ثمة من يتسائل عن أن المرأة نصف المجتمع، فأين هي في قضية الإمام المهدي عجل الله ظهوره المبارك؟ وهل لها حضور مؤثر في زمن الغيبة؟ وما هو دورهافي زمن الظهور . وللإجابة نقول أنه في التكاليف العامة فإن المرأة مثلها مثل الرجل لا يختلف دورها اطلاقاً إلّا فيما يرتبط بطبيعتها البيولوجية، والتي وإن أزاحت عنها بعضاً من المسؤولية، إلّا أنها أضافت لها في عين الوقت مسؤولية إضافية، وقد يملي عليها الظرف الاجتماعي مسؤوليات إضافية، وقد يحرمها من ذلك أيضاً، والفارق بين الأمرين أن التكليف الشرعي يبقى معلّقاً بالمرأة في كل الظروف، ولكن طبيعة الوعي الاجتماعي قد يفرض عليها حجباً يجعل قيامها ببعض الأعمال مدعاة لوقوعها في محرم أو في حرج شرعي، وقد يكون الأمر على العكس من ذلك، فقد يستدعي منها الواقع الاجتماعي الكثير من الجهد لو كانت تلبية الحاجة في هذا الواقع متيسرة للقيام بهذا الجهد.
وعليه فإن الجهد الأساسي في تصوري المطلوب من المرأة من بعد تحصين محتواها الذاتي بصورة تستطيع معها القيام بتكاليفها كما لو أنها كانت بين يدي الإمام صلوات الله عليه، هو العمل على الرقي بالواقع الاجتماعي لكي يكون متلقياً إيجابياً لمتطلبات العملية المهدوية، وأعتقد أن دورها هنا حيوياً جداً، بالرغم من أن بعضاً من الدور على أخيها الرجل أن يقدّم لها سبل تيسيره، لأن واقعنا الاجتماعي في العادة ذكوري ولهذا فهي بين نارين، فقد ينزل بمستوى المرأة إلى مستوى أن تكون مجرد أداة لتلبية حاجاته الغرائزية، وهذا المنحى هو الذي تدفع باتجاهه الثقافة العلمانية بشكل عام، أو تنزل بها دون مستوى التعظيم الإلهي لها نتيجة طبائع الواقع البدوي الذي لا زال يسيطر على مجتمعاتنا في بعض الأحيان، مما يجعل المرأة ينظر لها بمنظار دوني.
وأعتقد أن المدرسة التي اعتمدت على مثل الصديقة الحوراء صلوات الله عليها لتقوم بذلك الدور المحوري والحاسم الذي لعبته في ثورة الإمام الحسين عليه السلام، والذي لا أشك أن الأجيال رجالاً ونساءاً لا زالوا وسيبقون مدينين له، ناهيكم عن دور أمها البتول الطاهرة صلوات الله عليها، أو الدور الذي لعبته السيدة نرجس عليها السلام أم الإمام المنتظر صلوات الله عليه في الحفاظ على سر الإمام "بأبي وأمي" رغم اعتقالها وتسليط الضغوط السياسية والأمنية العظيمة عليها، وكذا دور العديد من النساء اللاتي ارتبطن بالعلماء، لا سيما السيدة أم كلثوم بنت السفير الثاني محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه، والتي سبق لها أن لعبت دوراً مهماً في الوقوف بوجه أدعياء السفارة في عهد السفير الثالث الحسين بن روح قدّس الله سرّه، وتحت نظره، وهكذا عشرات النساء اللاتي كان لهنّ اعظم الأثر في واقعهن الاجتماعي..
أقول: المدرسة التي أولت لنسائها هذا الدور لا يمكن أن ترضى بنظرة دونية للمرأة، التي لا زلنا نراها في العديد من تفاصيل واقعنا، والتي ربما انعكست حتى على الواعين لدور المراة عبر سلوكيات تنم عن مخالفتها لهذا الوعي، .ومهما يكن من أمر فإن على المرأة الرسالية المهدوية أن تكون صبورة ومثابرة كي تثبت للآخرين أنها جديرة بلعب مثل هذه الأدوار في زماننا المعاصر، وقد أثبتت التجربة التاريخية أن المرأة كلما كانت ألصق بخط العلماء كلما تمكنت من لعب دوراً أكثر حيوية في هذا المجال. وفي تصوّري فإن دورها في زمن الغيبة هو دور أخيها الرجل في عملية الانتظار في بعديها الذاتي والموضوعي، وهناك الكثير مما نحتاج إليه في واقعنا المعاصر كي تقوم به المرأة التي نفتقدها في العديد من الأحيان من برامج سبل التواصل مع الإمام المنتظر عجل الله فرجه، كما هو الحال في افتقادنا لها في مجالس دعاء الندبة الجماعية، وفي حركة الزيارات الجماعية والتي تهدف لزيادة العلقة بين نسائنا وإمامنا المنتظر صلوات الله عليه.
إن نفس الواقع الاجتماعي الذي نشكو فيه من نظرته المتخلفة عن المرأة، هو الذي يملي على المرأة طبيعة هذا الدور، فنحن بأمس الحاجة لدورها فهي صانعة الرجال، وبلا المرأة الواعية لا يمكن لنا أن ننتظر ولادة الحاضنة التي ستحمل أعباء المهمة الكبرى لنصرة الإمام صلوات الله عليه.
أما دور المرأة في عصر الظهور ،وهل ثمة أحاديث حول قيام الحجة على إمامة الامام المهدي قبل الظهور لإنتشار العلم حتى تناله المخدّرات في خدورهن،وهل هذا الحديث مؤشر على دور مهم للمرأة في دولة الإمام العالمية؟ نقول أن الحجّة قائمة للإمام صلوات الله عليه في كل وقت، وما أشير إليه آنفا، ورد شبيهه في كتاب تاريخ قم للحسن بن محمد بن الحسن القمي في حديث مرسل للإمام الصادق عليه السلام قد تفرّد به مؤلف الكتاب، ولم أعثر على ما يعضّده قال: ستخلو كوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر[1] الحية في جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال: لها قم،[2] وتصير معدناً للعلم والفضل، حتى لا يبقى في الأرض مستضعف[3] في الدين حتى المخدّرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها ولم يبق في الأرض حجة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب، فيتم حجّة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم.[4]
وبالرغم من اللكنة والركاكة التي فيها، مما يحدو بي القول أن النص منقول بلسان أعجمي، وبالرغم من عدم وجود ما يمكننا من اعتماد الرواية لضعف سندها، غير أنها تتحدث عن واقع حصل بالفعل، فلقد شهدنا كيف ان الكوفة والمراد بها هنا النجف الأشرف في عهد النظام المجرم كيف غادرها العلم والعلماء، أو أن ثمالة من بقي من العلماء انزوى، وسرعان ما حلّ غالبية من هاجر من النجف إلى مدينة قم المقدّسة، والتي تحوّلت إلى حاضرة علمية يصح عليها ما تم وصفه في الرواية، ومن المعلوم أن هذه الحاضرة استوعبت المئات من الكوادر النسوية والعالمات في مسائل الشريعة والعقيدة حتى شهدنا جامعات خاصة وحوزات خاصة بالنساء، وقد بلغ بعضهن مراتب عليا من العلم، وقد كنت تحدثت عن دور المراة في الغيبة فيما سبق من القول ، وما يهمّني التأكيد عليه أن دولة الإمام صلوات الله عليه ستكون بحاجة إلى كل الطاقات، لأن مهمة تغيير العالم وتحويله من الظلم والجور لن تكون عملية ميكانيكية وإنما سيكون هناك احتياج للجهود الكبرى لكي تنفّذ هذه المهمة، وبطبيعة الحال فإن الاستغناء عن دور المرأة في هذا المجال سيكون ضرب من الخيال، بل إن الرواية التي تشير إلى اشتراك خمسين إمراة في مجموعة الثلاثمائة والثلاثة عشر من أصحاب الإمام صلوات الله عليه، والذين سيتحولون إلى قادة جيش الإمام والكوادر المتقدمة في دولته صلوات الله عليه تحكي طبيعة الدور الكبير الذي ستضطلع به المرأة في دولته روحي فداه.
--------------------------------------------------------------------------------
هوامش
ـــــــــــــ
[1] الحية تأزر نفسها إذا ما التفّت على نفسها.
[2] قمّ مدينة تقع على مقربة من طهران بحوالي 150 كيلومتراً اسسها الأشعريون في العهد العباسي أثناء نزوح القبائل اليمانية، وهي كانت منذ البداية حاضرة شيعية، وفيها دفنت فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر صلوات الله على أبيها واجدادها وعليها، أثناء زيارتها لأخيها الإمام الرضا صلوات الله عليه إبّان محاصرته إجباريا بقصة ولاية العهد، وقد مكث فيها عالم آل البيت وشيخهم علي بن جعفر عليهما السلام ودفن فيها وقد دامت حياته إلى عهد الإمام الجواد عليه السلام، ومعروف عنه أنه كان يحمل حذاء = الإمام الجواد صلوات الله عليه إنصهاراً بالولاية ومحبة للإمام مع أنه عم والده الإمام الكاظم عليهما السلام أجمعين، وقد دفن فيها. وفي وقت كان تعدّ إيران من بلدان النواصب حتى سمّيت أصفهان بانها أشد البلدان نصباً كانت مدينة قم فيها حاضرة علمية شيعية ضخمة، وخرجت المدينة جهابذة علماء الإمامية وفطاحل أصحاب الأئمة صلوات الله عليهم من بينهم إبراهيم والفضل ابنا محمد الأشعري وأحمد ووالده اسحاق بن عبد الله بن عامر الأشعري وأحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن عبيد الله، والحسين بن محمد بن عامر وسعد بن عبد الله الأشعري وأحمد بن إدريس وآدم واسماعيل ابنا اسحاق بن آدم وكان أبوهما من علماء الطائفة وعشرات غيرهم من الأشاعرة الأعلام الثقات، وعلي بن إبراهيم القمي صاحب التفسير ووالده شيخ الرواة إبراهيم بن هاشم، وآل قُولويه وأعني ابي القاسم جعفر بن محمد صاحب كتاب كامل الزيارات استاذ الشيخ المفيد ووالده محمد بن جعفر وأخيه علي وكذا الشيخ الصدوق ووالده رضوان الله عليهم أجمعين، ناهيكم عن آل شاذان وغيرهم مما لا يسع المجال لذكرهم في هذه العجالة.
[3] ليس المقصود بالمستضعف هنا الضعفاء امام الطغيان، بل المستضعف في قبال العلم، وهو الذي لم تبلغه الحجة لسبب أو لآخر نتيجة لطبيعة وعيه.
[4] بحار الأنوار 57: 213.
..................
https://telegram.me/buratha