دراسات

الجيوبوليتيك ومفهوم الأمن القومي


 

د. سيف الدين زمان الدراجي *||

 

تُحدد المصالح الوطنية مسبقًا من خلال جغرافية البلد السياسية او تأريخه. لم تكن أولوية القادة العظام أبدًا متابعة مصالحهم فحسب - بل كانوا قلقين وحريصين على مصالح شعوبهم. *جوزيف ناي* .

مثل كل العلوم المترابطة ، يشهد مصطلحي الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك تشابكاً وغموضاً لمعاني هذين المصطلحين ودلالاتهما اللغوية في اللغات الأجنبية. بالإضافة إلى هذا الالتباس الدلالي، هناك أيضًا ارتباك في الترجمة ، يليه عدم وضوح ناتج عن الاستخدام غير الصحيح لهذين المصطلحين حتى بين السياسيين والخبراء.

إن مصطلح " جيوبولتيك" مصطلح يركز بشكل أساسي على دراسة تأثير الأرض (برها وبحرها ومرتفعاتها وجوفها وثرواتها وموقعها) على السـياسة،  في مقابل مسعى السياسة للاستفادة من هذه المميزات من منظور مستقبلي، حيث يشير تقليدياً إلى العلاقة والسببية بين السلطة السياسية والبعد الجغرافي على وجه التحديد.

أما الجغرافيا السياسية فهي  العلم الذي يبحث في تأثير الجغرافيا على السياسة أي الطريقة التي تؤثر بها المساحة، والتضاريس والمناخ على أحوال الدول والناس.

يُنظر للجيوبولتيك بشكل عام على أنه مجموعة من معايير التفكير الاستراتيجي والسمات المحددة بناءً على الأهمية النسبية للقوة البرية والقوة البحرية ( مضاف اليهما القوة الجوية وقدرات التمكين في الفضاء الخارجي). أكاديميًا ، يتضمن البحث الجيوسياسي؛ تحليل الجغرافيا والتاريخ والعلوم الاجتماعية، فضلاً عن مقاييس تقييم الأداء للسياسة المحلية والدولية (بدءاً من المستوى الوطني وصولاً إلى المستوى الدولي).

يُعنى الجيوبوليتيك بالبحث عن الاحتياجات التي تتطلبها الدولة لتنمو حتى ولو كان ذلك من وراء الحدود، وتسعى بذلك الى ان تكرس أهدافها للمستقبل، أي ان لها بعداً استراتيجياً يلعب دوراً رئيسياً في تعزيز المكانة الدولية والاقليمية لها.

‏تعمل الدول على تحديد أهدافها القومية بصورة واقعية اخذتاً بنظر الاعتبار دراسة جميع مكونات الدولة السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والأمنية والاجتماعية والجغرافية . ولما كان لعلم الجيوبولتيك من أهمية في حل الإشكاليات و دراسة التأثيرات والمتغيرات الدولية والاقليمية، والتي باتت تلعب دورا كبيرا في حياة الشعوب والأفراد، ركزت الدول بشكل كبير على ماهية علاقاتها وشكل سياساتها الخارجية والدفاعية ‏من أجل تعزيز فهم أوسع لطبيعة البيئة المحيطة بها ومرتكزات أمنها واستقرارها القومي.

 ان تعزيز الأمن والاستقرار للدول يفرض على مفهوم الجيوبولتيك تبني سياسات واستراتيجيات تقوم على توفير المعلومات وتحليل المعطيات التي تحدد التهديدات التي من الممكن أن تقوض التوجهات الرامية إلى تحقيق الحماية والطمأنينة وتمتين عوامل التمكين والرفاهية. ومن أجل فهم الإطار الجيوبوليتيكي للأمن القومي برزت الحاجة إلى فهم سلوك النظام العالمي الذي يحدد الاهداف والغايات التي تسعى إليها الدول لفرض سيطرتها على مناطق ذات مواصفات جغرافية محددة، ‏ارضاً وسماءً ومياهاً وحتى فضاءً خارجياً، الأمر الذي كان ولا إزال سبباً رئيسياً لنشوب صراعات ونزاعات عديدة أدت إلى صعود قوى ونزول أخرى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

 أن الدول التي تحسن استثمار موقعها الجغرافي وفقا لسياسات داخلية وخارجية استراتيجية في إطار علاقات متوازنة، ستتمكن من ضبط آليات التفاعلات الدولية والإقليمية المحيطة، الصراعية والتعاونية، بناءً على تفاهمات وأسس وضوابط؛ سياسية واقتصادية و دبلوماسية ودفاعية وأمنية. الامر الذي سيعزز من قدرتها على التأثير واتخاذ القرارات الإستراتيجية التي تُراعي فيها ‏استقرارها ورفاهية شعوبها، وتجعلها بمأمن من التهديدات الخارجية المباشرة على أمنها القومي من جهة، ومن التدخلات الخارجية للقوى المعارضة التي تعمل على زعزعة الأمن الداخلي وتقويض الاستقرار المجتمعي من جهة أخرى.

 

*باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك