دراسات

نفحات قرآنية ﴿46﴾


رياض البغدادي ||

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿23﴾ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿24﴾ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴿25﴾ النور 

اختلفوا في أن المحصناتِ عامةٌ أم مراد منها الخصوص؟ فقيل إنها آية عامة يدخل فيها قذف زوج النبي ﴿ص وآله﴾ وغيرها، ومن المفسرين من خالف ذلك وذكر فيها وجوهًا:

أحدها: إن المراد من الآية هو قذف زوج النبي ﴿ص وآله﴾ لِما روي، أن النبي بشّرها ببراءتها لمّا نزلت الآية وهو عندها.

وثانيها: ان المراد جملة أزواج النبي ﴿ص وآله﴾ لخصوصيتهن، واحتجوا على ذلك بأمور:

الأول: إن قاذف سائر المحصنات تُقبل توبته، لقوله تعالى في آخر السورة ﴿والذين يرمون المحصنات.. الى قوله.. وأولئك هم الفاسقون، الا الذين تابوا﴾ وقاذف زوج النبي لا تقبل توبته، لقوله تعالى ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾.

الثاني: إن قاذف سائر المحصنات لا يُكَفّر، بينما في هذه الآية ذكر صفة الكفار والمنافقين قال تعالى ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ﴾.

الثالث: إنه تعالى قال ﴿ولهم عذاب عظيم﴾ وهذا عذاب كفر.

الرابع: روي عن ابن عباس أنه قال "من أذنبَ ذنبًا ثم تاب قُبلت توبته إلّا من خاض في أمر الإفك".

وأُجيب عن ذلك بأن الوعيدَ المذكور في الآية مشروطٌ بعدم التوبة، فالذنب إذا كان كفراً أو فسقاً، بمجرد حصول التوبة النصوح فإنه يُغْفَرُ، وقيل إن الآية نازلة في مشركي قريش، كانوا إذا خرجت المرأة الى المدينة مهاجرة قذفها المشركون، ثم إن الظاهر من الآيات قبول توبة أهل الإفك وقد تاب مَنْ تاب مِنْ الخائضين كمسطح وحسان وحمنة ولو علموا أن توبتهم لا تقبل لم يتوبوا ولما انتهوا عن إشاعة الإفك.

سؤال: ما الحكمة من تكرر الخطاب القرآني في الآية 4 في قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ والآية 23 في قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ؟ والجواب: ذلك لأنّ الآية 4 نزل فيها بيان العقوبة الصّوريّة والحدود الدّنيويّة، والآية 23 نزل فيها بيان العقوبة الأخرويّة والحدود الباطنيّة والتّنبيه على عظم الذّنب.

قوله تعالى "يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ"، قيل إن المراد من الدين هو الجزاء، وليس نفس الدين، كقولهم كما تدين تدان، وقيل إن المراد بالدين هو الحساب (وهو لا يختلف عن معنى الجزاء كما ترى)، إلا أن الظاهر فيها إشارة الى معتقدهم ودينهم على وجه الحقيقة، وهذا دليل على أن الذنوب قد تتسبب بعدول المسلم عن دين الله الحق، وتؤدي به الى الانحراف والبعد عن عقيدة التوحيد والعدل والعياذ بالله..

قوله تعالى "وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ" أي يعلمون أن الله حقيقة ظاهرة واضحة، لا يلتبس عليها ما يدّعون من عقيدتهم في التوحيد  التي لعبت بها الذنوب، وأفرغتها من محتواها الإيماني الخالص، وسيعلمون أن حقيقة دينهم تختلف اختلافاً شاسعاً عن حقيقة دين الله تعالى الذي اراده لعباده.

والله العالم

 

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك