دراسات

قراءة في مواقف الامام السيستاني/ خامساْ:موقفه من الوحدة


عباس الكتبي

بسمه تعالى:(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).

من أقوى البراهين العقلية على إثبات وجود الخالق،هو وجود إله،ورب واحد للخلق، فأن تعدد الإلوهية والربوبية،فساد للنظام الكوني،والخلقي،والبشري برمّته.

على سبيل الفرض:لو كان هناك إلهين ،أو ربّيين،أو خالقين،فأما ان يكونا قويين، وأما ان يكون أحدهما قوي والآخر ضعيف،واما ان يكونا ضعيفين.

فأن كانا قويين حصل بينهما تصادم وصراع،فواحد يريد ليل والآخر يريد نهار،وبالنتيجة سيكون الفساد حاصل لا محالة في الأنظمة الكونية والبشرية،وإذا كان أحدهما قوي والآخر ضعيف،فمن الطبيعي ستكون الغلبة للقوي،فتنتفي الحاجة لوجود الضعيف،وإذا كانا كلاهما ضعيفين،فلا يصح نسب العجز والضعف للخالق،ولا خير في وجودهما أصلاً،إذاً لابد من وجود إله وخالق واحد قوي ومقتدر، وهذا ما أشار إليه النبي يوسف عليه السلام في الآية التي أبتدأنا بها المقال.

من هنا كان الهدف من بعثة الأنبياء الدعوة الى التوحيد-عبادة الله-لأن مقتضى التوحيد،جمع الناس على عبادة إله واحد ليصل بهم الى الوحدة ،ونظام وقانون واحد يقوم بإدارة وتنظيم شؤون البشرية،لكي لا يقع بينهم الشتات والفرقة والخلاف،وليتاعيشوا ويتناغموا مع بعضهم،فأن تعدد الأرباب يفسد ذلك كله.

الغرض من سرد هذه المقدمة،ان الوحدة بين المجتمع البشري أمان من الفرقة والتنازع بينهم، حتى قيل:(ان قيام واستمرار الحكومة، والنظام السياسي المقتدر،رهن بالوحدة والتلاحم،كما يعدّ التشتت والفرقة من أكبر الآفات،التي تهدّد الحكومة، وتعرّض القدرة السياسية والأقتدار الوطني للخطر،وتمّهد الأرضية لتغلغل الأفكار المنحرفة وتآمر الأعداء).

من أوضح المصاديق في عامل لوحدة:

الدين،والهوية الوطنية،والمصالح المشتركة،والعرق،والعدو المشترك.

لقد رأينا كيف توّحد العراقيون ضد داعش الأرهاب،ولعل من الحكمة أبتلاء العراقيين بهذا العدو اللعين، نظراْ لتصاعد حدة التوتر والخلاف بين الفرقاء السياسيين أنذاك، ربما كان ينذر بحرب داخلية تدمر البلد، فكان داعش العدو رحمة لهم،لتوحيد صفوفهم.

الوحدة لها دور مهم وأساسي في استقرار أي مجتمع من المجتمعات، وخاصة تلك التي تضم مكونات،وفئات، وطوائف متنوعة، وعلى رؤساء القوم التأكيد على هذا الجانب المهم، فأن لم يجمهم الدين- يجمعهم الوطن، أو المصلحة المشتركة،أو العرق،أو العدو، او الإنسانية، فالوحدة هي الملاك في توفير السعادة للمجتمع، فيجب على الأقل ان نتخذها واجباً أنسانياً ووطنياً، لنخرجها من حالتها الصورية الى حالتها الحقيقية.

رحم الله شهيد المحراب( السيد محمد باقر الحكيم)،الذي بقر السياسة،وغاص في بطونها،دائماً كان يؤكد على وحدة المسلمين بصورة عامة، والعراقيين بصورة خاصة،من خلال محاضراته وخطاباته المتكررة،وأستنبط أفكاره من  ديننا وعقيدتنا في التعامل والتعاطي مع كافة الناس،

 هذه هي سيرة أئمتنا عليهم السلام، فسار عليها علمائنا الأبرار، ومنهم سماحة إمامنا المفدى السيد السيستاني-دام ظله الوارف-ففي مواقف وبيانات صادرة عنه في السنوات الماضية، يؤكد فيها على وحدة المسلمين والعراقيين، ومنها هذا البيان الصادر في 14 محرم 1428،المصادف 3/2/2007،والذي جاء مما فيه:

((تمرّ الأمة الاسلامية بظروف عصيبة، وتواجه أزمات كبرى،وتحديات هائلة تمسّ حاضرها وتهدد مستقبلها، ويدرك الجميع-والحال هذه-مدى الحاجة الى رص الصفوف،ونبذ الفرقة والابتعاد عن النعرات الطائفية،والتجنب عن إثارة الخلافات المذهبية…

فينبغي لكل حريص على رفعة الاسلام ،ورقي المسلمين أن يبذل ما في وسعه في سبيل التقريب بينهم، والتقليل من حجم التوترات الناجمة عن بعض التجاذبات السياسية،لئلا تؤدي الى مزيد من التفرقة والتبعثر…

وما أوصى به أتباعه ومقلّديه في التعامل مع إخوانهم من أهل السنة من المحبة والاحترام، وما أكد عليه مراراً من حرمة دم كل مسلم سنياً أو شيعياً،وحرمة عرضه وماله،والتبرؤ من كل من يسفك دماً حراماً أيّاً كان صاحبه…

كل هذا يفصح بوضوح عن منهجية المرجعية الدينية، في التعاطي مع أتباع سائر المذاهب ونظرتها إليهم، ولو جرى الجميع وفق هذا المنهج مع من يخالفونهم في المذهب لما آلت الأمور الى ما نشهده اليوم من عنف أعمى يضرب كل مكان، وقتل فظيع لا يستثني حتى الطفل الرضيع، والشيخ الكبير،والمرأة الحامل وإلى الله المشتكى)).

 

نقول:على الفرقاء السياسيين في العراق جميعاً أن يعوا هذه الحقيقة، ويدركوها جيداً،إن البلد لا يستقر، ولا تتحقق فيه العدالة والمساواة بين أبنائه، ولا ينالوا حقوقهم، إلاّ بالوحدة الحقيقية بين قادته ومكوناته.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك