الشيخ محمد الربيعي ||
◼️مقدمة
ماهي النفس وهل هي الروح
▪️إنّ مفهوم النفس لغوياً هو مجموعة الخصائص الشخصية والقدرات الغير ملموسة والتي تميز كل شخص عن الآخر، وهو كذلك مصطلح عام يستخدم للإشارة إلى طريقة تفكير أو تقدير إو إدراك الشخص لنفسه، أو إيمان الشخص بنفسه وبصفاته وبماهية وكيفية ذاته.
و تأتي النفس ايضا على راي لغوي اخر بمعنى الروح، وبمعنى حقيقة الشيء وذاته، وبمعنى الدم .
▪️ أما في الاصطلاح فالنفس حسب ما ورد في كتاب التعريفات هي جوهر بخاري لطيف، يحمل قوة الحياة والحركة الإرادية والحس
▪️أما في القرآن الكريم فتأتي بعدة معاني،نذكر منها أنها:
أ / الروح، قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا).
ب / الإنسان، أي أنها الشخصية البشرية بكليتها وهيئتها، لحمًا ودمًا وشخصية.
ج / العقل، أي القوى المفكرة، قال تعالى: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ).
د / قوى الخير والشر في الذات الإنسانية.
فعندما يتحدث الله عن الروح يقول تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).
وعندما يتحدث عن النفس يقول: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ).
وهذا يعني أن النفس تموت ولكن الروح هي أمر لا يعلمه إلا الله وعلمنا قليل أمام علم الله تعالى.
ويمكننا أن نقول إن الروح هي الطاقة التي بثها الله في خلقه من كائنات حية على وجه الأرض فتحركها وتجعلها تتكاثر وتجعل الخلايا تنقسم وعندما تموت الخلية فإن هذه الطاقة المحركة تكون قد استنفذت.
ويمكن أن نتخيل الروح على أنها ذبذبات غير مرئية ولا يمكن قياسها ولا إدراكها بأي جهاز ولكن يمكن أن نرى نتائج وجودها.
هذه الذبذبات الروحية هي التي تحرك الخلايا وتدفعها للانقسام والاستمرار في حياتها.
ولكن النفس هي الهالة التي تحيط
بالجسم وتلتصق به ولا تغادره إلا أثناء النوم وعند الموت. وهذا التصور استنتجته من قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) .
فالنفس يتوفاها الله تعالى أي يأخذها ويعيدها إليه عندما ينام الإنسان، ثم تعود لتلتصق به لحظة الاستيقاظ، وتتم العملية بسرعة فائقة يمكن أن تكون أسرع من الضوء.
والنفس توسوس للإنسان وتحرضه على فعل السوء، يقول تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) .
طبعاً هذا بالنسبة لإنسان بعيد عن الله، ولكن المؤمن يعمل من خلال قلبه على تطهير هذه النفس وضبطها حتى تصبح نفساً مطمئنة، هذه النفس المطمئنة تعود إلى الله بعد الموت: ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) .
والخلاصة فإن الإنسان عبارة عن جسد مؤلف من خلايا مادية مكونة من ذرات ولكن وجود الروح بين هذه الذرات يجعلها حية تتكاثر وتنمو وتعيش. والنفس هي التي توجه هذا الجسد بما يحمله من روح كما يوجه السائق سيارته فإما أن يقودها إلى بر الأمان وإما أن يهوي بها في وادٍ سحيق .
▪️راي اخر في تعريفه فهي شيء مختلف عن الروح والعقل، وإنما هي نتيجة التقاء الروح بالجسد، يعرف الإنسان فيها بوجدانه وأحاسيسه ومدركاته، فهي ذاته
النتيجة :
نقول : النفس إشارة إلى ذات الإنسان؛ من عقل وإحساس ومشاعر، والروح إشارة إلى ما يعطي الحياة للإنسان، وبدونها يكون ميتاً، وهي من أمر الله تعالى لا ندرك حقيقتها.
النفس هي الذات الإنسانيّة التي تحيا وتموت، والرّوح هي الطاقة الخفية التي تبعث الحياة في الإنسان، والموت يعرض على النفس {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموْتِ} ولا يعرض على الروح.
أما تعبير النفس الأمّارة بالسوء، فالمراد الجهة الغريزية في الإنسان التي تجرّه إلى المعصية والسوء من خلال غلبة الشهوة على العقل .
وفي العقيدة المسيحيّة: النفس هي التي تعطي الحياة للجسد.. والروح هي التي تعطي حياةً للإنسان مع الله.
لذلك، فللحيوانات أنفس، وليست أرواحاً كالبشر. أرواحنا خالدة، والحيوانات ليست لها أرواح خالدة.
النفس مصدر الحياة الجسدية للإنسان.
وإن نفس الإنسان في دمه، إذا سفك دمه مات ..كما أنّ النفس تعنى الإنسان كلّه:
وهكذا في خلق الإنسان، قيل "إنّ الله نفخ في آدم نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حيّة" .
إذاً، كلمة نفس تعنى الإنسان كلّه.
· النتيجة :
مادمنا مؤمنين بقدرة الله وعظمته في خلقه، وبعيداً من كل التفصيلات العقدية المتفرعة عن الروح والنفس، فإننا معنيون بتهذيب أنفسنا حتى تكون نفوساً طاهرة تقترب من نفوس الأنبياء والأولياء، لا تأمر بالسوء، ولا تلهث وراء الغرائز، نفوساً منفتحة على الله وعلى الناس وعلى كلّ معرفة وسلوك يسمو بالحياة ويحلّق بها فوق لغة الحسابات المادّية التي أضحت ترهق كاهل واقعنا.
◼️الراحة النفسية يواجه الفرد في حياته الكثير من الضغوط والمشكلات التي يتوجب عليه حلها والتعامل معها، فالاستجابة الإيجابية لهذه المؤثرات تُمكّن الفرد من القدرة على التغلب عليها، ومنع سيطرة القلق والخوف والأحاسيس السلبية غير المريحة التي تقود في مرحلة متقدّمة إلى الاضطرابات النفسية ومنها إلى تذبذب الاستقرار النفسي والتعاسة وغيرها، إذاً فالقدرة على التحكم السليم بالعوامل الخارجية التي تواجه الفرد في أثناء تحقيقه لأهدافه تمدّه بالبناء السليم والأساسي من الصحة والراحة النفسية، وبالتالي سلامة التوافُق النفسي والاجتماعي .
◼️مفهوم الراحة النفسية الراحة النفسية من أبرز علامات ودلالات الصحة النفسية للفرد؛ فمن أبرز علامات الراحة النفسية: الشعور بالسعادة الداخلية، والتوافق والتسامح تجاه الذات، وإعطائها حق قدرها، والقدرة على استغلال الخبرات الإيجابية اليومية بشكل فاعل؛ فالراحة النفسية هي الشعور بالسكينة الداخلية والطمأنينة، كما أنها تفتح للفرد آفاقاً جديدة، وتتيح له الفرص الكثير لاكتساب الخبرات والمعارف المختلفة، بالإضافة إلى زيادة مستوى الوعي والاستقرار تِبعاً لهذه الخبرات والمعارف، فالراحة النفسية تُعبّر عن النفس المطمئنة المتكاملة بسلوكها الفطري، فتظهر في الاستجابات السليمة والسّويّة للفرد مع ذاته ومجتمعه، بالإضافة إلى التفاعل المهم مع المؤثرات المادية والمعنوية وانسجامها مع المشاعر والأحاسيس بطريقة سَلِسَة ومتناغمة.
◼️كيفية الحصول على الراحة النفسية الراحة النفسية هي مطلب مهم للتعايش السليم للفرد مع نفسه ومع مجتمعه، وهناك بعض الأمور التي تُساعد الفرد في الحصول على راحته النفسية واستقراره النفسي وهي كالتالي:
▪️الإقرار بالقدرات الممتلكة وحدود هذه القدرات، والرضى بها والسير في الحياة على أساسها؛ أي أنّه من المهم ابتعاد الفرد عن تقليد من حوله بما لا يمكنه امتلاكه من قدرات مهاريّة، أو إمكانات أو كفاءات عالية لا تتناسب مع قدراته المتاحة؛ لأن ذلك سيقوده إلى الفشل والإحباط، أو مراقبة من يمتلكون ظروفاً اقتصادية أفضل منه ونظرته الحزينه تجاه حياته، فيعيش هذا الفرد في حالة من البؤس والتعاسة لعدم امتلاكه ما يملكه الآخرين.
▪️التعبير عن المشاعر الإيجابية تجاه الآخرين، وإبداء الحب والتعبير عنه في أي وقت ومكان وزمان، وعدم الاكتراث لإعجاب أو رفض الناس لذلك، وهذا التعبير يُضيف لدى الفرد مخزوناً من الحب عند الآخرين قد يحتاج له في حال تعرّضه لأي عارض، أو أزمة نفسية تجعله بحاجة هذا المخزون.
▪️ترسيخ الإيمان بالله وبالقضاء والقدر، وأداء جميع الفروض والابتعاد عن جميع النواهي، والتقرُّب إلى الله بالأعمال الصالحة، والسعي إلى كسب رضا الله، والمداومة على الأذكار، والاستغفار والأعمال الصالحة، واستشعار مراقبة الله في السر والعلن؛ فكل ذلك يزرع في النفس البشرية الهدوء والطمأنينة والسعادة، والتصديق الكامل بأن كل ما يمر به الإنسان هو خير من عند الله.
▪️الاعتذار عند الوقوع في الخطأ والاعتراف به؛ فإن ذلك يُعطي الفرد راحة وطمأنينة، ويُخرجه من دائرة تأنيب الضمير وجلد الذات، ويترك أثراً إيجابيّاً في نفوس الآخرين تجاهه، بالإضافة لنظرة الفرد تجاه نفسه.
▪️التسامح والعفو وعدم تخزين البغضاء والكره في النفوس، فهي أحاسيس تسلب الطاقة الإيجابية المتمثلة بالحب ليحلّ محلّها الكره والانتقام بكامل طاقتهما السلبية المؤذية والإنشغال بها، فالنسيان والعفو عمّن أخطأ في حق الفرد وتجاهله لزلات من حوله؛ تُريح الفرد من أعباء الكره والبغضاء وكل ما يتبع ذلك.
▪️الابتعاد عن العادات السلبية، ومحاولة اكتساب عادات جديدة وإيجابية تُضفي السعادة النفسية على الذات، والتصرّف والتفكير في حدود هذه العادة، ومحاولة التخلق بها، ومحاولة التفكير في إطارها العملي، وممارسة الحياة، وإقناع الذات بأنها تتصرف على النحو السليم والصحيح، كما أنّ النظرة الإيجابية تجاه الذات، وتوظيفها في عملية التعلم يفيد في ترسيخ الخصال السليمة.
▪️عدم ترقّب الأخبار السيئة، والعيش في حالة من الخوف من المجهول، والقلق الدائم من وقوع المصيبة، وبالتالي فإن أفكار الفرد تُسيّره تجاه هذه المصيبة، بالإضافة إلى المزيد من التشاؤم المستمر، وفُقدان الراحة النفسية والسعادة .
▪️بناء أساس نفسي متين تجاه الأفكار السلبية التي من شأنها أن تُزعزع الاستقرار النفسي والراحة النفسية للفرد، ويكون هذا البناء بتدريب الفرد لنفسه على إنكار شعور التعاسة والبؤس والقلق، وتوكيد مشاعر الأمل والسعادة والنجاح، والاستمتاع بكل ما هو جميل، وتجاهُل كل ما هو سيء.
▪️تحديد الفرد لهدفه في الحياة، والغاية التي يسعى إلى تحقيقها والوصول إليها؛ فإنّ وجود هذا الهدف يحدد سير حياة الفرد، ويرفع مستوى دافعيته للإنجاز، وتجاوز العقبات التي تواجهه، فالعيش بلا هدف يجعل من الفرد إنساناً ضائعاً بلا غاية واضحة، وبالتالي يكون أكثر عُرضة للقلق والخوف، وتخلخل الاستقرار النفسي.
◼️ثمرات الراحة النفسية للراحة
النفسية آثار إيجابيّة كثيرة تعود على صاحبها بكل ما هو جيّد، فتتجلى في شخصية الفرد وتفاعلاته مع نفسه ومجتمعه، فهي تُضيف له السّمات الشخصية السويّة، والاستجابات المتوازنة، وتظهر ثمرات الراحة النفسية على سبيل الذكر لا الحصر على الشكل التالي:
▪️الأخلاق الحسنة: فالراحة النفسية أو الصحة النفسية تظهر على صاحبها بأخلاقه الحسنة، والوجه البشوش، والبحث عن الحلال، والابتعاد عن الحرام، والتحلّي بالصفات السامية؛ كالحياء والكرم واللين وحسن المعشر.
▪️السلوك العادي: أي أن تكون صفات وتصرّفات الفرد هي السلوكيات العامة العاديّة السائدة على أغلبية أفراد المجتمع.
▪️مواجهة الظروف الحياتية: القدرة على النظرة الايجابية السوِيّة قدر الإمكان للحياة، وإمكانية التصدي للمشكلات والاحباطات اليومية، بالإضافة إلى القدرة على تحمل المسؤولية، وتحمُّل نتائج استجابات الفرد الشخصية للمثيرات المختلفة، والتكيُّف مع الظروف البيئية الخارجية، والترحيب والانفتاح على تعلُّم الخبرات الجديدة.
▪️القدرة على الإحساس بالسعادة: استشعار السعادة مع الذات؛ حيثُ يظهر ذلك من خلال محبة الفرد لنفسه وقدراته، وإعطاء نفسه حق قدرها، ومحبة الفرد لذاته واحترامها وتقديرها، والشعور بالسعادة مع الآخرين ويتّضح ذلك جَليّاً من خلال التفاعل والتوافق الاجتماعي، والثقة المتبادلة للفرد مع الآخرين، وإمكانية تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية السليمة.
اللهم احفظ العراق واهله
اللهم احفظ الاسلام واهله
https://telegram.me/buratha