العلمانية بحد ذاتها ليست شرط رفاهية وتطور وحداثة، ولاتقاس من إباحة الممنوعات والمرفوضات المجتمعية. مثلاً الفيلبين دولة علمانية تبيح الجنس وأكل الكلاب ومعاقرة الخمور وتفصل الدين عن الدولة لكن مئات الآلاف من نساءها ورجالها يعملون موظفي خدمة في بلدان انظمتها لا تفصل الدين عن الدولة. ويوم حكمها الديكتاتور الوحشي العلماني فرديناند ماركوس لم يجد الفيلبينيين من يخلصهم منه سوى دعوة اطلقها رجل دين وهو رئيس أساقفة مانيلا فتجمع بذلك سبعة ملايين شخص اطاحوا بالديكتاتور العلماني بما يعرف بالثورة الفيلبينية 1986. فتأمل. المدنية أي دولة لا تميز (قوانينها) بين مواطنيها على أساس الدين أو القومية أو المذهب ولا تفرق بين مواطنيها ولا تمنع فئة من شعبها من ممارسة طقوسهم الدينية أو عاداتهم الإجتماعية وتنتقل فيها السلطة سلمياً ولا إقصاء فيها للآخر ولا يتحكم بها فئة أو أقلية وتحتكم مؤسساتها للقوانين الوضعية فهي دولة مدنية. نحن في العراق لسنا تحت حكم أقلية قومية أو دينية ولا تحت سلطة حكومة عسكرية وليس لدينا قانون يستمد شرعيته من الدين. نظام الحكم برلماني جمهوري والدستور اكتسب شرعيته من تصويت الشعب. لست هنا بصدد الكلام عن أخطاء ممارسة الحكم والثغرات في الدستور فهذه بحث آخر. أهم قانون في كل دولة هو قانون العقوبات. وقانون العقوبات العراقي قانون وضعي فلا جلد ولا رجم ولا تعزير. نعم قانون الأحوال الشخصية العراقي (مشتق) من الفقه الإسلامي لكنه يحفظ حقوق الأسرة وهو خاص بالمسلمين ولبقية الديانات قوانينها الخاصة بالأحوال الشخصية. نعم دين الدولة الرسمي هو الإسلام لانه دين أغلبية الشعب العراقي لكن ذلك لا يمنع ولا يضيق على أتباع باقي الديانات من ممارسة طقوسهم. ليس لدينا قانون يستمد شرعيته من الدين. نعم ليس هناك فصل للدين عن الدولة لكن بنفس الوقت ليس هناك تحكم للدين بالدولة. نعم هناك أحزاب سياسية تستقطب المناصرين بأدبيات دينية مثل ما هناك أحزاب علمانية تستقطب المناصرين بأدبيات علمانية وهذا موجود حتى في دول الإتحاد أوروبي فألمانيا حالياً يحكمها حزب (الاتحاد الديمقراطي المسيحي). وفي فرنسا حزب (الحركة الجمهورية الشعبية المسيحي) واحد من أكبر الأحزاب السياسية في البلد. بل إن حزب الشعب الأوروبي المسيحي هو أكبر تكتل سياسي في البرلمان الأوروبي ويضم أكثر من 40 حزب يتوزعون في كل دول الإتحاد الاوروبي. توجهات أغلبية الشعب وخياراته هي من لها الكلمة والفصل لا تنظيرات المنفصلين عن الواقع. فالقضية ليس فصل الدين عن الدولة بل المهم أن لا تكون هذه الدولة منحازة لطرف ضد آخر أو تتعامل مع مواطنيها حسب القومية والدين والمذهب.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha