دراسات

ثلاثية "النص والأثر والعلم" في تقويم فن التفسير

3919 20:48:00 2007-04-23

( بقلم : نضير الخزرجي* )

استهل العالم في عصر الإسلام الأول بكتاب واحد، واستقر هذا العالم بعد خمسة عشر قرنا بملايين المؤلفات والمصنفات والكتب في شتى مناحي الحياة ومختلف صنوف العلوم، وكلها تمتح من غدير ذلك الكتاب الأول المدرار، والذي لم ينضب، ولن ينضب. فكلمات ذاك الكتاب لها حلاوة لا ترقى إليها حلاوة كلام الثقلين من الإنس والجن، وان عليه لطلاوة، لا تماثله طلاوة أي كلام نثرا كان أو شعرا وإن صقلته قصبة كاتب سديد، أو صاغته قوافي شاعر مجيد، وإن أعلاه لمثمر عقمت أشجار الكلام عن الإتيان بمثله، وان أسفله لمغدق جدبت السلال عن حمل صنوه، قطوفه دانية كل حين، تنفد المحابر كلها وإن أمدتها البحار بالمداد ولا تنفد كلمات هذا الكتاب، الذي يعلو ولا يعلى عليه.هذا هو شأن الكتاب الذي سمعه باصرة العرب في اللغة والأدب الوليد بن المغيرة المخزومي، فقال لقريش التي أرسلته ليرى رأيه فيما أتى به النبي محمد (ص) من الوحي، فقال لهم والدهشة عقدت نياط أصغريه قلبه ولسانه: "فوالله ما منكم رجل أعلم في الأِشعار مني ولا أعلم برجزه مني، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا.."، وما كذب الوليد في شهادته وإن أغوى القوم بسحر القرآن يؤثره النبي محمد عن غيره! فما ينطق محمد (ص) عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وكما قال فيه إمام البلاغة علي بن أبي طالب (ع): (ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لا تُطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يُضل نهجه، وشعاعا لا يُظلم ضوءه، وفرقانا لا يَخمدُ برهانه، وتبيانا لا تهدم أركانه، وشفاء لا تُخشى أسقامه، وعزاً لا تُهزم أنصاره، وحقاً لا تُخذل أعوانه، فهو معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافي الإسلام وبنيانه، وأودية الحق وغيطانه، وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يُغيظها الواردون، ومنازل لا يضل بهجها المسافرون، وأعلام لا يعمى عنها السائرون وآكام لا يجوز عنها القاصدون..).ثقلان لا يفترقانهذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هو احد الأبواب الستين من دائرة المعارف الحسينية، الذي طرق بابه الفقيه الدكتور محمد صادق محمد الكرباسي، والذي حمل عنوان "الحسين الكريم في القرآن الكريم" من ثلاثة أجزاء، ليحقق في الآيات التي أشارت إلى الإمام الحسين (ع) تصريحا أو تلميحا، تفسيرا أو تأويلا، حصرا أو مصداقا.ولما كان ديدن الدكتور الكرباسي أن يمهد لكل باب بمقدمة وافية، فان الجزء الأول من الكتاب الذي صدر عن المركز الحسيني للدراسات في لندن، في 458 صفحة من القطع الوزيري، ضم مقدمة عن القرآن وعلومه وروافد تفسيره ومناهجه، استحوذت على نحو ربع صفحاته.فالمؤلف تحت عنوان "القرآن" يبحث في سبب تسمية ما انزل على النبي (ص) من كلام الله بالقرآن، والاستقرار على هذه التسمية رغم أن للوحي تسميات أخرى مثل الكتاب والفرقان والذكر، فالقرآن تعني التلاوة أو الجمع، وقد وردت الكلمة في سبعين آية وعليه استقرت التسمية. ولأن الموسوعة الحسينية التي صدر منها حتى يومنا هذا 34 مجلدا، تبحث في نهضة الإمام الحسين (ع) فان المحقق الكرباسي نظر في آيات الله فوجد الكثير منها: "فُسِّرت بالإمام الحسين (ع) كشخص أو كنهضة أو ما أُوّل فيهما، أو كان من أبرز مصاديقهما"، ويكفي الإطلاع على رواية عبد الله بن عباس (ت 68 هـ) ليسهل هضم الحقيقة، حيث قال: (أخذ النبي (ص) بيد علي (ع) فقال: إن القرآن أربعة أرباع ربع فينا أهل البيت خاصة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام، ولنا كرائم القرآن)، من هنا كانت دعوة رسول الله (ص) كما ينقل احمد بن حنبل (ت 241 هـ) في مسنده: 3/18 و22: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي أهل بيتي، وأن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)، ومن هنا جاء تأكيد نبي الإسلام (ص) كما ينقل الخطيب البغدادي (ت 463 هـ) في تاريخه: 8/422: (أيها الناس إني فرطكم – المتقدم – وإنكم واردون علي الحوض، فإني سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب لله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض).مواصفات ثابتةويقرر الباحث تحت عنوان "نقاط لا خلاف عليها" أن المتفق عليه بين جميع المذاهب الإسلامية، أن القرآن الكريم، ذات مواصفات ثابتة:أولا: قدسية القرآن: فكلام الله المجيد مقدس: "لأنه لا ينزل من ساحته إلا منزه من كل نقص وعيب"، فهو كتاب كما يصفه منزله في الآية 42 من سورة فصلت: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه).وإذا كان من المقطوع به أن للقرآن قدسيته، فان "الرسم القرآني وما بين الدفتين" ليست له تلك القدسية بحيث لا يمكن تغيير الرسم القرآني إلى الأفضل والأحسن، فالتوقيف على هذا الخط أو ذاك لا عبرة له كما يذهب إلى ذلك الشيخ الكرباسي في بحث مستقل، فالنقاط والحركات على سبيل المثال جاءت متأخرة على عهد النبي محمد (ص)، فأبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو (ت 69 هـ) وضع النقاط، وابتدع الخليل الفراهيدي احمد بن عمرو (ت 170) أشكال الحركات، فضلا عن اكتشاف مخطوطات قرآنية مختلفة الخطوط، منسوبة إلى أئمة أهل البيت (ع).ثانيا: عدم التحريف: إذ لا عبرة لمن انتصر لمسألة التحريف: "ببعض الروايات الضعيفة، أو الأحاديث المتشابهات، أو الأخبار المؤوّلة أو المفسرة" فهو كتاب كما يصفه منزله في الآية 9 من سورة الحجر: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).ثالثا: الترتيب القرآني: فمهما كتب عن ترتيب سور وآيات القرآن الكريم والاختلاف فيه، بيد: "أن الجميع يعترف بأن هذا الجمع وبهذا الترتيب الموجود والمتداول، هو المأمور بإتباعه"، فهو كتاب حدد فيه الصادق الأمين (ص) مواقع السور والآيات.رابعا: اللغة والمفردات: فالمفردات المستخدمة بمجملها عربية أو مستخدمة في العربية، ولا اعتبار لما يقال عن مفردات غير عربية: "بعد أن استخدمها العرب الأقحاح في الأزمنة الغابرة وقبل الإسلام وقبلوها كمفردة عربية، وتصرفوا في الكثير منها".خامسا: النزول ومتعلقاته: فالقرآن نزل على النبي محمد (ص) دون غيره في مكة والمدينة، ولا يضير الخلاف فيما إذا كانت هذه السورة أو الآية مكية أو مدنية النزول: "بعدما اجمع جميعهم على عدم نزولها في غيرهما".سادسا: المرجعية: فالقرآن هو مرجع المسلمين، وحقائق القرآن ثابتة وليست نظريات، وما نجده من اختلاف في التفاسير فهو من نتاج: "عدم إدراك الحقائق ولا ترتبط بالنص أو بالمفهوم القرآنيين".سابعا: الترجمة: فمعجزة القرآن فيما نزل بالعربية، والترجمة لا تغني، فهي مظهرة للكلمة لا خصوصياتها، والترجمة: "في الحقيقة إنها من التفسير، أو ترجمة لتفسير القرآن، وليست حجة والاعتماد لابد أن يكون على النص العربي".كتاب حياة وسعادةومن محاسن التقدير الإلهي أن "الكتب السماوية" التي انزلها الله على الخلص من عباده ليرشدوا الناس إلى سبل السلام، نزلت في شهر رمضان، فالقرآن الكريم نزل في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، والتوراة نزلت في السادس منه، والإنجيل نزل في الثاني عشر منه، لكن الأول حافظ على أصالته منذ أن نزل، وتعرض الثاني والثالث للتحريف.وقد حار الباحثون في "وجه النزول": "هل القرآن كتاب فكر وعقيدة أم كتاب أحكام وشريعة، أو هو كتاب نظام وقانون أم كتاب علم وثقافة، أو انه كتاب أخلاق وآداب أم كتاب تاريخ وعبر، أو هو كتاب أدب وبلاغة أم ماذا؟". فالقرآن لا يختص بعلم من العلوم حصريا، ففيه كل شيء، ولكنه يبقى: "كتاب حياة وسعادة لأن ذلك هو الهدف الأول والأخير من إنزاله، وهو القاسم المشترك بين كل ما قيل أو يقال، وإن كنا لا نشك بأن الأولوية جاءت للفكر والعقيدة لأنهما أساس كل عمل وسلوك"وأما "إعجاز القرآن" فانه صفة خالدة فيه، ولذلك يفرد المصنف بحثا مستقلا لبيان إعجاز القرآن وذكره لأخبار الماضين بكل دقة، وتنبؤه للمستقبل، وإخباره الغيبي عن الماورائيات، وأبحاثه العلمية في جميع الاتجاهات، وتركيبته الخاصة وبالأخص العددية، وبلاغته في إختيار المفردات وتركيبتها وسجعها واختزالاتها واستعاراتها ومجازاتها إلى ما هنالك من أمور ذكرها أهل الفن. ومن إعجاز القرآن المحكم والمتشابه، ولذلك يعتقد المصنف وبناء على بعض التفسيرات: "إن تقسيم الآيات إلى محكم ومتشابه يرتبط بجيل دون جيل والى زمان دون زمان فلعل آية تكون من المتشابهات عند جيل أو في زمان معين ولكنها لا تكون كذلك عند جيل آخر وفي زمان آخر لاعتبارات مختلفة أهمها تطور الفكر البشري ولكن لابد من قيدها بالجزئيات أو الفروع لكي لا تلغى مسألة (أم الكتاب) وبالرجوع إلى تلك الأصول والمحكمات يرتفع لبس المتشابهات حيث إن القران يصدق بعضه بعضا".ثلاثية مختلفة المداليلومن وحي القران الكريم تظهر ثلاثية "التفسير والتأويل والمصداق" وهي: "تستخدم تارة في اتجاه واحد لتكون إحداها مرادفة للأخرى ولو في النتائج، ولكن لدى الدقة يتضح أن لكل منها مدلولا خاصا يختلف عن الآخر"، فالتفسير من حيث اللغة هو الإبانة ومن حيث الاصطلاح علم يبحث عن كلام الله المنزل ضمن القرآن، في حين أن التأويل يعني إرجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهري، فيما يعني المصداق تطبيق الكلي على الجزئيات أو الأصول على الفروع.وتكمن "قيمة التفسير" في تبيان المعنى المراد من النص القرآني وتبسيطه بعد ملاحظة العام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ وأمثالها، فالصلاة على سبيل المثال في الآية 43 من سورة البقرة: (أقيموا الصلاة) واضحة وصريحة، ولكن تفاصيل أجزاء الصلاة بحاجة إلى تفسير. كما تكمن "قيمة التأويل" في بقر بواطن الآية أو الآيات والغوص في أعماقها لكشف الخفايا التي لا يمكن التوصل إليها عادة بمجرد النظر في ظواهر الآيات، أي بتعبير آخر قراءة ما بين السطور. فيما تعادل "قيمة المصداق" قيمة التشخيص بإضافة قيمة التقنين، ذلك: "أن استخلاص قاعدة كلية يمكن تطبيقها على موارد يجمعها قاسم مشترك هو قفزة نوعية نحو تكتل الموضوعات وإجراء الأحكام المناسبة في مواردها".روافد التفسير ومناهجهولكن "بماذا يفسر القرآن" بعد أن قرر الرسول الأعظم (ص) أنه: (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)؟هذا السؤال العريض هو عنوان مبحث خاص، يتناول فيه المحقق الكرباسي روافد التفسير المنحصرة لديه بالقرآن الكريم والسنة الشريف والعلوم القطعية، فالقرآن قطع الشك باليقين في الآية 59 من سورة النساء: (فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)، وحسب تفسير الإمام علي (ع) للآية الشريفة: (فرده إلى الله أن نحكم بكتابه، ورده إلى الرسول أن نأخذ بسنته)، ولما كان النبي (ص) لا ينطق عن الهوى، ففعله وقوله وتقريره حجة، ولذلك تؤخذ السنة عند التفسير، وكما يقول الشيخ الطبرسي الفضل بن الحسن (472-552 هـ): "إنه صح الخبر عن النبي (ص) وعن الأئمة القائمين مقامه (ع) أن تفسير القرآن لا يجوز إلا بالأثر الصحيح والنص الصريح"، ويدخل المعصومون من أهل بيت النبي في جملة الحديث كما تذهب إلى ذلك الشيعة الإمامية بواقع "حديث الثقلين" المتواتر والصحيح سندا ومتنا. ومن مصادر التفسير هو العلم، بأن يفسر القرآن بالموازين العلمية، من هنا نجد تنوع التفاسير حسب العلوم المتنوعة، وفي اعتقاد المصنف إن: "من الأفضل أن تتولى أمر التفسير لجنة من ذوي الاختصاص لتناقش الآية من جميع جوانبها، إذ لعل وضوح جانب يؤثر على فهم جانب آخر كما هو معلوم للمتأمل".والحديث عن القرآن يقود إلى الحديث عن "مناهج التفسير" المتبعة، التي تنوعت مع تقادم الزمن وتطور العلوم، وهي على أنواع:أولا: المنهج اللفظي: حيث يقتصر على تفسير الكلمة بكلمة أخرى، وهو يقرب الذهن إلى المعنى المراد من الآية، ومثاله "تفسير شبر" للسيد عبد الله شبر (ت 1242 هـ).وقد اعتمد الفقيه الكرباسي هذه الطريقة في كتابة تفسير القرآن، المخطوط في ثلاثين مجلدا، كما هو المستخدم في هذا الجزء من سلسلة "الحسين الكريم في القرآن الكريم"، حيث سمى تفسيره بـ "التفسير المسترسل"، ومن طبيعة هذا التفسير انه: "لا يشوش فكر القارئ بكلمات أخرى خارجة عن أصل الموضوع، ويمكنه قراءتها مدموجة مع النص القرآني حفاظا على تسلسل النصوص القرآنية ومعانيها دون أن يستخدم أدوات الشرح والتفسير، ومن مميزاته إبراز الكلمات المقدرة وإظهار المضمرات، واستخدام الكلمات المرادفة بأدوات الربط".ثانيا: المنهج القرآني: أي تفسير القرآن بالقرآن، فما أجملت آية موضوعا إلا وفسرته آية أخرى في موضع آخر، ولا غنى لأي مفسر عن هذا المنهج الذي اعتمده الرسول (ص) وأهل بيته الكرام (ع)، ومثاله تفسير "الفرقان في تفسير القرآن" للدكتور الشيخ محمد الصادقي.ثالثا: المنهج الأثري: أي تفسير القرآن الكريم بالحديث الشريف الذي لا يتعارض مع النص، وطالما استخدم أئمة أهل البيت (ع) هذا النمط من التفسير، واشتهر به ابن عباس وابن مسعود عبد الله الهذلي (ت 32 هـ).رابعا: المنهج اللغوي: باعتماد اللغة وتقلباتها والاستشهاد على المعنى المراد من اللفظ بنظم الشعراء وكلام بلغاء العرب قبل الإسلام، ولا يقتصر هذا التفسير على استخدام علم اللغة بل يتجاوزه إلى علم الاشتقاق (الصرف) وفقه اللغة وعلم النحو وعلم القراءات والتجويد، ومثال ذلك "تفسير مفردات ألفاظ القرآن" للراغب الأصبهاني ( ت 502 هـ).خامسا: المنهج التأويلي: يقوم على كشف بطون القرآن غير الظاهرة من الآيات، وهو منهج ليس سهلا، فهو منهج نقلي وتعبدي أكثر منه تفسيري، وفي الكثير من الموارد يندمج المنهج الأثري بالمنهج التأويلي، ومثال ذلك "تأويل الآيات الظاهرة" للسيد علي الحسيني الاسترابادي من علماء النصف الثاني من القرن العاشر الهجري. ويرفض الشيخ الكرباسي المنهج الباطني الذي اختارته المذاهب الباطنية في تفسير القرآن، حيث: "قاموا بصرف ظواهر القرآن وتأويلها إلى ما هوتها أنفسهم، وقالوا إن للقرآن ظاهرا وباطنا، والمراد منه باطنه دون ظاهره المعلوم من اللغة..".سادسا: المنهج البلاغي: باعتماد البلاغة في التفسير باعتبار أن البلاغة من أعظم معاجز القرآن الكريم، ومن رأي المصنف: "إن القرآن من باء البسملة إلى سين الناس كلها بلاغة سواء من ناحية المعاني أو البيان أو البديع"، ومثال ذلك "التفسير البياني للقرآن الكريم" للدكتورة بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمان (ت 1419 هـ).سابعا: المنهج الفلسفي: وهو يتداخل مع المنهج العرفاني، وهذا المنهج في واقعه ينحصر في الأبحاث الفلسفية التي تكمن من وراء الآيات، ومثال ذلك "الميزان في تفسير القرآن" للسيد محمد حسين الطباطبائي (ت 1402 هـ).ثامنا: المنهج العقدي: أو العقائدي، بلحاظ أن علم الكلام أو التجريد من أهم المسائل التي يبحثها القرآن الكريم لأنه أساس الدين والشريعة، ومثال ذلك "تفسير الكشاف" لكبير المعتزلة الزمخشري محمود بن عمر الخوارزمي (ت 538 هـ)، و"تفسير مفاتيح الغيب" لكبير الأشاعرة الفخر الرازي محمد بن عمر البكري (ت 606 هـ).تاسعا: المنهج التشريعي: وهو منهج فقهاء المذاهب الإسلامية جميعها، ينهج إلى تفسير وشرح الآيات التي ترتبط بأمر التشريع لاستنباط الحكم الشرعي. وعلى الرغم من تحديد الفقهاء لآيات الأحكام بنحو خمسمائة آية، لكن الفقيه الكرباسي من رأيه: "إن الآيات التي لها ارتباط بالأحكام الشرعية الخمسة – حرام، واجب، مكروه، مندوب، مباح- تتجاوز هذا العدد، وربما وصلت إلى الضعف"، ومثال هذا المنهج "كنز العرفان في فقه القرآن" للسيوري الحلي مقداد بن عبد الله (ت 826 هـ).عاشرا: المنهج العلمي: اعتمد على تفسير القرآن بما أظهرته العلوم، وبخاصة مع الثورة العلمية التي نعيش حتى يومنا هذا دفئ حرارتها، ومثالها "الإعجاز العلمي في القرآن" للشيخ عبد المجيد الزنداني. وقد أحصى البعض 1200 آية تحتوي على جوانب من المسائل العلمية، ولذلك فان التفسير الواقعي المقبول هو حاصل جمع الكتاب والسنة والعلم. كما إن معرفة الآيات الدالة على العلم تقرب الآخرين من الإسلام لكونه لا يتقاطع مع العلم كما يتناول المنصف ذلك في مبحث مستقل تحت عنوان "القرآن والعلم"، وهو ينقل عن رئيس وزراء بريطانيا توني بلير كما في جريدة "جنك" الاردوية الصادرة في لندن في العدد 250 (10/9/2001) القول في خطاب له أمام المؤتمر السنوي لحزب العمال: "إنني أحمل معي القرآن الكريم على الدوام وأستنير به منذ أن شوقتني –جيلسي- ابنة كلينتون – الرئيس الأميركي السابق- فهو يلهمني القوة حيث انه كتاب نور وفكر ملهم ويعتبر الحب والود من الصفات الإنسانية وقد كسبت منه مواعظ قيمة".حادي عشر: المنهج الموضوعي: ويقوم على تفسير الآيات في الموضوع الواحد، ومثاله "أسرار الكون في القرآن" للمعاصر الدكتور داود سلمان السعدي.ثاني عشر: المنهج التاريخي: ويقوم على تفسير القرآن وفقا لمراحل النزول، أو حسب الحوادث والذكريات التي ورد ذكرها في القرآن، ومثال ذلك "قصص الأنبياء" للمعاصر عبد الوهاب النجار.ويعتقد المؤلف بامكان إضافة مناهج أخرى من قبيل المنهج الاجتماعي أو الأخلاقي أو النفسي أو السياسي أو الاقتصادي أو ما شابه.علوم لابد منهاوأما عن "القرآن والعلوم" فيمكن ملاحظة علوم عدة لها علاقة مباشرة بالقرآن منطوقا ومفهوما، فضلا عن علوم ارتبطت بالقرآن ونشأت بعد نزوله، ومن ذلك:1: اللغة: وهي من الأبحاث المهمة والأساسية في فهم النص.2: النحو: لدوره الهام في معرفة النص القرآني منطوقا ومفهوما.3: الصرف: لقابلية تصريف المفردات واشتقاقاتها على إدراك النص القرآني.4: البلاغة: فالكلام البليغ يتطلب معرفة بعلم البلاغة والبيان والبديع.5: المنطق: حيث يتطلب فهم النص والاستدلال به السير على الطريق الصحيح.6: التاريخ: فالمعرفة بعلم التاريخ يساعد على فهم الآيات وشواهد التنزيل.7: علم الأديان: وهو يساعد على فهم القرآن وما فيه من عقائد وقراءة للأديان الأخرى.8: الفلسفة: من العلوم المساعدة على فهم النصوص والمفاهيم ومعرفة حقيقة الأشياء.9: القراءات: فاختلاف القراءات ومعرفة القراء يساعد على فهم مواقع الكلمات من النص القرآني، ومن رأي الشيخ الكرباسي: "التعامل مع هذه القراءات بما يتعامل مع الأحاديث والروايات" في التثبت من سند الرواية ومتنها.10: الخط (الرسم القرآني): حيث تفيد دراسته والمعرفة به التثبت من التفسير.11: تاريخ القرآن: من قبيل معرفة أسباب النزول، وتحديد الناسخ والمنسوخ، وغير ذلك.12: علم الأحياء: بخاصة وان القرآن يتحدث عن المخلوقات الموجودة في البر والبحر.13: العلوم النفسية: من قبيل علم الأخلاق، فهي تساعد على تفسير الآيات.14: العلوم الاجتماعية: من قبيل علم الاجتماع والقانون والسياسة، باعتبار أن الإسلام: "دين عقيدة ونظام ودولة".15: العلوم الرياضية: وهي تساعد في كشف القرآن رياضيا كما يحاول البعض.16: العلوم الطبيعية: فهي تساعد كثيرا على فهم الآيات ومتونها.17: الماورائيات: وهي العلوم المرتبطة بالروح والنفس، ومعرفتها مفيدة عند التفسير.18: الفقه: بوصف القرآن المصدر الأول للشريعة، فلا غنى للمفسر عن معرفة الفقه.19: الأصول: من العلوم التي ترتبت على نزول القرآن ثم صدور الأحاديث، فكان علم الأصول للتعامل مع نصوص القرآن والحديث.20: العقيدة: أو علم الكلام أو التجريد، فهو هدف النزول وبعث الأنبياء.21: التجويد: أي البحث في كيفية النطق السليم للحرف والكلمة.22: الأخلاق: وهي عماد رسالة الإسلام، وكما اشتهر عن النبي محمد: (بعثت بمكارم الأخلاق ومحاسنها).23: العلوم الغيبية: أي الإيمان بالوحي والملائكة والجن واصل الخلقة والروح وقبض الروح وعوالم ما بعد الموت.24: التفسير والتأويل: من العلوم التي ينبغي لمن يتعامل مع القرآن الوقوف عليها.ماذا في العهدين والقرآن؟يمهد المحقق الكرباسي للحديث عن الحسين في القرآن، بمبحث خاص عن "الحسين في العهدين" أي في العهدين القديم والجديد أو التوراة والإنجيل، بالاعتماد على النصوص الأصلية للعهدين دون المترجم منها إلى العربية، مشيرا إلى كتاب "أهل البيت في الكتاب المقدس" لكاظم النصيري الشهير بأحمد الواسطي، حيث نقل منه نصوصا من قبيل "أرميا يخبر عن مذبحة كربلاء" و "يوحنا يخبر عن المذبوح بكربلاء". كما أشار المصنف إلى الكاتب المسيحي اللبناني انطون بارا وكتابه "الحسين في الفكر المسيحي" حيث يجري بارا في بحث تحت عنوان "المسيح هل تنبأ بالحسين؟" مقارنة بين رسالة المسيح (ع) ومعاناته، ورسالة الحسين (ع) ومعاناته، وينتهي إلى القول: "وهكذا كان الحسين الشهيد أقرب الشهداء شبها بالمسيح، وكانت شهادته أقرب الشهادات إلى جوهر المسيحية. وبها اختُتمت الشهادات الكبيرة ذات الفاعلية المُحوِّلة في مسار الأديان وعقائد البشر. فهل كان المسيح يتنبأ بالحسين .. حينما تحدث عن مؤيد؟ لنتأمل".ويطل الباحث بعد هذا المبحث على الآيات القرآنية التي أشارت إلى الحسين (ع) تصريحا أو تلميحا أو مصداقا، بإعمال جهده في تفسير الآية أو الآيات بإيجاز: "بعيدا عن خلافات المفسرين والمفكرين، معتمدين في ذلك على ظواهرها وعلى الآيات الأخرى وعلى الأحاديث الواردة فيها بغرض إيصال الفكرة إلى القارئ" مع ذكر شأن نزول الآية وقضيتها: "مما يساعدنا على فهم الصورة وتفسير الآية أو الآيات ثم تأويلها أو تحديدها في الإمام الحسين"، إضافة إلى: "تحديد نزول الآية أو الآيات من حيث الزمان محاولين ثبت السنة والشهر واليوم إن أمكن بغرض توضيح ملابسات الحدث"، والقيام بـ: "نقل الأحاديث التي ربطت تفسير هذه الآية أو الآيات أو تأويلها وربما من باب المصداق بالإمام الحسين (ع) كشخص، أو كنهضة" مع: "مناقشة الأمور العلمية التي يمكن فهمها من الآية أو الآيات مما يعزز الفكرة المتوخاة".ووجد المؤلف من خلال البحث والتقصي ثمانية عشر موردا في سورة البقرة، تشير إلى الإمام الحسين (ع)، تناولها بالتفصيل باعتماد منهج تفسير القرآن بالقرآن وبالأثر، ولا يتردد من قول الصراحة إذا لم يقتنع بالأثر. كما وجد تسعة عشر موردا تشير إلى الإمام الحسين بشكل عام.ومما يضفي على الكتاب أهمية، مجموعة فهارس قيمة، وقراءة في الكتاب لأستاذ الشعر العربي في القرون الوسطى في الكلية العربية للتربية في حيفا، اليهودي المعتقد، الدكتور يوسف بن دانا، تنبه الى: "إن العلماء والدارسين الغربيين بدأوا مع مطلع القرن العشرين بالإطلاع على جوانب أخرى في حياة المسلمين كاهتمامهم في الحسين بن علي، وقد زاد هذا الاهتمام بحركة الحسين لدى الغرب في الفترة الأخيرة وبشكل ملحوظ"، ورأى: "إن العلامة الشيخ محمد صادق الكرباسي حاول أن يضيء جانبا مهما في ثورة الامام الحسين لطالما كان مُعتما من قبل أنظمة الحكم السياسية القديمة والمعاصرة من اجل محاصرة امتداد ثورة الحسين بن علي" وأكد في خاتمة قراءته التي كتبها باللغة العبرية: "إن العمل الموسوعي الذي قام به مؤلفنا لهو عمل جبار يُضاف الى عشرات الأجزاء في الموسوعة التي أصدرها مؤلفنا حتى الآن".* إعلامي وباحث عراقيالرأي الآخر للدراسات – لندن
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك