دراسات

المعنيون بتجديد الفكر الإسلامي

2786 2022-03-03

 

د. علي المؤمن ||

 

    إن التجديد في علوم الدين، والفقه وأداوته، ومجمل قضايا الفكر الإسلامي أو اكتشاف المفاهيم والنظريات والنظم الإسلامية؛ إنما هي مجالات تخصصية لها أصحابها، الذين وصفهم القرآن الكريم بـ «أهل الذكر» وأمر بالرجوع إليهم: ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)). وهم ،كما ظاهر الآية، المتخصصون في الشرع عقيدة وفقهاً.

    وتتطلب هذه المجالات الخطيرة؛ فقيهاً مفكراً مثقـفاً، على مستوى عالٍ من التخصص، ليكون قادراً على القيام بثلاث عمليات متوالية:

    1 - فهم الأصول فهماً حقيقياً، ويستدعي ذلك معرفة وإحاطة بعلوم الشريعة كافة.

    2 - فهم الواقع فهماً صحيحاً، والإحاطة بحقائقه ونظمه وحاجاته. ويستدعي ذلك معرفة تفصيلية بالأفكار السائدة وتطورات العصر، ومتابعة لأحداث الواقع على مختلف الصعد: العلمية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيرها.

    3 - استنباط الأحكام والمعارف والنظريات وفقاً للفهمين السابقين، ثم إخضاع حقائق الزمان ونظمه وحاجاته لها، تحقيقاً لمقاصد الشريعة.

    ولا شك في أن مهمة بهذه الدرجة من الخطورة والعمق ليس بإمكان فقيه واحد أو مفكر واحد أو اثنين التصدي لها؛ بل هي مهمة شاقة، تستدعي تظافر جهود كبيرة ومنظمة لإنجازها على النحو المطلوب.

    وإذا عَدّ البعض أن تخويل أهل الاختصاص في العقيدة والشريعة الإسلامية ليكونوا أوصياء على الفكر الإسلامي، هو نوع من الاحتكار، فهذا تفسير خاطئ؛ لأن ما يسمونه بالوصاية إنما هي - في الحقيقة - مرجعية، وهو مطلب عقلي طبيعي، يكرّس احترام الاختصاصات، ويحول دون الخلط والتهافت في القضايا الفكرية عامة وفي الفكر الإسلامي خاصة.

    هذا الأمر يستدعي - بالطبع - مبادرة من أصحاب الاختصاصات الإسلامية؛ ليكونوا بحجم المرحلة، وبمستوى وعي حاجاتها وحاجات الأمة والساحة وما يواجهها من تحدّيات وفي مقدمة ذلك ملء الفراغات التي يمكن للآخرين أن ينفذوا من خلالها. وإذا ظهر أي اختلاف أو شبهة أو خطأ في نظرية أو فكرة إسلامية معيّنة، فإن القرآن الكريم والسنّة الشريفة هما الحكم، وتكون النظرية الصحيحة هي الأقرب إلى النص: ((فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول)). أما تفسير النص، والحكم بانطباق النظرية عليه، فهو شأن «أهل الذكر». بناءً على هذا الاعتبار، فإن لعلماء الدين حق الرقابة والإشراف على حسن وسقم ما يصدر من أفكار تنسب إلى الإسلام: ((ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)).

    ويتعيّن على المفكر الإسلامي الذي يسعى لتأسيس نظرية إسلامية أصيلة أو تطويرها؛ التمتع بجميع خصائص التخصص والأصالة؛ التخصص في الفكر والتشريع الإسلاميين، وفي موضوع النظرية والرؤى الأخرى حولها، وفي المنهج العلمي وأساليب الاستنباط، إضافة إلى الأصالة في التفكير والقدرة الفائقة على النقد والمحاكمة؛ ليكون الناتج إسلامياً في المقدمات والمنهج والتفكير والنتائج، وبالتالي فليس كل مفكر أو مثقـف يمكنه الاستنتاج والاستنباط!

    وما سبق يستدعي - أيضاً - تحرك الفقه بشكل يتلاءم وحجم الحاجات، خاصة حاجات النظام الاجتماعي أو نظم الدولة، فالمجتهد - الواقعي - هو الذي يرى في الدولة الإسلامية «تجسيداً للفلسفة العملية لتمام الفقه في جميع جوانب الحياة. والحكومة هي انعكاس للبعد العملي للفقه في تعامله مع جميع المعضلات: الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية. فالفقه هو نظام واقعي متكامل لإدارة الإنسان والمجتمع من المهد إلى اللحد».

    ومهمة عظيمة بهذا الحجم تتطلب مجتهداً جامعاً لخصائص الاجتهاد والتجديد، أي يكون عارفاً - بدقة - بموقع الزمان والمكان في حركة الاجتهاد، و«العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس». يقول الإمام الخميني: «إنّ الإحاطة الدقيقة بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية جعلت الموضوع نفسه في الظاهر موضوعاً جديداً، فيستتبعه قهراً حكم جديد». والسلوك الشرعي، الفردي والجماعي، هو مظهر تطبيق الحكم الشرعي؛ لأن الحكم يحدد طبيعة التكليف. والفهم الجديد لثوابت الدين ينتج عنه حكماً جديداً، وبالتالي تكليفاً جديداً وسلوكاً جديداً.

ـــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك