عباس الكتبي
بعد هلاك معاوية،أعلنت الشيعة في الكوفة رفضها لبيعة يزيد-عليه لعنة الله- والتبرئ منه ومواجهته، فعقدت مؤتمراً عاماً في بيت الزعيم الشيعي سليمان بن صرد الخزاعي، اجمعت فيه على الولاء والبيعة للامام الحسين عليه السلام.
ينقل المؤرخون:ان سليمان بن صرد الخزاعي، اعتلى منصة الخطابة وافتتح المؤتمر بهذا الخطاب:(إنّ معاوية قد هلك، وإن حسيناً قد قبض على القوم ببيعته، وقد خرج الى مكة وأنتم شيعته وشيعة ابيه، فإن كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدوا وعدوه فأكتبوا إليه، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه)،فتعالت أصواتهم من كل جانب وهم يقولون بحماس بالغ:لا ،بل نقاتل عدّوه، ونقتل أنفسنا دونه.
بعد المؤتمر، أوفدت الكوفة وفداً، وكتبوا الرسائل الى الامام الحسين عليه السلام، تحثه على القدوم إليهم، ليكون خليفة وقائداً على الأمة.
نماذج من هذه الرسائل:(ان الناس ينتظرونك ولا رأي لهم غيرك،فالعجل ثم العجل)،:(اما بعد، فقد أخضّر الجناب، وأينعت الثمار،وطمت الجمام، فأقدم على جند محندة)،:(إنا قد حبسنا أنفسنا عليك، ولسنا نحضر الصلاة مع الولاة، فأقدم علينا فنحن في مأئة سيف، فقد فشا فينا الجور…)،:(إنا معك، ومعنا مائة الف سيف)،:(عجّل القدوم يا بن رسول الله،فإن لك بالكوفة مائة ألف سيف فلا تتأخر).
يقول الشيخ القرشي"طاب ثراه":يقول المؤرخون:إنّه أجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب، ووردت إليه قائمة فيها مائة وأربعون ألف اسم يعربون عن نصرتهم له، حال ما يصل الى الكوفة، كما وردت عليه في يوم واحد ستمائة كتاب، ان الامام الحسين عليه السلام، بعدما وافته هذه الرسائل عزم على ان يلبّي نداءات أهل الكوفة، ويوفد إليهم ممثله العظيم مسلم بن عقيل عليه السلام.
تذكر كتب التاريخ، ان الكوفة لم تكن عربية خالصة،بل كانت أُمميّة استوطنتها عناصر مختلفة ومتباينة في اللغة،والعادات،والتقاليد، والطبائع :(كالعرب،والفرس،والأنباط،والسريان)، بالاضافة الى انها كانت تضم عدة اتجاهات دينية:الاسلام:(الحزب الاموي-الحزب العلوي-الخوارج)، والنصارى، واليهود.
يستنتح الشيخ باقر القرشي-رحمه الله-من مصادر الكتب التاريخية، ان المجتمع الكوفي يتفرد بظواهر اجتماعية دون بقية الشعوب،فهي:
(التناقض في السلوك-الغدر والتذبذب- التمرد على الولاة-الأنهزامية- مساوئ الأخلاق-الجشع والطمع-التأثر بالدعايات ).
لا شك،ان الامام الحسين عليه السلام، عارف بالتنوع السكاني الكوفي، واتصافه بتلك الظواهر، وتعدد الديانات والمذاهب الموجودة فيه، فحين جاءه وفد الكوفة،ووردت إليه الكتب من زعمائها،تطالبه بالقدوم إليهم، أختار سفير له يمثله، ليطلعه على حقيقة وأحوال اهل الكوفة، ومعرفة صدق نواياهم، فأرسل ابن عمه وثقته، وكبير اهل بيته والمفضل فيهم،مسلم بن عقيل عليه السلام، لهذه المهمة،وهو من اشجع الناس، ومن أمهر السياسيين،واكثرهم قابلية، على مواجهة الظروف والصمود امام الأحداث.
يكفي في معرفة شخصية مسلم، هو أختياره من قبل الامام السبط سفيراً له، وفي الاعراف السياسية الحالية، السفير يمثل سياسة دولة،فسلم بن عقيل مثّل سياسة الحسين عليه السلام في الكوفة، ومَن غير مسلم يرفض قتل الطاغية بن زياد غدراً؟! عندما سأل شريك مسلم،ما منعك من قتل ابن زياد؟ قال:((قول رسول الله(ص):(الأيمان قيد الفتك)ولا يفتك المؤمن))، فالسياسة عدل وتقوى، وإلتزام بالعهود والمواثيق،ومبادئ وأخلاق، ومن يرى غير ذلك فهو مخطئ جداً، وليس هي مراوغة وخداع ومكر،ونكث للعهود،ونقض للمواثيق، ففشل مسلم في مهمته كان بسبب تقواه وعدالته،وبسبب الصفات السلبية للمجتمع الكوفي.
أستولى معاوية في حربه مع الامام علي عليه السلام على الماء،فمنع جيش الامام ان يشرب منه، وحين هزمهم امير المؤمنين واستولى عليه،لم يمنع جيش معاوية من الشرب منه، فمسلم بن عقيل على سياسة عمه عليّ عليهما السلام.
المرجعية الدينية العليا،في أكثر من مرة أكدت على ان يكون المرشح للمنصب،ذو كفاءة ونزاهة وقدرة، وكذلك موقف شهيد المحراب"محمد باقر الحكيم"قدس سره، من الوزارة والوزراء،ففي خطبة الجمعة الحادية عشرة، أكد على اعتماد الكفاءة العالية والجدية في العمل الوزاري،من دون التركيز على الأنتماءات السياسية، اتصاف الوزراء بالصلاح، وحسن السيرة، والماضي النزيه.
هذه هي الشروط التي يجب ان تتوفر بالمسؤول،لتجنب الظلم والفساد، وتحقيق العدالة والمساواة بين الناس، وإلا فأختيار المسؤول الفاسد كيزيد بن معاوية،وعبيدالله بن زياد، عليهما لعنة الله، سيؤدي هذا الأختيار الى خراب المدن،وظلم العباد،وقتل الصلحاء من الناس.
https://telegram.me/buratha