دراسات

نفحات قرآنية ﴿44﴾


رياض البغدادي ||

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴿20﴾ النور

تكرار هذه الكلمة مع حذف الجواب، إشارة الى نهاية قبح هذا القول وشدّة الغضب لأجله، ونهاية قبح حبّ شياع الفاحشة فى المؤمنين، وحذف الجواب هنا للإشعار بشدّة القبح وشدّة الغضب على حبّ شياع الفاحشة.

وفي معنى الآية قال المفسرون أعلى الله مقامهم وجوهًا من الكلام:

الأول: أن جوابه محذوف وكأنه قال: لَهَلكتم أو لعذبكم الله لكنه رؤوف رحيم.

الثاني: جوابه في قوله تعالى ﴿مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ النور 21 وهي الآية التالية.

الثالث: جوابه لكانت الفاحشة تشيع.

والأقرب، أن جوابه محذوف، لأن قوله تعالى ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ كالمنفصل من الكلام الأول، فلا يجب أن يكون جواباً للأول، خصوصاً وقد وقع بين الكلامين كلام آخر، والمراد أنه لولا إنعامه بأن أمهل، لهلكوا، لكنه لرأفته لا يَدَعُ إلّا ما يكون للعبد أصلح، وإن جنى على نفسه.

الرابع: أن في التعقيب بالرؤوف الرحيم بدل ﴿تَوَّابٌ حَكِيمٌ﴾ النور10 كما يقتضيه المقام، هنالك ما يؤذن بأن الذنب في هذا أعظم، وكأنه لا يرتفع إلا بمحض رأفته تعالى، وهو أعظم من أن يرتفع بالتوبة.

الخامس: قوله تعالى ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ تصديره تعالى الكلام بحرف التأكيد﴿وَأَنَّ﴾، المراد منه بيان اتّصافه تعالى في ذاته بالرأفة، التي هي كمال الرحمة وبالرحيمية التي هي المبالغة فيها على الدوام والاستمرار.

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿21﴾"النور

قوله تعالى ﴿خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ أى مسلكه وآثاره، والمعنى أن لا تسلكوا مسالك الشيطان ولا تصغوا له، فإنه كان قد توعدكم بأن يضلكم..

و﴿الْفَحْشَاءِ﴾ ما أفرط قبحه، و﴿الْمُنْكَرِ﴾ ما تنفر منه النفوس ولا ترتضيه.

قوله تعالى ﴿مَا زَكَى مِنْكُمْ﴾ الزكي من بلغ في طاعة الله مبلغ الرضا والمعنى: لولا فضل الله عليكم ما بلغ أحد منكم رضا الله تعالى، لكن توفيقه تعالى لكم، هو الذي بلغ بكم موضع الرضا والتزكية.

وهنا مسألة نتوقف عندها، قيل: إما ان نحمل التزكية على فعل اللطف، أو حملها على الحكم بكون العبد زكّاياً.

وقد ردوا على ذلك أن الوجهين على خلاف الظاهر، فإما الوجه الأول فيدل على فساده وجوه:

الأول: فعل اللطف هل يرجح الداعي أو لا يرجحه؟ فإذا لا يرجحه فلا يكون لطفاً، وإن رجحه، نقول إن المرجح لابد أن يكون منتهياً الى الوجوب، فإنه مع ذلك القدر من الترجيح، إما أن يمتنع وقوع الفعل، أو يمكن، أو يجب، فإن امتنع كان مانعاً لا داعياً، وإن أمكن وقوع الفعل فلابد من مرجح آخر فيكون المرجح هو المتقدم وبذلك يكون الفعل للمرجح وليس للعبد، فيكون الله تعالى هو الفاعل وهذا خلاف، وإن لم ينضم له مرجح صار محال الوقوع.

ثانيا: إنه تعالى قال ﴿اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ علق التزكية على المشيئة وفعل اللطف واجب والواجب لا يتعلق بالمشيئة.

ثالثا: إنه تعالى علق التزكية بالفضل والرحمة ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ والألطاف واجبة لا تتعلق بالفضل والرحمة.

وأما جواب الوجه الثاني: وهو الحكم بكونه زكياً فذلك واجب لأنه لو لم يحكم به لكان كاذباً، والكذب على الله محال، فكيف يجوز تعليقه على المشيئة؟ فثبت ان قوله ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ نص في الباب.

﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي ان الله تعالى يعلم ما تضمره أنفسكم، ويسمع ما تلفظه السنتكم، فاحذروا الله تعالى واعملوا وفق طاعته ورضاه.

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك