دراسات

مفارقات الرأي العام الشيعي العراقي

1623 2021-04-12

 

د. علي المؤمن ||

 

     الثنائيات التي تمثل الإزدواجيات أو المفارقات الشائعة للرأي العام في كل بقاع العالم؛ لاتختص بالرأي العام العراقي، فالرأي العام الظاهر ــ مثلاً ــ يكون أحياناً مؤشراً خادعاً، ويخفي وراءه رأياً عاماً كامناً، وهكذا بالنسبة للرأي العام المتغير الذي يضمر رأياً عاماً ثابتاً. وترتبط هذه الثنائيات بظواهر الاجتماع النفسي والاجتماع الديني للشعب، ويمكن من خلالها التعرف على المواقف شبه النهائية للرأي العام، وعلى النحو التالي:

1- الرأي العام الظاهر والرأي العام الكامن:

    الرأي العام الظاهر هو الرأي المعلن الفاعل للجمهور، ويتمظهر في الفعاليات العامة، كالتظاهرات والاحتجاجات وما يقال وينشر في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. وغالباً ما يمثل رأي الأقلية الشعبية الفاعلة أو ما يمكن تسميتهم بأصحاب الصوت العالي الذين يزعمون تمثيل الشعب والرأي العام. أما الرأي العام الكامن فهو رأي مستتر ولايعبر عن نفسه في فعاليات عامة، لأسباب سياسية أو اجتماعية أو أمنية، وهو ما يعرف برأي الأغلبية الصامتة، وهي الأغلبية التي تراقب عادة. ويمتلك جزء من هذه الأغلبية موقفاً ثابتاً، والجزء الثاني ليس له رأي متبلور من الحدث أو القضية، ويفضل المراقبة والانتظار وصولاً الى انتاج الموقف النهائي، أما الجزء الثالث فليس له رأي ولا يفكر بانتاج رأي. بيد أن الأغلبية الصامتة تعبر عن مواقفها الحقيقي ـــ عادة ـــ عندما تزول أسباب صمتها، أو في المنعطفات المصيرية.

    وبين الظاهر والكامن، تبرز مشكلة تمثيل الرأي العام وتمثيل الشعب، وهو ما يعبر عنه بعض الزعماء السياسيين أو مقدمي البرامج التلفزيونية أو المتظاهرين، حين يدّعون أنهم هم الشعب وأنهم يتحدثون باسم الرأي العام، بينما يكمن الرأي العام الغالب في مكان آخر، وهو مايتفاجأ به المراقبون في الانتخابات العامة عادة. ففي جميع الدورات الانتخابية الماضية (2003-2020) ظل الإسلاميون الشيعة وحلفاؤهم، يحصدون الأغلبية الساحقة للمقاعد الشيعية في مجلس النواب العراقي، ويمسكون بقرار تشكيل الحكومة، بينما يحصل خصومهم من العلمانيين الشيعة ـــ مثلاً ـــ على ما معدله 10 بالمائة مما يحصل عليه الإسلاميون، رغم أن هؤلاء الخصوم أصحاب صوت عال ويدّعون تمثيل الشعب. وينطبق الأمر نفسه على تيارات إسلامية شيعية تطرح نفسها ممثلة للشعب أيضاً، لكنها تحصل في الانتخابات العامة ـــ عادة ـــ على النسبة نفسها التي تحصل عليها الفصائل الأخرى وربما أقل.

    ويبدو أن هذه النتائج ستتكرر مستقبلاً، سواء في انتخابات مجالس المحافظات أو انتخابات مجلس النواب، ليس لأن الحركات الإسلامية تمتلك إمكانات مالية وإعلامية وتنظيمية أكبر، ولكن لأن الرأي العام الشيعي العراقي يميل الى عناصر اجتماعه الديني ـــ غالباً ـــ ويرى أن مشتركاته مع الإسلاميين أكبر بكثير من مشتركاته مع الجماعات والكتل العلمانية وغير الإسلامية. ولذلك؛ ينطلق الرأي العام الشيعي الكامن، معبراً عن نفسه تلقائياً في المنعطفات، ومنها الإنتخابات، حين يختار الإسلاميين، بل أن الجزء الذي لاينتخب فصائل الحركة الإسلامية، ويعلن عن معارضته لها؛ يفضل العزوف عن المشاركة الانتخابات، على انتخاب التيارات العلمانية.   

2- الرأي العام المؤقت والرأي العام الثابت:

    الرأي العام المؤقت هو الرأي المتغير أو المتحرك أو الناشط في برهة زمنية محددة، تتميز بأحداث ووقائع آنية أو مشاكل طارئة. وغالباً ما يبرز الرأي العام المؤقت ردّ فعلٍ على هذه الأحداث أو الوقائع، قبولاً أو رفضاً، ويتمظهر ــ عادة ـــ في التظاهرات والحملات الإعلامية في الوسائل التقليدية أو وسائل التواصل، ويتلاشى تدريجياً أو فجأة، مع ارتفاع أسباب تشكيله أو حدوث موجات دعائية مضادة، أي مع انتهاء الحدث أو تغيير معادلات فهمه وتغيير موازين القوة. وبالتالي؛ فهو تعبير عن قيادة العقل الجمعي الآني للجمهور. وتزداد حالات ظهور الرأي العام المؤقت عندما يكون الجمهور عاطفياً، وهو ما يتميز به الشعب العراقي، وكذا في ظل أجواء القمع الشديد أو حرية الرأي المنفلتة عادة، وهما واقعان عاشهما الشعب العراقي، الأول خلال حكم البعث، والثاني بعد العام 2003. 

    أما الرأي العام الثابت، فهو رأي راسخ ومستقر، استقراراً  كاملاً أو نسبياً، ويمثل وعياً عاماً قيمياً، يرتبط بثوابت الجمهور الدينية أو الاجتماعية عادة، ولاتغيّر فيه الأحداث والمشاكل تغييراً  كبيراً. وهذا الرأي هو الذي يطفو على السطح في المنعطفات التي يعدها الجمهور مصيرية.

    ويمكن تشبيه الرأي العام الظاهر بالرأي العام المؤقت، والرأي العام الكامن بالرأي العام الثابت، من كثير من الوجوه، فإذا كان الرأي العام المؤقت يشير الى معارضة ساخنة ممتدة لأداء فصائل الحركة الإسلامية الشيعية في السلطة بعد العام 2003، حاله حال الرأي العام الظاهر؛ فإن الرأي العام الثابت يصب ـــ عادة ـــ  في مصلحة الحركة

الإسلامية، بالنظر للمشتركات القيمية الدينية والاجتماعية بين الحركة الإسلامية وعناصر الرأي العام الثابت الشيعي العراقي، حاله حال الرأي العام الشيعي العراقي الكامن.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك