دراسات

العلاقة المتوازنة بين المسلمين والغرب

2248 2022-06-10

 

د.علي المؤمن ||

 

  مرت العلاقة بين الغرب والمسلمين، بمراحل مختلفة، منذ بدء عملية الاحتكاك الثقافي بين الطرفين في أواسط (العصر الوسيط). وقد مثلت المرحلة الأُولى من الاحتكاك حالة من التفاعل الثقافي، ولم تتضمن أهدافاً سلطوية على المستويين الفكري والسياسي، رغم أن العالم الإسلامي كان في ذروة تألقه الثقافي والسياسي والعسكري، في مقابل التخلّف القياسي الذي كان يسود الغرب. فقد اقتبس الغرب من الحضارة الإسلامية ـ خلال هذه المرحلة ـ معظم عناصر نهوضه.

   واللافت للنظر، أن ما اقتبسه الغرب من مدنية المسلمين وحضارتهم، كان يدخل في إطار المشتركات العامة، الأمر الذي حال دون حصول أي نوع من أنواع التبعية للعالم الإسلامي، على العكس مما حدث في المرحلة اللاحقة، حين تغيّرت موازين المعادلة. ففي المراحل اللاحقة التي بدأ فيه الواقع الإسلامي بالتراجع والتفتت، تغيّرت طبيعة العلاقة الغربية ـ الإسلامية وآلياتها، إذ أدخل فيها الطرف الغربي مضامين جديدة، تزامناً مع بدايات تشكيل العقل الغربي الحديث، خلال مرحلة "عصر النهضة" الأوروبية. حينها اتجه الغرب الناهض الى تشكيل منهجه الجديد في معرفة الإسلام والمسلمين، وبلورته بالتدريج، من خلال الخلفية الإستشراقية الفكرية، باتجاهاتها المختلفة: الدينية والاستعمارية، وكذلك البحوث الأكاديمية، وخاصة في مجالات علم الاجتماع والانثربولوجيا والاثنولوجيا، إضافة إلى قاعدة التفوّق الاقتصادي والسياسي والعسكري.

   وكانت النتيجة أن أصبح وعي الغرب بالإسلام والمسلمين، يمثّل جزءاً من وعي الغرب بذاته. فالغرب في إطار هذا الوعي ـ كما يقول مفكّروه ـ هو «الذات» و«العقل» و«القوة» و«الحقيقة» و«المركز». أما العالم الإسلامي فهو بالنسبة له يمثّل «الآخر» و«الجنون» و«الضعف» و«التمثيل» و«الأطراف».

   هذا المنهج الاستكباري الفوقي، حوّل الغرب الى منظومة ايديولوجية (فكرية ـ سياسية)، وليس مجرد بقعة جغرافية، و سمح له بانتهاج مختلف أساليب الغزو والسيطرة والنهب تجاه العالم الإسلامي. ويتضح هذا المنهج  من خلال الخطاب الغربي الحديث ومنهجه المعرفي. ولعل بريطانيا وفرنسا خلال القرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، والولايات المتحدة الأمريكية منذ النصف الأول من القرن العشرين وحتى الآن، تمثل التجسيد الحقيقي للرؤية الغربية الاستكبارية المتفوقة تجاه الآخر.

   ولاشك أن المسلمين، وعموم دول العالم الثالث والجنوب، لايستطيعون تغيير هذه الرؤية، وليست لديهم القدرة الواقعية على تفكيك العقل الغربي، وإعادة صياغته، كما نجح الغرب قبل ذلك مع العقل المسلم غالباً، إلّا أن المسلمين بإمكانهم تشكيل رؤية واقعية متوازنة تجاه الغرب، تستند الى معايير العلاقة المتوازنة، والندية النسبية، والمصالح المشتركة، والممانعة الإيجابية، فلا رفض للمنتج الفكري والعلمي والسياسي والإقتصادي والثقافي للغرب بالمطلق، ولاقبول له بالمطلق، بل يكون الرفض والقبول معيارياً، وخاضعاً لمتطلبات الواقع، و لضوابط التكوين العقدي والفكري والثقافي الإسلامي.

   هذه المعيارية تحول دون الانغلاق على الذات وحرمان الواقع الإسلامي من الاقتباس من النتاجات الغربية المحايدة المقبولة معيارياً، وفي الوقت نفسه تحول دون الانسحاق والهزيمة أمام الغرب ونتاجاته وصادراته، أو الحيادية تجاه معاركه مع المسلمين، لاسيما معارك الخنق السياسي والغزو الإعلامي والحصار الإقتصادي والاختراق الاستخباري والتنكيل النفسي والضربات العسكرية.

ــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك