دراسات

المجتمعات الشيعية وظواهر التمايز والتكامل والاندماج / 2/ المجتمع الشيعي الخليجي


 

د. علي المؤمن ||

 

    يعد المجتمع الشيعي الجزيري والخليجي مجتمعاً واحداً الى حد كبير، من الناحيتين الاجتماعية والإنسانية، وتبلغ نسبته 30 بالمائة من عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي (السعودية، الكويت، عمان، الإمارات العربية المتحدة، البحرين وقطر)، وهو الأقدم تاريخياً في الولاء لآل البيت، وأرضه هي جغرافيا تاسيس التشيع، وتحديداً أرض الحجاز، والأكثر تحديداً المدينة المنورة. إلّا أن خضوع ولايات الجزيرة الى الحكومات المناهضة للشيعة منذ عصر صدر الإسلام، مروراُ بالحكومات الزبيرية والأموية والعباسية، وصولاً الى الحكم السعودي الوهابي الذي يكفِّر الشيعة ويستحل دمائهم، حوّل شيعة الجزيرة والخليج الى أقلية مذهبية مضطهدة ومهمشة اجتماعياً وسياسياً. وتعزز هذا الواقع، بعد سيطرة الأسر المتفرعة عن قبائل العتوب النجدية، على أغلب مشيخات الخليج، منذ القرن الثامن عشر الميلادي. وربما كان الاستثناء الوحيد هو اليمن الزيدي حتى سقوط نظام الإمامة فيه.    

  ويمكن القول أن أوضاع الشيعة في شبه الجزيرة العربية والمنطقة الخليجية  كانت تشبه غيرها من المجتمعات الشيعية العربية، بل كان أغلب المشيخات الخليجية تحظى بحماية الدولة الإيرانية، وخاصة البحرين، وبالتالي حماية شيعتها، حتى ظهور الوهابية في نجد وهجرة قبائل العتوب وسيطرة الأسر الحاكمة الحالية على البلدان الخليجية. كما كان جزيرة البحرين حاضرة علمية وثقافية وسياسية شيعية مهمة حتى احتلالها من الأسرة الحالية، وقد ساهم علماء الدين البحرانيين مساهمة علمية وتبليغية مهمة في دعم الحكام الصفويين، من أجل استتباب المذهب الشيعي في إيران، شأنهم شان علماء العراق ولبنان.

    ولعل المجتمع الشيعي الخليجي هو أحد أكثر المجتمعات الشيعية تعرضاً للتهميش، لكنه ــ في الوقت نفسه ــ الأكثر نزوعاً نحو المسالمة والهدوء والحذر. صحيح أن شيعة العراق أكثر منهم تعرضاً للظلم والقمع والقتل بأضعاف مضاعفة، لكن الاختلاف هو أن شيعة العراق ظلت لهم سطوات وجولات وثورات وانتفاضات ضد محتليهم وظالميهم، بسبب مايتمعون به من عناصر القوة العددية السكانية والديمغرافية، ووجود الحوزة النجفية والمرجعية العليا، والقدرة المالية النسبية، بينما ظل الشيعة الخليجيون، يتعرضون للاضطهاد والقتل بصمت، كونهم أقلية عددية حضرية، وسط واقع قبلي طائفي مناهض شرس. وربما يكون المجتمع الشيعي البحراني هو الاستثناء بين المجتمعات الخليجية الأخرى في الإعلان الدائم للرفض والمقاومة ضد سياسات التهميش والقمع، كونه يمثل الأكثرية العددية السكانية في البحرين، ووجود التنظيمات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تمثله، فضلاً عن عدد نوعي وكمي من الفقهاء وعلماء الدين، وهي بمجموعها مقومات لايتمتع بها شيعة البلدان الحليجية الأخرى.

    ويتناسب الاستقرار المجتمعي الشيعي في البلدان الخليجية مع طبيعة النظام السياسي في كل بلد، فكلما كان هذا النظام قريباً من سياسة المواطنة وحرية التمذهب والحقوق العامة، كان المجتمع الشيعي أكثر استقراراً واندماجاً بمجتمع الدولة وانتماءً لنظامها السياسي، وهو ماتتميز به عمان والكويت، بينما يحدث العكس تماماً في ظل الأنظمة الطائفية التمييزية القمعية، وهو ماعليه السعودية والبحرين. 

   والذي ميّز المجتمع الشيعي الخليجي بعد الطفرة المالية النفطية في خمسينات القرن الماضي، هو تحوّله الى داعم مالي رئيس للمؤسسة الدينية ولعموم النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وخاصة في مجالات التبليغ الديني والنشاطات الوقفية والخيرية والثقافية. ولذلك؛ ظلت مساهمة المجتمعات الشيعية الخليجية، مؤثرة في تنمية وإعمار المؤسسات الدينية والثقافية والخدمية الشيعية في العراق ولبنان وسوريا وأفريقيا وأوربا.

____________________

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك