دراسات

ماهية المسيحية التي أقصتها العلمانية/2

3430 2022-04-12

علي المؤمن ||

 

   المسيحية التي أقصتها العلمانية من الحياة والتشريع وأي دور في مؤسسات الدولة، تختلف اختلافاً جوهرياً عن الإسلام وشريعته، فهذه المسيحية هي تركيب صناعي تم في روما القسطنطينية، وليس لها شريعة شاملة على كل مجالات الحياة، كما عليه الإسلام، وهو ما يجعل الثورة العلمانية ضد المسيحية، هي ثورة ضد المؤسسة الكهنوتية المسيحية القسطنطينية، بهدف إعادتها الى قواعدها الروحية التي لايوجد غيرها في المسيحية الأصلية، وليس ضد الشريعة المسيحية التي ليس لها وجود أصلاً.

    وتختلف المسيحية الروحية الناصرية التي جاء بها السيد المسيح، اختلافاً بنيوياً عن المسيحية السائدة، وهي المسيحية البولسية القسطنطينية الرومانية، والتي تبلورت في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول (272 ـــ 337 م )، أي بعد ثلاثة قرون من ميلاد عيسى المسيح؛ فالأولى هي المسيحية الروحية الأخلاقية الاجتماعية، الخالية من التشريع ومن النظم السياسية والاقتصادية، والثانية هي المنظومة المسيحية السلطوية الإستعمارية، التي نشرت المسيحية في اوروبا والعالم بالسيف والقهر، وهي التي أسست لنظام الاستبداد الديني الكنيسي، الأمر الذي يتعارض كلياً مع تعاليم السيد المسيح.

    لقد مثلت المسيحية البولسية القسطنطينية الرومانية، خلطة عجيبة، جمعت بين:

   1- تعاليم روحية أخلاقية بشّر بها النبي عيسى المسيح.

   2- عقيدة أسسها بولس (5- 67 م)، الذي يعد المؤسس الحقيقي للعقيدة المسيحية، التي تتمحور حول شخصية السيد المسيح حصراً، وتمكن بولس عبر هذه العقيدة من تحويل التعاليم المسيحية من انشقاق ديني يهودي الى ديانة مستقلة، على أرض الواقع. وبولس هو بالأصل يهودي روماني، كان يضطهد المسيحيين الأوائل بعد عروج السيد المسيح، ثم زعم أنه رأى نور السيد المسيح في الطريق، وطلب منه الإيمان به وأن يصبح رسوله الى العالم، لذلك أسمى نفسه بولس الرسول.

   3- شريعة يهودية توراتية، لأن السيد المسيح لم ينشىء شريعة مستقلة عن الشريعة اليهودية، لذلك فإن المسيحيين الأوائل اعتمدوا التوراة ككتاب عقيدة وتشريع وتاريخ، وعدّوه العهد القديم، مقابل الإنجيل الذي يمثل العهد الجديد.  

   4- أنساق فلسفية يونانية، أغلبها إفلاطونية

   5- عرفان غنوصي

   6- مثيولوجيا وثنية رومانية

   7- ايديولوجيا سلطوية استعمارية أسسها قسطنطين الأول، الذي كان ذو طموحات سياسية إمبراطورية توسعية لاتنتهي، ولم يكن يعنيه الجانب الديني، بقدر ما يحقق له طموحاته.

    ويعد تأسيس الديانة المسيحية الجديدة على يد قسطنطين، خلال المجمع المسكوني المسيحي الأول في روما في العام 324؛ يعد التأسيس الثاني للمسيحية، بعد التأسيس الأول على يد بولس الرسول. وقد فرضت هذه الديانة الجديدة على أوروبا، عصوراً مظلمة قاسية من التخلف والمرض والجوع والاستبداد والحروب والانكسارات، عرفت بــ "العصور الوسطى"، لأنها ديانة تركيبية متحولة وافدة لا تنتمي إلى أوروبا في الجذور الاجتماعية، ولأنها باتت سلطة قمع للعقل والعلم والمعرفة والكلمة وإرادة الإنسان، وأداة سلطوية استكبارية، نجحت في تأسيس امبراطورية استعمارية رومانية مترامية الأطراف، بعد أن استولت على أراضي الشعوب وخيراتها، واستعبدتها، وفرضت عليها المسيحية القسطنطينية.

   ولذلك؛ لاتوجد ايديدلوجية دينية على مر التاريخ، انتشرت بالسيف والقهر؛ كما انتشرت المسيحية القسطنطينية، بل أن هذه الايديولوجيا قمعت مسيحيي الشرق الأصلاء، وذبحتهم، ودمّرت كنائسهم، وفرضت عليهم اتّباع المسيحية الأوربية. وبمراجعة سريعة لما فعلته الجيوش المسيحية القسطنطينية الرومانية بمسيحيي مصر وفلسطين والشام؛ يتبين مدى تعارضها البنيوي مع المسيحية الأصيلة ومع تعاليم السيد المسيح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك