جاسم الصافي
كانت المرأة في اغلب مراحل التاريخ البشري كائن مستضعف , ولم يكن الامر مقتصر على مجتمع او عصر بعينه , بل الامر قائم على نسبة التفاوت الحضاري وعلى مقدار تفشي الغرائز الحيوانية البدائية مع مقدار تهذب الفكر الانساني ونبذه للنزعات العدوانية والتدميرية الكامنة في نشأته الاولى , ويعتمد كذلك على نشوء الطبقة كونها عاملا أساسيا في تحديد وضع المرأة اذ تزال الى يومنا هذا تصنف بين الإماء والحرائر, ولو نظرنا بحيادية وحكمنا العقل لوجدنا أن التشريعات الإسلام الموجودة في القران لا في التفسيرات اللاحقة قد اسهم وبشكل فاعل في تحرر المرأة التي كانت تورث مثل المتاع أن مات زوجها ، و قد سبق الحضارة الاخرى في تحرير المرآة وأعطى للبنت نصف الذكر وإلام ثمن الموروث كما وجعل الولاية على البنت للأب والجد فقط وعلى الزوجة لزوجها وان فقدت هذا الزوج كان لها أن تتصرف في مالها برأيها ، وجعل مهرها ملكا لها ومنع الاستيلاء علية من الولي كما كان الحال في زمن الجاهلية حين كانت عورة واجب التخلص منها بالوأد
ولم أر نعمة شملت كريما كنعمة عورة سُترت بقبر
وفيما يرويه الطبراني في الاوسط : ( كنا بمكة لا يكلم احدنا امراته ، وانما هي خادم البيت .. فلما قدمنا المدينة على الانصار، اذا قوما تغلبهم نسائهم ، فطفق نسائنا يأخذن من ادب نساء الانصار ) هكذا كان الاسلام منفتح
في حين نجد اليوم فيلسوف ومفكر مثل هيغل وهو استاذ الفلسفة الحديثة يقول " اذا كانت النساء في راس الحكومة فالدولة في خطر " وفسر ذلك بان النساء لا يفعلن حسب متطلبات الكلي بل تبعا للميول والافكار العارضة . ويضيف " أن النساء يمكن أن يكن مثقفات ولكنهن غير مؤهلات للعلوم العليا والفلسفة وبعض اعمال الفن التي تتطلب الكلية " اضافة عن فرقها عن الرجل مثل الفرق بين الحيوان والنبات فالحيوان موازي لطابع الرجل والنبات لطابع المرآة لأنها عنده تمثلن حالة انتشار هادئ مبدأه وحدة الشعور اللا متعينة .(مختارات هيغل - باب فلسفة الحق ) ان ما يجري وجرى على المرآة من حيف وعبودية هو من جهلها بحقوقها اولا وضعفها واستسلامها ثانيا ولعل هناك نقطة ثالثة مهمة هو الافراط والتفريط او خلط الحقوق بالواجبات المنوطة بها وهو من الجهل او التجاهل المواتي من محاولتها تحويل ضعفها الى قوة متسلطة واضطهادها للانتقام من كلا الجنسين , ان تلك الاسباب قد صارت عامل استقواء الرجل عليهن بل وجعلهم يهيمنون على مفاصل الحضارة والتطور لصالح فحولتهم , ليكون بالتالي التاريخ والمعرفة ذكوري , مع ان نصف الانسانية هي ملك للأنثى ، ومما زاد الطين بلة ان تقع الانثى اليوم تحت تأثر تفسيرات وشعارات احترابية مع الرجل ومع التقاليد مما وسع جبهتها وكثر من اعدائها بل وأزم الامر في فهم وخدمة قضيتها من قبل شريكها ، وقاسم أمين وهو من طلائع انصار المرآة في القرن السابق قد شخص الامر في قوله" أن ما تختلف فيه المرآة عن الرجل هو الاستعباد الذي استولى على المرآة زمانا طويلا حيث تغلب الرجل على المرآة في الطبقة السفلى في قوة العضلية وفي الطبقات الأخرى بقوة معرفته وتربيته . وهذه المرحلة المنحطة قضت على المرآة بان تستعمل حيل الرقيق لتدافع عن نفسها ويظهر أن الرجل يمتاز عليها بقوة عزيمته وزيادة الثبات في أعماله ، لكنها تمتاز عليه في قوة الإحساس وتحمل الآلام .... ويرجع السبب في أنها اقل تأثر من الرجل أو أنها اعتادت على الاستسلام والخضوع " والمرآة باستخدام تمسكنها وحيلها تغلبت على الفارق العضلي عند الرجل لكنها لم تكن بمستوى ما يتمتع به اغلب الرجال من قوة عضلية فهن لسن جميعهن اصحاب دهاء ومكر ومقدرة للتخلص من سادية الرجل في جاهليته , لهذا استسلمت وهادنت حتى أوجدت فرق واضح لطبيعتها الفكرية اضافة لطبيعتها الفسيولوجية ، لتكون بالتالي راضية بالعبودية مرضية بالطاعة التي اعتبرتها تقليد موروث يجب الانصياع له من غير حتى ان تعرف لماذا ، بل اعتبرتها فطرة وقدر عليها ان تتكيف معه وهذا هو السبب الرئيسي , فاذا كانت الفطرة هي من جعل المرآة تهتم برعاية الاطفال وانشغال الرجال في حب العمل فان هذا لا يكون عامل سلبي , بل على العكس اذ نجد كثير من النساء قد وظفت هذا لنصرتها وفي هذا الصدد يقول فيلون ( أن الوجبات التي تطالب بها النساء هي اساس الحياة الانسانية فالمرآة تدير جميع شؤون العائلة وبهذا العمل يكون لها اعظم نصيب في اصلاح الاخلاق أو افسادها ، وما من احدا يمكنه أن يهذب العائلة سوى المرآة ) بل ويهذب الرجل لكن اغلب النساء تريد لنفسها ما تمنعه عن سواها, كما ان العكس هو صحيح فالمرآة القوية في المدينة تختلف عن المرآة المستضعفة في الريف فكثير من نساء المدينة خلطنا ما هو لهن وما هو عليهن وبالتالي كانت تتلقى هجوما عكسي ينطلق من الدفاع عن المصلحة الذكورية , والانتقام من أضعفهن وهذا تسبب في ارباك مطالبها وجمود في نحت حقوقها , ولعل التجربة هي خير برهان بان المرآة متى ما امتلكت الوعي اصبحت حرة وقوية منذ القدم حيث كانت الشاعرة والخطيبة ، هي التي لها المقدرة بالمطالبة بحقها ونذكر أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري " حين ذهبت الى رسول الله صلى الله علية وسلم وهي تحمل مطالب جماعة من أخواتها النسوة حيث قالت للرسول
ـ أني رسول من ورائي جماعة نساء المسلمين ، يقلن بقولي وعلى مثل رأيي . أن الله بعثك الى الرجال والنساء ، فآمنا بك واتبعناك ونحن معاشر النساء مقصورات مخدرات ، قواعد بيوت ، وموضع شهوات الرجال ، وحاملات أولادكم . وان الرجال فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز ، وإذا خرجوا للجهاد حفظنا لهم أموالهم وربينا أولادهم ، أنشاركهم في الأجر"
وربما المحاولات النقدية للنص التي تنطلق اليوم من بعض مثقفينا ، لتفكيك النص وارجاعه الى حوادث النزول ، عاجز عن اختراق ثوابت قيم المجتمع التشريعية والقانونية والعرفية لأسباب أولها أن تلك النخب المثقف ليس لها قوى اجتماعية تستند اليها أو تساندها في تحقيق نمط متكامل للحداثة الا أذا كانت ذات تبعية أيدولوجية أو سلطوية او توجه ديني وثانيا ينعدم لدى المرآة التصميم والأيمان فاغلب مناصري المرآة هم من الرجال وهذا ما يضعف مطالبهن تجاه مثيلتهن وثالثا كيف لهذه النخبة أن تواجه تحديات الثابت والمتوارث اذا لم تجد الوعي في تقبل الطرح والمناصرة القانونية لحمايتها من المسائلة تجاه ابسط خطوات البحث واقل القوانين المراد تحقيقها
https://telegram.me/buratha