إن هناك ثقافة عامة مرتكزة بأذهان فئة واسعة من المجتمع الموالي لأهل البيت (عليهم السلام) بأن الإمام المهدي (عليه السلام) سيظهر لغرض محاسبة المقصرين، وسيتولى الاقتصاص من المذنبين، وبعبارة أوضح أنه يوم الحساب على الأرض بالإضافة إلى انقطاع فرصة التوبة عن الذنوب المقترفة وترتبها على صاحبها مهما كانت درجة توبته, الامر الذي أدى إلى خوف وهلع غير معلن من شخصية الإمام (عليه السلام)، وبالتالي من حركة ظهوره المبارك, وهذه نتيجة ظالمة لمقدمة باطلة ….!
وهناك بعض الأخبار تنص على أن الإمام (عليه السلام) لا يقبل توبة أحد عند ظهوره، وأخرى يفهم منها ذلك, وسنحاول أن نتعرض للإجابة على قسم منها بعون الله عز وجل وكما يلي :- جاء عن الإمام الباقر عليه السلام (يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه إلا السيف, لا يستتيب أحدًا ولا يأخذه في الله لومة لائم).فهذه الرواية المباركة تنص بأنه عليه السلام (لا يستتيب أحداً), وهذا لا يستقيم وما قلناه أعلاه …؟
والجواب : إن العبارة أعلاه تتضمن عدة معان محتملة وإنها ليست صريحة بمعنى واحد ، وأن تبادر إلى الذهن فهم معين . وسأطرح هنا أربعة معان محتملة، لقول الإمام عليه السلام:
الأول : لا يقبل توبة التائب بعد ظهوره.
الثاني : لا يطلب لنفسه توبة من أحد.
الثالث : لا يدعو المذنب للتوبة.
الرابع : سيطبق الأحكام بحق المذنب بالذنب المقترف بعد الظهور.
أما المعنى الأول فضعيف بما يلي:
1. وجود معان محتملة أخرى, والاحتمال يسقط الاستدلال.
2. الاخبار التي ذكرناها والمتضمنة دعوته للناس والتحاق بعضهم والذين تصفهم بعض الروايات بأنهم أشبه بعبدة الشمس ..إلخ.
3. حتى لو صح هذا المعنى فهو قد يكون للمبالغة في اقتصاصه من الفئات التي سينالها سيفه.
أما المعنى الثاني :
فهو محتمل , وكذلك يستقيم مع الرواية التي تتضمن بأنه (عليه السلام) سيظهر وليس في عنقه بيعة لأحد, أي إن ظهوره لا يكون معصية لأحد قد أبرم معه عهداً أو ميثاقاً ، وبالتالي يحتاج عندها إلى الاعتذار أو ما شابه ذلك, أو يكون بمعنى أنه لا يقوم بعمل خاطىء بحق أحد أثناء قيامه (وحاشاه) وبالتالي يحتاج إلى طلب المغفرة منه, فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) (يقوم القائم وليس لأحد في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة).
أما المعنى الثالث:
فيقبل إذا كان هذا مع كبار الظلمة والواقفين بوجه الإمام (عليه السلام), أما سائر الناس فسيقوم (عليه السلام) بهدايتهم إلى الطريق الصحيح.
وأما المعنى الرابع والأخير:
فهو وارد جدًّا، واحتمال معتبر ومنسجم مع قوانين الدولة التي سيسعى إليها الإمام (عليه السلام) ومع بعض الروايات والتي منها قتله لمانع الزكاة أو الناصبي الذي لا يدفع الجزية …إلخ.
- الآية القرانية {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}.فمن إحدى تأويلات هذه الآية هو قيام القائم (عليه السلام), وهي تنص أيضًا على عدم الفائدة من إيمان المؤمن إن لم يكن مؤمنًا أثناء الغيبة.
وهذه الآية قابلة للمناقشة بأكثر من وجه:
الأول:
هو حصر تفسير (آيات ربك) بالظهور الميمون, ومن ضمن تعليقات السيد الطباطبائي قدس سره عليها (ويكون المراد بإتيان بعض آيات الرب إتيان آية تلازم تبدل نشأة الحياة عليهم بحيث لا سبيل إلى العود إلى فسحة الاختيار كآية الموت التي تبدل نشأة الجزاء البرزخي أو تلازم استقرار ملكة الكفر والجحود في نفوسهم استقرارًا لا يمكنهم معه الإذعان بالتوحيد والإقبال بقلوبهم إلى الحق إلا ما كان بلسانهم خوفًا من شمول السخط والعذاب), بل يصرح قدس سره بأكثر من هذا فيقول : (وقد عدت في الروايات من تلك الآيات خروج دابة الأرض والدخان وخروج يأجوج ومأجوج ، وهذه أمور ينطق بها القرآن الكريم, وعد منها غير ذلك كخروج المهدي (عليه السلام) ونزول عيسى بن مريم (عليه السلام) وخروج الدجال وغيرها, وهي وإن كانت من حوادث آخر الزمان، لكن كونها مما يغلق بها باب التوبة غير واضح).
الثاني:قد يكون المعنى أن نصرة الإمام (عليه السلام) وتأييده وخاصة في بداية ظهوره سيوفق إليه فقط المؤمنون المرابطون المنتظرون في عصر الغيبة الكبرى . وهذا ما ألمحت إليه روايات عدة.
وهناك آراء أخرى في تفسير وتأويل انقطاع التوبة عند الظهور.
فقد جاء في كتاب (آثار الذنوب وبركات التوبة) للسيد علي عاشور :ما قاله الشيخ الأصفهاني (إن المهدي عليه السلام يقبل توبة من يعلم أن إيمانه يكون عن حقيقة وإخلاص, ولا يقبل ممن يؤمن بلسانه بالخلاص. (ولات حين مناص), ويشهد لهذا الوجه ما سبق من أنه عليه السلام يحكم بمقتضى علمه الباطني المختص به عليه السلام.- ويمكن تأويل روايات عدم قبول التوبة بعدم التوفيق لها, فقد يكون باب التوبة مفتوحًا في عصر الظهور ولكن الإنسان لا يوفق إلى أن يتوب إلى الله تعالى لأسباب مختلفة, أقلها النسيان والتسويف, وعليه فيعاقب ويحاسب على أفعاله ويقام عليه الحد عند الإمام عليه السلام لأنه لم يتب أو لم يعلن توبته . وعدم التوفيق للتوبة أمر مرتبط بالله تعالى.- ويحتمل تفسير “لا توبة” أي لا مبرر لوجودها من عدم وجود أسبابها بناء على عصمة المجتمع، فلا يوجد من يذنب حتى يتوب, فإن التوبة والاستغفار نتيجة المعصية, وهذا يكون في زمن قيام دولة العدل.
*صحيفة صدى المهدي العدد: 35/ ربيع الثاني/ 1433هـ
..........................................................
31/5/140225 تحرير علي عبد سلمان