دراسات

دراسة ـ صناعة الشائعات وتحريف الاتجاهات ـ القسم الثالث

2478 2019-07-13

علي عبد سلمان

 

 دور الاعلام

كما ان الاعلام الرسمي قد يساهم من حيث يدري او لا يدري بزيادة رقعة الاشاعة عن طريق بثه لاخبار النغمة الواحدة لكف كل شيء ممكن معالجته عن طريق اتاحة الفرصة للرأي الآخر لكي يدلي بدلوه في المرحلة التاريخية التي يمر بها المجتمع .

ويستطيع الاعلام ان يلعب دوراً متقدماً في ابطال مفعول الاشاعات عن طريق الالتزام بأمانة الرسالة والحرص على احاطة الرأي العام بكل ما يمس مصالحه ويشكل حياته ومستقبله لكي يبقى الارتباط وثيقاً بين الرأي العام والخبر ، بين الفعل ورد الفعل ، ومع ارتفاع منسوب الاشاعة مع بداية مرحلة السلام التي يعيشها المجتمع ، وحرصاً من دولته على البحث عن الطريق السليم لتطويق الاشاعة والاشاعات في مضاجعها وبحثاً منها عن الدور الصحيح الذي من الممكن ان تتخذه وسائل الاعلام المحلية .

 الاشاعة = الاهمية × الغموض والالتباس

ان الاشاعة تلعب دوراً رئيسياً في الحرب وفي السلام ايضاً ، لانها تثير العواطف وتترك آثاراً عميقة في النفوس . وتخضع شدة سريان الاشاعة الى شرطين اساسيين :-

الاول – اهمية الموضوع بالنسبة لناقله والمستمع اليه .

الثاني – مقدار الغموض الذي يغلف الموضوع ويحيط به .

والقانون الاساسي في الاشاعة عبارة عن حاصل ضرب الاهمية في الغموض وليس حاصل جمعها . فإذا كانت الاهمية كبيرة والغموض صغيراً فلن تكون هناك اشاعة . كذلك اذا كان الغموض شديداً في موقف لا يهمنا فلن تكون هناك اشاعة . وبتعبير آخر ، اذا لم يكن للموضوع اهمية فأن غموضه لا يكفي وحده لاطلاق شائعة .

كذلك ، فأن الشائعة لن تقوم لها قائمة اذا كانت الامور واضحة لا غموض فيها ، لأن الشائعة في تعريفها هي معلومة لا يتحقق من صحتها ولا من مصدرها ، تنشر عن طريق النقل الشفوي . لذلك فهي خطرة جداً خاصة اذا كانت من نوع شائعات الأحلام والأماني التي تنفس عن حاجات الناس ورغباتهم وآمالهم ، لانها تشعر بشيء من الرضى والسرور وتشبع فيهم بعض الحاجات والرغبات او تخفف عنهم بعض المتاعب والآلام .

ومن هنا ، تكمن خطورتها لانها تؤدي الى الوقوع في الفخ الذي ينصبه لهم العدو ، كما تؤدي الى التراضي وعدم الاهتمام بمقاومته .

ان الشائعة تظهر كرد فعل عن غموض تمارسه وسائل الاعلام ويردد بطريقة انفعالية تنم عن ردود افعال مختلفة حول الموضوع الذي تطرحه الشائعة وبالتالي في تسبب رد فعل للمجهود الذي يتداولها في عمل على تسيير حياته وفقاً لما جاء بها .

اذن ، فالشائعة هي جزء من دائرة كاملة ، دوائر عديـدة نعيش فيها او بالاحرى تدور فيها ، وسواء اثارت الشائعة ازمة ام رافقتها ام اظهرتها ، فأن الناس يفهمونها على اساس انها كلام شديد الخطر مما يعني ان الشائعات هي نبأ ينتقل دون ان يراقبه احد وتنتشر معه مشاعر الخوف والقلق ، لان الشائعات تظهر الازمة العرقية والحالة الاجتماعية ، انها الدخان الذي يوحي بوجود نار وليس عود ثقاب الذي يشعل الحريق ، لذلك يجب ان تؤخذ الاشاعة بعين الاعتبار من قبل مسؤولي المؤسسات الاعلامية ، لان الاشاعة  رد فعل طبيعي على عدم احاطة وسائل الاعلام بكل جوانب موضوع الاشاعة التي هي نتاج ثانوي لعملية الاتصال الاجتماعي ولها قانونها الخاص والمميز بحيث تكون ضعيفة وبدون أي أثر عند المجتمعات المتفتحة والتي تملك وسائل اعلام فعالة . اما في المجتمعات التي تعاني من ضعف قطاع الاعلام تصبح الاشاعة قوة مسيطرة ذات تأثير كبير .

