دراسات

الإصلاح الحسيني وحالة المجمتع قبل النهضة الحسينية


إنّ الحالة التي كان يمرّ بها المجتمع الإسلامي قَبل النهضة الحسينيّة حالة مزرية جداً، فقد كان المجتمع في تيه فكري، وضلال عقدي، وفراغ فقهي، صار الانحراف هو الأصل، والمؤمن غريب في الوسط الإسلامي، ذلك الإسلام الذي أفرغه معاوية من محتواه، وحرَّف مبادئه وقتل روحه، إلى أن جاء دور الابن الفاجر يزيد؛ ليُعلن النهاية العمليّة والظاهريّة لهذا الدين الخاتم، وبذلك تتحقق غاية الشيطان في الأرض: ﴿ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾[1]، منتقماً بذلك من جميع الأنبياء والأوصياء الذين يمثّلون خطّ الرحمن على هذه البسيطة.
وها هو المسعودي ـ المؤرِّخ المعروف ـ يصف حالة المجتمع في تلك الأيام المظلمة بقوله: «وغلب على أصحاب يزيد وعمّاله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستُعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الخمر، وكان له قرد ـ يُكنى بأبي قيس ـ يُحْضِرُه مجلس منادمته، ويطرح له متكأ...»[2].
وهذا يعكس الفجوة الكبيرة التي حصلت بين المجتمع الإسلامي ومبادئ الدين الحنيف.

رياح التغيير
وفي خِضَمِّ هذه الأحداث، وهذه الوقائع المؤلمة التي كان يمرّ بها المجتمع الإسلامي ـ آنذاك ـ أعلن الإمام الحسين عليه السلام  ثورته الخالدة بوجه هذا الواقع المرير، وضد هذه الأحداث المؤلمة والانحرافات الخطيرة والكبيرة، التي لا تميّز بين الموافق والمخالف، ولا بين الموالي وغيره، بل هدفها الأصلي ضرب الدين ومحو رسالة ربّ العالمين.
ومن هنا؛ جاءت كربلاء الكرامة لتعلن للعالم ضرورة الحفاظ على المبادئ الإسلاميّة والقيم الدينيّة، والأحكام الشرعية؛ حفظاً لخاتم الأديان الذي هو آخر مشعل لهداية البشرية، وبذلك يتجلّى القول المشهور للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله  بأنّ الحسين عليه السلام : «مصباح هدًى وسفينة نجاة»[3]، فقد حذّر الإمام الحسين عليه السلام ـ من خلال شعارات ثورته المباركة، ومن خلال خطبه العديدة ـ من الخطر العظيم الذي كان يحوم حول الأُمّة وقِيَمها، فقال: «...وإنّي لم أخرُج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي...»[4]، ومبيّناً الممارسات المنحرفة والضالّة التي كان يمارسها يزيد بن معاوية، بقوله: «...ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»[5]، ومشجعاً المسلمين على النهضة والانتفاضة بوجه هذه الانحرافات والضلالات.

الإصلاح الحسيني
إنّ الإصلاح الذي كانت تسعى إليه كربلاء على مستويين:
المستوى الأول: الإصلاح الداخلي في البيت الشيعي الذي يحمل المبادئ الصحيحة، والعقائد الحقّة القويمة؛ لتقديمها إلى المسلمين بشكلها الصحيح، فنرى الشيعة استطاعوا ـ ومن خلال الاستهداء بنور الإمام الحسين عليه السلام  ـ أن يقدِّموا للعالم الإسلامي الوجه الحقيقي للإسلام وتعاليمه السمحاء المتمثّلة برفض الظلم والخنوع، وفي الوقت نفسه العمل على لَمّ شمل المسلمين وصيانة وحدتهم، وهذا ما ينطق به كلّ منبر حسيني، وتنادي به كلّ حُسينيّة شامخة، ويشهد بها كل خطيب ألمعي.
نعم، إن لم نقل: كلّ ما عندنا من الحسين عليه السلام ، فلا أقلّ جُلّ ما عندنا منه عليه السلام .
فاليوم، صوت المنبر الحسيني يعلو في كلّ بقاع العالم، والمعالم الحسينيّة منتشرة في أرجاء المعمورة، وهذا هو انتصار الدم على السيف، وانتصار الحقّ على الباطل، وما كلّ هذا إلّا ثمرة من ثمار تلك النهضة العظيمة.
المستوى الثاني: الإصلاح العامّ، والحفاظ على المظاهر الإسلاميّة في المجتمع الإسلامي بصورة عامّة، فإنّ النهضة الحسينيّة قد حافظت على تلك الظواهر ومنعتها من الاندراس، وهذا يعني أنّ عطاء هذه النهضة المباركة لم يقتصر على دائرة الخواصّ من الشيعة الموالين، بل إنّ عطاءها أثرى البيت الإسلامي ككلّ، ومنع المخطط الشيطاني الذي كان يسعى لمحو الدين.
فإن قال القائل: ما أهمية حفظ المظاهر والشعارات إذا كانت المبادئ محرَّفة، وروح القيم مغيّبة؟
فيمكن الجواب عن ذلك: بأنّ الحفاظ على هذه الأُمور له الأهمّية البالغة في موارد عديدة، لعلّ من أهمّها:
1ـ إنّ حفظ المظاهر والشعارات الدينيّة يُساهم في الحفاظ على الدين من الانحراف بالكامل عن قواعده وأساسياته ومبادئه؛ فإنّ تغيير روح تلك المبادئ والقوانين وتفريغها من محتواها وواقعها، وإن كان بدرجة من الخطورة والسلبية، إلّا أنّه لا يمكنه إزالة الدين من الأساس؛ لذلك نجد أنّ الخطّ الشيطاني يرى أنّ ما قام به معاوية لم يكن مكتملاً، فسعى جاهداً لتكميله من خلال موبقات يزيد ولهوه وانحرافاته، إلّا أنّ النهضة الحسينيّة كانت المانع الأكبر من تحقيق هذه الغايات الشيطانية المشؤومة.
2ـ مع الحفاظ على هذه المظاهر والشعارات سوف تكون الدائرة التي يمكن أن يتحرّك فيها المؤمنون أوسع، وإمكان الحفاظ عليهم ورعايتهم، وتسهيل أُمورهم وممارسة أعمالهم يكون أفضل ممّا لو لم تكن هذه المظاهر من الأساس؛ فإنّ المؤمنين تكون غربتهم أقلّ في مثل هذه الأوساط.
3ـ إنّ كلّ مظهر من تلك المظاهر الدينيّة يحمل في واقعه روحاً من الدين، ومعنى من معانيه وإن كان ضئيلاً، إلّا أنّه ـ بالنتيجة ـ يُعتبر صاحبه معتَنِقاً لذلك الدين، وهو يشكّل رقماً في قبال الديانات الأُخرى، وهذه نقطة إيجابيّة ومهمّة أيضاً.
4ـ إنّ مَن كانت عنده تلك المظاهر فهو للهداية أقرب من غيره؛ لأنّه ـ على كلّ حال ـ قد خطا الخطوة الأُولى على الطريق الصحيح، أو لا أقلّ لا يتطلّب منه الأمرـ عند إرادته الهداية ـ كثيراً من التغيير الظاهري، وهذه النقطة مهمّة جداً، خصوصاً عند ملاحظة حالات الاستبصار لمئات الآلاف من المعتنقين الجُدد لخط أهل البيت عليهم السلام  الذي يمثِّل الإسلام الحقّ.
إلى غير ذلك من الفوائد المهمّة لهذه المسألة.
ـــــــــــــــــــ
1- سورة ص: آية82ـ83
2- المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر: ج3، ص67.
3- الصدوق، محمّد بن علي، عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج1، ص62.
4- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329.
5- المصدر السابق: ج44، ص325.
.........

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك