .

ويرى الدكتور جواد علي ، ان توينبي قد تأثر بفكرة ظهرت في النصف الاول من القرن العشرين بين المؤرخين وتعود الى ((هيردر)) ومفادها البحث في التاريخ الحضاري ومن جملة الباحثين في هذا الموضوع مؤرخ الماني اسمه ((مفردبيرس)) الذي اسس معهدا في فرانكفورت لدراسة الحضارات وتشريحها(

وتاثر توينبي ببنجلر في فكرة المجتمعات الحضارية، ولكنه طور هذا المفهوم بفكرة مغايرة(

وجد توينبي ضالته في نشوء الحضارات وسقوطها في رواية فاوست للشاعر جوتة قال ما نصه ((عثرت على الدليل بالفعل في رواية فاوست لجوتة وهي الرواية التي الممت بها لحسن الحظ ابان الدراسة

واخيرا فان من روافد بنائه الفكري كان ابن خلدون حيث قال عنه (( ان ابن خلدون كان نقطة الضوء الوحيدة في ذلك الافق وانه بلا ريب هو الشخص البارز في تاريخ الحضارة .

قال الدكتور عفت الشرقاوي ((فمن المحقق ان هناك عددا كبيرا من المؤلفات الشرقية والغربية قد اسهمت في تكوينه (توينبي) الثقافي ورؤيته التاريخية، غير ان من الواضح الجلي ان لمقدمة ابن خلدون اعمق الاثر في نظريته الحضارية .

 

ملامح من اطروحات توينبي في فلسفة التاريخ

 

ان مدار نظرية توينبي التاريخية تبتني على ان الدراسة التاريخية الحقة هي ليست دراسة امة بعينها او عصر بذاته بل ان البحث التاريخي يجب ان ينصب على المجتمعات اذ لا توجد امة في العالم يتم دراسة تاريخها بمعزل عن تواريخ بقية الامم .

 

قسم توينبي المجتمعات الى 21 مجتمعا اندرس معضمها ولم يبق منها سوى خمسة هي المسيحية الغربية، المسيحية الارثوذكسية، الاسلامي، الهندي، الشرق الاقصى

وتوينبي يفرق بين طائفتين من المجتمعات باعتبارها كتلة بشرية متعاونة فهناك المجتمعات البدائية، وهناك المجتمعات المتحضرة .

 

رفض توينبي اعتبار حركة التاريخ حركة دورية فارغة بل وظف فكرة الحركة الدورية للتاريخ بشكل يتلائم مع حالة التقدم والتطور، ويرى في الاحداث التاريخية جانبين مهمين هما المادي، والروحي .

نظر توينبي لحركة التاريخ من خلال وضع الجزء في الكل ولكي تكتمل الصورة ضرب مثلا لذلك هو ان تاريخ بريطانيا لا يمكن فهمه الا اذا وقع ضمن اطار تاريخ المجتمع الاوربي الغربي .

رفض توينبي الحتمية المادية للتاريخ ودعى الى الحتمية الروحية المبدعة الخالصة وليس للعقل اوللعامل المادي مكان في نظرته للتاريخ .

 

يرى توينبي ان الاحداث التاريخية يكتنفها جانبان روحاني ومادي ويقول ((لا يعيش الانسان في ظل قانون واحد انه يحيى في ظل قانونين الاول ناموس الله والثاني حرية محدودة للانسان

ويرى ان التاريخ هو مشهد من المشاهد وحقيقة من الحقائق شهدها وسجلها المؤرخ، ونظر الى التاريخ من زاوية طبيعية وليست من نظرة عقلية في استعراضة لاساليب الدراسة التاريخية هناك ثمة ثلاث وسائل مختلفة لمعاينة وعرض موضوعات الفكر

 

1- تحقيق الوقائع وتسجيلها

 

2-استخلاص قوانين عامة عن طريق دراسة مقارنة للوقائع المختلفة .

 

3- اعادة تصوير الوقائع بطريقة فنية في مصنف خيالي

 

هناك عوامل التشكيل الثقافي عند توينبي هما حصيلة تفاعل بين الجنس والبيئة، يناقش توينبي ؟؟؟؟ الجنس البشري فيرى انها مزايا مفترضة افتراضا تؤلف الصفات النفسية والروحية والحضارية في مجتمع من المجتمعات، ويناقش توينبي ايضا نظريات علماء الاجناس المدافعين عن نظريات الجنس والذين يلتقون في نقطة اساسية تلك هي ان التفوق الفكري مرتبط بلون البشرة فكلما مال لون البشرة لجنس من الاجناس الى اللون الابيض كلما ازدادت القدرة الفكرية لدى هذا الجنس، فالسلالات ذات البشرة البيضاء والراس الطويل والشعر الاصفر هم الجنس النوردي والذي يعتلي سلم الشرف في السجل الحضاري .

ويؤكد توينبي هراء نظرية الاجناس ويرى ان العنصر النوردي لم يكن ولا على أي مدى تاريخي اكثر اسهاما من غيره في الحضارات من المجموعات البشرية الاخرى .

 

ويناقش توينبي نظرية البيئة واثرها  في خلق الحضارات فيرى انها ليست اقل عبثا من نظرية الاجناس، فالمدافعون عن نظرية البيئة يرون ان تاثيرات الجو والماء والموقع الجغرافي هي الاساس وهي الدافع لطبيعة التغيرات الحضارية يقول ((حقا ان ظروف البيئة المتشابهة في حوض نهر النيل وحوض الرافدين قد اتاحا خلق مجتمعات وحضارات متشابهة ولكن كيف نفسر عدم وجود مجتمعات وحضارات متشابهة لمجتمعات وحضارات النيل والرافدين في وديان اخرى متشابهة لهذين الواديين كوادي ريوغراندي ونهر كلورادو

 

تؤدي فكرة التحدي والاستجابة دورا رئيسا في تصوير توينبي لاتجاهات الشؤون البشرية وفي تفسير احداث التاريخ واستخلاص نتائجها وعبرها، لقد اوحى بالفكرة الى توينبي مطالعته في العهد القديم (التوراة) ان التاريخ هو مجموعة من الافعال يبرز فيها الله تحديا للبشر افراد وجماعات فآمن توينبي ان المادة وحدها لا تكفي لتفسير احداث التاريخ كما الروحانية لا تفسر احداث التاريخ ويرى توينبي ان الله منح الحرية للانسان وهي حرية جزئية وبفضل حرية الانسان مع ارشاد الله  تتحقق للانسانية الرخاء والتقدم ، فهناك تحدي واستجابة في الوسط الروحي وهناك تحدي واستجابة في الوسط المادي (الحضارة )، وهناك تحدي من البيئة البشرية (تاثير المجتمعات او الدول على جيرانها) عن طريق صدمات  تحل عليه من خارج الاحتلال او الحروب، وتفاعلات اجتماعية داخلية  حركة المجتمع الربح والخسارة فالخسارة تحديا يستجيب له الانسان الخاسر بملكه اذى تعوض هذه الخسارة

ولكن هل يظل التحدي الى ما لا نهاية بحيث كلما اسشتد التحدي عظمت الاستجابة وهل هناك تحدي زائد عن الحد .

 

يقول توينبي ان هناك تحديات اعجزت الاستجابة منها اخفاق شعوب الشرق الاوسط ضد تحدي العالم الهيلني الى ان وفد الاسلام فنجح فد رد عدوان العلم الهليني

 

يحدث الارتقاء الحضاري وفقا لرأي توينبي وقتما تصبح الاستجابة لتحد معين، وبدورها تستثير تحديا اضافيا يقابل باستجابة ناجحة فهناك سيطرة على البيئة البشرية والتي تتخذ شكل الغزو وهناك سيطرة على البيئة المادية، تحسينات تكنولوجية التسامي عند توينبي هو التغلب على الحواجز المادية، وتعمل على اطلاق طاقات المجتمع من عقالها لتستجيب لتحديات النفس أي انها روحانية الطابع وليست مادية الطابع

اما بالنسبة لسقوط الحضارة فان الفارق الاساسي بين دوري النمو والسقوط هو ان الاقلية الحاكمة في الدور الاول تكون قادرة على الخلق والابداع وتكون عاجزة فيما بعد فتحاول عن طريق السيطرة البقاء في الحكم، فيحدث الصراع بين الاقلية الحاكمة الطاغية التي تحاول السيطرة بالقوة، واغلبية مسحوقة، وان الصراع الداخلي داخل الكيان الحضاري هو سبب سقوط الحضارات، وقبل السقوط تمر الحضارة بدورين الاول دور الانحلال الناتج عن الانشقاق الداخلي والفساد الروحي ودور الزوال .

 

ثم ان هناك وسط ذهبي وهو المجال المحصور بين الافراط (التحدي) والتفريط (الانهيار) فاذا لم تتحق الاستجابة المطلوبة يحدث الانهيار، وقد تمر الحضارات قبل انهيارها بصحوة موسمية سرعان ما تتلاشى اسماها بصحوة الصيف الهندي

 

استخدم توينبي افكاراً جديدة في دراسته للتاريخ ،ومن هذه الافكار :

 

التبعية: ومفادها ان الحضارة القائمة عدا التي ترتكز بجهودها الخاصة العراقية، المصرية، الهندية، كانت تابعة لحضارة سابقة، فالمجتمع المسيحي مندمج بنقاط تماس تاريخية مع المجتمع الهيليني

الفوضى: وهو حالة تتوسط انهيار الحضارات وتاخذ شكلين:

 

أ‌- البروليتاريا الداخلية: التي تولد كائنات في جسد المجتمع وليست جزءا عضويا منه وقد تكون عناصر معدمة او بقايا عناصر متخلفة ومثال ذلك الحروب الطبقية التي بدات في العالم الهيلني .

ب‌-البروليتاريا الخارجية: عالم همجي يتحالف مع البروليتاريا الداخلية لاسقاط المجتمع وهي مجتمعات بدائية تقيم علاقات مع المجتمعات المتحضرة وتنقلب عليها بفعل قوة الحضارة الدولة العالمية: هي الدولة التي تحقق السلام للبشرية والحضارة الغربية وتنبعث الدولة العالمية بعد انهيار الحضارة لا قبلها وتتولى تحقيق الوحدة السياسية لكيان الحضارة الاجتماعي،  وتبعث الدولة العالمية عن الاقلية المسيطرة الحاكمة وتعتبر محاولة للم الشعث للمجتمع ابان التحلل

 

الإسلام والحضارة الإسلامية في فكر توينبي التاريخي

 

في غار حراء حيث التقت انفاس الرسول (ص) الصاعدة نحو السماء مع مهبط الروح الامين الذي حمل اليه بشرى الرسالة المتعمدة بالعلم ((اقرأ باسم ربك الذي خلق....اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان مالم يعلم في لحظات ايمانية ولدت الرسالة وولدت معها الحضارة الاسلامية، وولدت معها القيم والافكار، القيم الانسانية التي طوت المسافات الشاسعة حاملة نزوعها الانساني في تجديد وتطوير الحضارات .

 

وكان لهذه الخصائص وراء اهتمام المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي، فقد كان اتصاله بالحضارة العربية الاسلامية قد بدا مبكرا وكان اهتمامه بها كبيرا جدا وعنايته بها عظيمة فعندما كان يافعا قام بالتنقيب في بلاد اليونان، واهتم بدراسة تاريخ تركيا وكان من ثمار هذا الاهتمام دراسته القيمة عن تركيا وعن احوال الشرق الاوسط والعالم العربي في العشرينات وكتابه (محنة  الحضارة) وكتابه (العالم والغرب)، واهتمامه بالقضية الفلسطينية، وكان من مظاهر اهتمامه باللغة العربية انه قام بتعلمها، وقام بدراسة عميقة لبعض المؤلفات العربية ككتاب الفخري في الاداب السلطانية لابن الطقطقي ومقدمة ابن خلدون .

 

تحدث توينبي عن الاسلام وخصائصه وكذلك عن الرسالة الاسلامية وقسمها الى مرحلتين:

 

1- المرحلة الدينية الخالصة .

 

2- المرحلة السياسية الدينية .

 

وذهب الى ان قوة الاسلام تجسدت في المرحلة الاولى وان المبدا الذي حمله محمد (ص) الى اتباعه هو اسلام النفس لله وان الرسالة الاسلامية اصلها التوحيد بالاضافة الى الواجب المترتب على الاغنياء والاقوياء نحو الفقراء والضعفاء والارامل واليتامى .

 

وقال توينبي ((كان لعبقرية النبي محمد اثرا كبيرا في نقل رسالة ربه الى قومه وقد كانت تاريخ الجزيرة مرتبطا بذلك وفي سنة 622 تبدل الوضع تماما لصالح محمد ورسالته فقد جاءه مجموعة من الواحة الزراعية أي يثرب يطلبون اليه ان ينتقل اليهم ويتولى امورهم...وبعد ذلك انتشر الاسلام في العالم

ويقول (درو): ثمة مظهران في التاريخ الاجتماعي للامبراطورية الرومانيةـ في عهد الرسالة المحمديةـ يضيفان تاثيرا عميقا على عقل كل باحث في الشؤون العربية ويجمع المظهرين انتفاء وجودهما في الجزيرة العربية بوضوح تام قبل البعثة المحمدية:ـ

 

الاول: انتقاء عنصر الوحدانية في الفكرة الدينية .

 

الثاني: انتقاء القانون والنظام وهما دعامتان لكل حكومة .

 

وقد كرس محمد حياته لتحقيق رسالته في كفالة هذين المظهرين في البيئة الاجتماعية العربية، وتم فعلا ذلك بفضل نظام الاسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معا، فغدى الاسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من امة جاهلة الى امة متحضرة بل تدفق الاسلام من حدود شبه الجزيرة واستولى على العالم السوري باسره من شواطئ الاطلسي الى شواطئ السيب الاوراسي .

 

لقد ثبت الاسلام الوحدة السياسية فازال العقبات والحواجز التي تؤدي الى التجزئة والتفكك وتنشر الامن والطمانينة، واحترم الفرد ووفر الحرية وشجع على العمل والبناء .

 

ويذكر توينبي ان الاسلام يتميز بسعة الافق وسمو الافكار فهو يحث على استعمال العقل والفكر، ويدعو الى الاهتمام بالامور العامة والنظر الى الكون دون الاقتصار على جوانب المصالح الفردية المادية

وقد اوجد الاسلام بهذه العقائد الانسانية الشاملة....واوجد عناصر جديدة من عوامل الوحدة في العقيدة والدين، وفي القانون ونظم الحياة وقد اوجد الاسلام دولة عالمية تعبر عن الوحدة السياسية للحضارة وقد برزت عوامل التوحيد في وجود خلافة واحدة تحضى باحترام الناس ودين واحد وقوانين واحدة وعاصمة واحدة .

 

واقر توينبي ان الاسلام اكثر العقائد الدينية اتفاقا مع المنطق واشدها دقة في الايمان بمبدا الوحدانية، وانكر ادعاء بعض المؤرخين بان القوة المادية كانت العامل الحاسم في انتشار الاسلام ذلك ان الشروط التي تطلبها المسلمون من غيرهم للايمان بالدين الجديد لم تزد على تأدية عدد من الفرائض لم يكن تأديتها بالامر الشاق من جهة اخرى فان البلاد المفتوحة لم تخير بين الاسلام او القتل بل بين الاسلام ودفع الجزية ، وان الحضارة التي انتشرت في شمال افريقيا ومن طرف مراكش الشمالي جنوبا لهو في الواقع من عمل الاسلام ودعاته العرب  .

 

ويؤكد توينبي ان حضارة المسلمين في ايبرية استغلها أعداؤها المنتصرين عليهم لمنفعتهم فقد ساهم علماء اسبانيا المسلمون في البناء الفلسفي الذي اقامة الفلاسفة المدرسيون من المسيحين الغربيين في القرون الوسطى وان جملة مؤلفات الفيلسوف الهيلني ارسطو قد جاءت الى العالم المسيحي الغربي من ترجمتها للعربية .

 

وقد كانت الترجمة العربية منذ عهد الخليفة المأمون قد ساهمت الى نقل التراث العربي الى الامم ولا سيما الفكر اليوناني، فقد ترجمت عدد من المؤلفات عن السريانية وهذا يؤكد على وجود حركة فكرية كبيرة

امن توينبي بعودة السيادة العربية وتحقيق الوحدة وخمن ان يكون عام 1974 هو موعد انجاز ذلك ((على هذا الاساس يكون للعرب حتى عام 1974 كيما ينجزوا وحدتهم بنفس سرعة الالمان والايطاليين

وخلاصة القول ان هناك بعض الملامح الاسلامية في فلسفة توينبي للتاريخ منها ما قرره الامام الصادق من قول لاجبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين مثل هذا المفهوم نجده في فكر توينبي حيث يقول لا يعيش الانسان في ظل قانون واحد انه يحيى في ظل قانونين الاول ناموس الله والثاني حرية محدودة للانسان

واذا امعنا النظر في نظرية توينبي للحضارات والمراحل التي تمر بها الى عمر الانهيار نجد ذلك في القران الكريم حيث يقول ((فاذا جاء اجلهم لايستاخرون ساعة ولايستقدمون .

 

قال الامام الباقر في تفسيره لهذه الاية (يريد بذلك عذابا يتنزل من السماء)

وقوله تعالى ((وتلك الايام نداولها بين الناسونداولها معناها هنا نجعلها لجماعة لجماعة ان كانت لأخرى ، وقوله تعالى ((اولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا اشد منهم قوة واثاروا الارض وعمروها اكثر مما عمروها .

 

ونظرية البطل في فكر توينبي تقترب كثيرا من نظرية وفكرة تكليف الله للانبياء بالرسالة فافعال الافراد هي الثقل في عملية الحراك الاجتماعي والتغير  الاجتماعي ياتي من هؤلاء الاقلية المبدعة، ويبقى للبطل التاثير الفعال ويصبح العامل الحاسم في التغيرات الاجتماعية، ونجد ذلك في المسيحية (الحواريون) وبالاسلام الصحاب)، ويرى توينبي ان التحديات و الطبيعية البشرية حافزا على نشوء الحضارة والاستجابة الانسانية لهذا التحدي،ولكن هذه التحديات لها مدى معين، فاذا كان فاذا كان الرخاء المفرط يقتل الحضارة في طفولتها فان قسوة العوائق في البيئة الطبيعية قسوة لا يقدر على تحديها.

هذا الراي ذهب البه ابن خلدون قبل توينبي حيث يقول ان اختلاف الاقاليم في الاعتدال والانحراف وتأثير الهواء في الوان البشر وفي اخلاقهم والكثير من احوالهم، وكذلك اختلاف احوال العمران...فهو يشير الى ارتباط المدى الحضاري بالعامل المناخي .

 

نقد فكر توينبي التاريخ

 

اولا:-

 

ان اهم نقد موضوعي يوجه لفلسفة توينبي هو التناقض بين القول النظري بالاختيار والتدليل على الجبر في حركة التاريخ، وذلك لانه يؤكد على ان جميع حضارات العالم السابقة مهما بلغت من القوة والشمول وطول الحياة كان مآلها الحتمي هو الموت ولكنه عند حديثه عن الحضارة الغربية فانه يجيب بان المستقبل مفتوح وان تاريخ الماضي لا ينبأ بما يكون عليه الغد .

 

ثانيا:-

 

ويقول ان لم يبق من الحضارات غير الحضارات السبع ستة منها تدور في فلك الحضارة الغربية وهي الارثوذكسية، المسيحية البيزنطية، المسيحية الروسية، والاسلامية و الهندوسية، والصينية، والكورية-اليابانية والسابعة لا يعرف مصيرها بعد وهي الحضارة الغربية القائمة الان في اوربا الغربية والكومنولث البريطاني وامريكا اللاتينية والولايات المتحدة، والنقد الموجه ان هذه الحضارات المختلفة التي تتباين  ينابيعها وتختلف قيمها وتراثها واخلاقها كل هذه الحضارات تدور في فلك الحضارة الغربية .

 

ثالثا:-

 

تسميته للحضارات على اساس ديني وكأن الدين هو السمة الوحيدة لهذ الحضارات، فهو يسمي الحضارة باسم  اهم مقوم لها فان كان الدين كالحضارة الاسلامية فهل صحيح ان تسمى الحضارة الاوربية في العصر الوسيط باسم الحضارة المسيحية، فهل ان ذلك جائز للعصر الحديث مع ان مسار الحضارة الاوربية منذ عصر النهضة قد اتخذ طابعا علمانيا ان لم يكن تمردا على استناد مظاهر الحضارة الى الدين(.

 

رابعا:-

 

لا يتفق الجغرافيون مع توينبي في الانقاص من اثر البيئة الجغرافية في سير الحضارات، وينتقدونه في استشهاده بحقائق جغرافية  يتعمق البحث فيها ولا سيما في موضوع اثر البيئة الطبيعية في نشوء الحضارات الاصلية[49] .

 

خامسا:-

 

في نظرية التحدي والاستجابة هذا العامل ليس جديدا بل هو قانون الفعل ورد الفعل ويؤخذ عليه في هذه النظرية تطرفه في الاستنتاج والاسهاب في درسه الذي لم يوصله الا الى بديهيات فهو يرى مثلا ما حدث هو شائع لانتشاره في البيئات الصعبة ولذا فان افضل البيئات الصعبة هي الصحاري ولذا نراه استنتج الوسط الذهبي وهو ليس بحاجة اليه .

 

سادسا:-

 

مما يؤاخذ به توينبي انه يسلك اسلوب الانتخاب أي انتخابات الحقائق التاريخية التي يستشهد بها واهمال الحقائق الاخرى القريبة منها كما يخالفونه في التعميمات الكثيرة المبالغ بها فمثلا نجده يخصص لبعض الحضارات عهود تدهور بعيدة الزمن يعدها المؤرخون عهود خلق وابداع ومثالها وادي النيل والرافدين والحضارة اليونانية([50]) .

 

سابعا:-

 

يقول توينبي ان مصر القديمة هي المبدأ الوحيد الذي تفرعت عنه جميع الحضارات التاريخية المعروفة، وهو في مكان اخر يقول ان الحضارة المصرية هي من الحضارات المنقطعة .

 

ثامنا:-

 

يوجد في هذا الوقت انقسام تام بين المجتمعات العربية- الاسلامية والمجتمعات غير العربية –الاسلامية، ليس هناك فرق بين حضارة الباكستان وتراثها وتراث العرب الفكري وليس هناك فرق كبير بين حضارة الهند وحضارة العرب ثم يناقض نفسه حيث يقول حضارة اسلامية، وحضارة هندية ولا ندري هل ان توينبي قد فصل المسلمين من الهندوس داخل الحضارة الاسلامية( .

 

تاسعا:-

 

يقول توينبي ان لا علاقة للتقدم التقني بالتقدم الحضاري فاذا لم تكن علاقة بينهما فما دور التقدم الصناعي فالعصر اليوم عصر التقنية، صحيح ان التراث الانساني والتقدم الفكري وبصورة عامة فان التراث الانساني،  والفني له اكبر الاثر ولكن اغفال الدور التقني اجحاف في حق الحضارة .

 

عاشرا:-

 

ان اراء توينبي لا تخلو من اهمية اعتراف باهمية البعد الاجتماعي في تفسير التاريخ لكنه يرى ان افعال الافراد لها الثقل في عملية الحراك الاجتماعي وهؤلاء الافراد هم البطل والصفوة المبدعة، ويبقى للبطل التاثير الفاعل وهو العامل الحاسم في التحولات الاجتماعية وعلى يديه تحدث الطفرات الحضارية، ونحن نقول ان الشعوب والجماعات لا الابطال هي صانعة التاريخ وما جاء به ما هو الا تكريس لعبادة الشخصية وإبراز دور القادة عن دور الشعوب وعلى حسابها .

 

حادي عشر:-

 

يرى توينبي ان النبي (ص) لو ظل داعيا دينيا فقط ولم يصبح رجل سياسة لاصبح الاسلام من الناحية الروحية اسمى مما هو عليه وان الهجرة هي بداية الانحلال .

 

هذا التقسيم للاسلام جاء من وجهة نظر مسيحية لا من وجهة نظر تاريخية أي ان توينبي نظر للاسلام بوصفه مسيحيا يرى ضرورة الفصل بين الدين والدولة لا بوصفه مؤرخا، وان السياسة من اهم مظاهر الحضارة([55]) .

 

ثاني عشر:-

 

الكتاب الماركسيون يتهمون توينبي بمجافات الروح العلمية القائمة على تفسير التاريخ تفسيرا اقتصاديا ولجوئه هذا السبيل الى الاستعانة بالغيبيات[56]