 تكرار الاشاعة

من الغريب حقاً ، ان الاشاعة التي نسمعها اليوم وكأنها اخبار جديدة قد تكون قصة مشهورة لعقود عديدة سابقة ظهرت بطابع جديد . ان الشائعات تستمر بالتداول طالما انها تلبي رغبات الناس من خوف وآمل وعداء .. التي لا تتغير من جيل لأخر .

ومن الأسباب الأخرى التي تساعد على استمرار الاشاعة وظهورها بين عام وآخر هو توقيتها وسهولة تذكرها وتكرارها . وتعتبر مقبولة ظاهرياً ولو ان هذا القبول لا يتطلب الاعجاب او التحقق من صحتها .

ولكي تتداولها الاجيال المقبلة ، فأن الاشاعة شأنها كأي شكل من اشكال الادب الرفيع لابد ان يحتفظ بصفات تستحق الاهتمام . كما تقتضي ان تكون مثيرة وتستحوذ على المشاعر وتنتهي بنهاية ساخرة غير متوقعة .

تبدل الاشاعة:

لما كان الاشخاص متعصبين لقصصهم الخاصة ويرفضون أي شك حولها . فإن اجاباتهم للمتشككين تكون اكثر ايجابياً وتفصيلاً ، وذلك لزيادة قبول الاشاعة .

تنسب الاشاعة في البداية الى مصدر مسؤول وفيما بعد الى شخص بارز ، تداول الاشاعة هنا كحقيقة حتى لو صرح مروجها بأنها اشاعة :- " سمعت هذا لكن لا اعلم ان كان هذا صحيحاً أم لا " .

ان هذه الصنيعة تحرر المرء الناقل للإشاعة من أية تبعية او مسؤولية وتسمح له بترديدها دون أي شعور بذنب . كما إنها تتيح اليه الفرصة لزخرفتها والمبالغة قليلاً وإضافة نقطة او نقطتين لجعلها قصة متكاملة .

تعتبر الأسماء والأرقام والأماكن من أكثر المكونات غير الثابتة لأي إشاعة . هناك العديد من الإشاعات التي تتناقل في بلدان مختلفة وان مصدرها واحد ، ولو ان كل بلد يستخدم الأسماء والأماكن المعروفة لدى مواطنيه .

تميل الاشاعة دوماً لتكون واقعية وواضحة رغم غموضها في البداية . ان الاشارات الملموسة اسهل تذكراً واعداداً ، ولهذا السب ان الاشارات الغامضة قد تتلاشى او تتغير  .

الرقابة وتقييد الاشاعة

ما دامت الرقابة تحجب الاخبار الهامة فأن الاشاعة تبقى في طور التداول . وعندما تكون الرقابة صارمة فأن جميع الشائعات المثبطة للمعنويات تلقى رواجاً . اما اذا كانت الرقابة متسامحة نوعاً ما فلا تنتشر الشائعات ولا تثبط المعنويات . وبالطبع ، ان الرقيب يبقى بين نارين . فأذا سمح بتدفق الاخبار بكثرة فأن العدو ينتفع منها بأفراط ، واذا حجبها عن النشر فأنها تـؤدي الى اضعاف معنويات ابناء وطنه. لهذا ، لابد ان يختار الرقيب حلاً وسطياً بين الاثنين .

ان الرقباء او المسؤولين عن تقييد الاشاعة ورصدها بين افراد مجتمعهم يمكن ان يستفيدوا من القواعد المذكورة ادناه والمبينة على الملاحظة العلمية :-

1- تأمين حسن النية في وسائل الاتصالات الرسمية – تبدأ الاشاعة بالانتشار عندما يفقد الشعب الثقة بصحة بيانات حكومته وقواتها المسلحة وصحافتها وبقية وسائل اعلامها ....

2- تنمية شعور الاخلاص لافراد الحكومة ورموز الدولة – يمكن لافراد المجتمع تحمل الرقابة وفقدان الاخبار عندما يتأكدوا بأنهم لم يخدعوا بمعلومات مزيفة وان كل ماحجب لسبب معقـول . ان هذا ينطبق على اكبر مسؤول في الدولة الى اصغر موظف ....

3- ذكر حقائق اكثر كلما أمكن – يستوجب فسح المجال لوسائل الاعلام المختلفة بنشر اخبار كاملة ومفصلة كلما امكن دون ان يستفاد الآخر المختلف منها . ان الافراد بحاجة الى حقائق وعندما لا يجدونها فأنهم يأخذوا بالاشاعة .

4- اجعل رجالك منهمكين في اعمالهم – يجب تجنب الكسل والملل ضمن السهل املاء العقول الفارغة بقصص خيالية ومفزعة ، كما ان البطالة تشجع الثرثرة .

5- حارب مروجي الاشاعة – نظم حملة ضد الشائعات ، اكتشف الاشاعة والدعايات التي يروجها العدو . كذب بعض الشائعات ببيان بأنها مزيفة وغير حقيقية ، حاول رسم صورة كاريكاتورية ساخرة لمروجي الاشاعة .

 إشاعة الحروب

تعتبر الإشاعة سلاح فعال في الحرب النفسية لانها تصل اذن السامع بدون ان تبدو كدعاية وتنتشر بفعل قوتها الذاتية . ان الطرق التي تستخدم فيها الإشاعة في الحرب الدعائية هي :-

1- أحداث التمزق – يمكن استخدامها هنا لإحداث الاضطراب بالمعنويات او لزيادة شقة الخلاف بين أبناء البلد الواحد . يمكن تحطيم الوحدة الوطنية القائمة بمجرد إثارة شك مقبول .

ان الإشاعة لا تبث أي شيء أبدا ولكن قد تؤدي مهمتها اذا استطاعت خلق جو من عدم الثقـة.

2- استخدامها كحجاب دخان – يمكن للإشاعة أخفاء الحقيقة ، ان طريقة الترويج هي التصريح بعدة أسرار بحيث ان السر الحقيقي يتعذر كشفه من بين التصريحات المتضاربة .

3- تكذيب مصادر الأخبار- يعتبر هذا الأسلوب من الأساليب البارعة . ففي عام 1941 ، حاول البريطانيون قصف محطة الإذاعة الرئيسية فـي برلين عدة مرات ، وعندما أخفقت محاولاتهم نشر الألمان – تقارير غير مؤكدة – على ان البريطانيون نجحوا في مسعاهم ولمدى وصول الشائعات الى انكلترا اعتبرها البريطانيون تأكيد لنجاحهم ونشروها عن طريق الإذاعة البريطانية ، بعد ذلك قامت وزارة الدعاية الألمانية بأصطحاب الصحفيين الأمريكان الى ساحة العمليات لإثبات عدم صحة التقارير البريطانية وكشف زيف الإذاعة البريطانية.

4- الإغـراء – يمكن استخدام الإشاعة لمعرفة الحقيقة . ففي الحرب العالمية الثانية ، شرع اليابانيون بترويج إشاعات حول الخسائر الأمريكية في المعارك البحرية ، لم يكن اليابانيون يعرضون حجم الخسائر الأمريكية ، ومع ذلك فقد رغبوا بمعرفتها .... استمرت الإشاعات بالانتشار وكانت مؤثرة على معنويات الأمريكان رغم حداثة الأسلوب . لو أذاعت الحكومة الأمريكية الحقيقة فيما بعد في سبيل تعزيز وتحصين المعنويات لحصل اليابانيون على المعلومات التي ينشدونها .

 فـي أي مبولة سمعت ذلك ؟

هناك – عيادة للشائعات – تقوم هذه العيادة بجمع كافة الشائعات من الإفراد المسؤولين عن مكافحة الشائعات او الإفراد الذين يزودون العيادة بالشائعات كمتعهدي المقاهي ونوادي الليل والبارات .... الذين يسمعون الكثير من اللغط والكلام غير المجدي بعد ذلك تقوم العيادة بفحص الشائعات وتقرر تقيدها او تصحيحها ، كما تبين بأن هذه الشائعات كاذبة ولابد من معاملتها بسخرية .

بإمكان صانع القرار فتح عيادة خاصة للشائعات في كل دوائر دولته مع لوحة إعلان للشائعات المتداولة ، كما ان بإمكانه تشجيع أفراد مؤسساته الرسمية وتعويدهم على التساؤل بنفس الطريقة التي تعوّد عليها الجنود الأمريكان لسنوات عديدة " فـي أي مبولة سمعت ذلك ؟ " . وعندما تثار المشاعر وهناك شحه في الأخبار الصحيحة فمن المستحيل وقف الإشاعة .

ان هذه الحقيقة لا يمكن التأكيد عليها أكثر من ذلك ، وعلى الرغم من ذلك فأن تأثيرات الإشاعة يمكن تقييدها وجعلها تافهة باستخدام هذه الوسائل المختلفة .

وتؤثر هذه الوسائل ليس على المدنيين فحسب وإنما على الجنود الذين جرت عليهم التجربة. وعموماً ، ان أفضل طريقة للقضاء على الإشاعة هي تجاهلها . ويتعين على أفراد المجتمع ان يبقوا منهمكين في أعمالهم .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك