ولا غرابة في الأمر… فمن كان ”الظواهري” على يمينه، وشياطين القاعدة وعصاباتها على شماله، بوسعه أن يتفوه وأن يتطاول في الحديث.
الوهابية اليوم تتزعم صدارة المشهد الإرهابي في العالم العربي دون منازع، واستولدت من التنظيمات الرديفة بدءاً من تنظيم القاعدة وليس انتهاء بـ ” جبهة النصرة” مروراً بـ ”دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية” و”الجبهة الإسلامية”… ما تحتاج إليه من بنية سياسية، وأضافت عليها المسحة العقائدية بجوهرها الديني الإلغائي، وتقدمت نحو فرض شروطها ونمط حضورها وفق المنهج الصهيوني.
ومما يثلج الصدر أنه تنادت اليوم في العديد من دول العالم لتأسيس منظمات وجمعيات ومؤسسات تكشف زيف وخداع وتطرف الفكر الوهابي السعودي. أكاديمي بريطاني من جامعة ”أكسفورد” قال إن الفكرة ولِدت بعدما تزايد نفوذ الوهابية والأدوار التي تلعبها في عمليات التحريض على القتل الجاري في العديد من البلدان العربية، فضلاً عما لعبته وتلعبه في أماكن أخرى من جاكرتا شرقاً إلى نيويورك غرباً.
فالمبادرة الوليدة التي يتبناها مفكرون وسياسيون ومثقفون لاعتبار الفكر الديني المتطرف (الوهابي) مثالاً فكراً عنصرياً لا يقل عدوانية عن التمييز العنصري في جنوب أفريقيا أو غيرها أو عن النازية التي دمرت نصف العالم بفكر يعتقد أنه الأفضل، هي مبادرة هامة ويجب علينا جميعاً الإسهام فيها كل حسب موقعه وجهده.
فالمذهب الوهّابي التكفيريّ (أقيم) لتدعيم حركة سياسية بريطانيّة ذات أهداف لم تعد خافية في المنطقة، جانبها السلطوي آل سعود، ووجهها المذهبي أتباع الوهّابيّة، وقد انتشرت بقوة السيف الذي كان يأخذ شرعيته في بلاد نجد والحجاز من مذهبيته، وهذه الخطوة الأساس مازالت متبعة حتى الآن في بقاع العرب والمسلمين حيث وجدت الوهّابية التكفيرية، فالمال الذي كان في البداية يصرف بريطانيّاً، صار يؤخذ من عوائد النفط الذي يضع اليد عليه آل سعود، وتأمين العنصر البشري… الوقود… له أكثر من نافذة، فمَن أمكن استجراره دعويّاً، بسطوا له الأسلوب الدّعوي، ومَن كان يريد المال فالمال موجود.
وإذا نحن دققنا في تاريخ نجد والحجاز منذ أن تسلط عليهما آل سعود فسنجد أنه تاريخ حافل بالتنفيذ الخبيث للمخططات الغربية بعامّة، فهم صنيعة الغرب، وحلفائه الممتازين، والكلّ يعلم أنّ (بعض) عوائد النفط الفائضة، لو وظِفت في البلاد العربية لما كان فيها فقير واحد، فما الذي يجعل أهل ذلك المال يضعونه في مصارف العواصم الغربية، وهي في معظمها صهيونية الانتفاع؟
نسأل هذا السؤال ولا ندري ما إذا كانت الأيام ستكشف أنّ سرّ إيداع تلك الأموال هو لدعم الحركة الصهيونيّة، أو تشبيكاً مع تلك اليد الخفيّة؟!
وحين نسرد بعض الأحداث التي قامت بها الوهابية، فلكي نضع رؤيتها مترجمة على الأرض بين أيدي الناس، بعيداً عن التعصب الأعمى، وبمنأى عن أثر الريال السعودي، أو العملة الخليجية، لأن الدراهم مراهم، عند البعض، يتداوى بها وهابيون صرحاء، وعدد من العلمانيين، والذين سافروا زمناً طويلاً في عربات اليسار، حتى إذا انكسرت الدولة المركز، (الاتحاد السوفياتي) بحثوا عن مركز آخر، فهم أبداً يبحثون عن موقع، يرونه مناسباً، وليس مهماً مدى تناسبه مع مصلحة الوطن في مقطع زمني بالغ الخطورة،
في واحدة من غارات الوهابية، في بداية دعوتهم، أغارت الوهابية على الحرمين، وما أقاموا حرمة لتلك البقاع الشريفة، فنهبوا الأموال، وسبوا النساء، وقتلوا العلماء والعامة، وسرقوا محتويات الحجرة النبوية الشريفة في مكة والمدينة، ولما دخلوا (الطائف) قتلوا الناس قتلاً عاماً، واستوعبوا الكبير والصغير، والمأمور والأمير، والشريف والوضيع، وصاروا يذبحون على صدر الأم الطفل الرضيع، وكانوا يصعدون إلى البيوت يخرجون من توارى فيها فيقتلونهم، فوجدوا جماعة يتدارسون القرآن فقتلوهم عن آخرهم، وخرجوا إلى الحوانيت والمساجد وقتلوا من فيها، ويقتلون الرجل في المسجد وهو راكع ساجد…
لقد حملت الوهّابيّة من جراثيم تكفير الآخر، وهو كلّ مَن ليس وهّابيّاً… حملت الكثير من ذلك الانحراف خارج روحيّة الإسلام، الإسلام المحمّديّ، الذي تعدّدت فيه المذاهب والفرق، ولكنّ واحدة منها لم تصل إلى ما وصلت إليه الوهّابيّة من تحليل لسفك الدّماء والتكفير.
فالوهابيّة تحكم بالكفر على كل مَن ليس وهّابياً، وتقول من الناحية العقدية بالتجسيم والتشبيه، وهي مقولة قالت بها بعض الفرق الإسلاميّة قديماً، وسمّوهم الحَشْويّة، أو المُجسِّمة، فهم يرون أنّ الله سبحانه وتعالى (جسم ـ صورة) وله وجه، وعينان، ويد، ويُرى، ويُجالَس، وبحسب قول أحد القدماء من المجسّمة إنه ”لَيُرى، ويُقبَّل، وتُشمّ رائحته”!
فالوهّابيّة لا يتأوّلون، كأن تكون اليد تعبيراً عن القوّة، بل يأخذون ظاهر النصّ القرآني، وهو عزّ وجلّ منفصل عن العالم، وأنّ العالم أزليّ، أي غير حادث، ويكفرون من يتوسّل بالأنبياء والصّالحين، وترى أنّ أبا جهل وأبا لهب أكثر توحيداً، وأخلص إيماناً من المسلمين الذي يتوسّلون إلى الله بالأنبياء والصّالحين.
وإذا كانت الوهّابيّة تحكم بكفر أهل السنة والجماعة، فهي لم توفر أصحاب الطرق الصوفيّة الإسلامية فاتهمتها بالشرك، وينفون الكرامات عن أولياء الله، ويقولون عن (الأزهر) إنه يخرّج عاهات، ويستبيحون دم مَن صلى على النبي (ص) جهراً بعد الأذان، ويعتبرونه أشدّ من الزنى!
وقد أتيَ لـ ”محمد بن عبد الوهاب” برجل مؤذن صلى على النبيّ بعد الآذان فأمر بقتله، ويرون أنّ طلب الحاجات من الأنبياء والأولياء شرك، ويرون شدّ الرّحال لزيارة قبر النبي سفَر معصية، ومثله قبور الأولياء، وأنّ التمسّح بأبواب قبور الصالحين، وشبابيكها هو الشرك الأكبر، ويحرّمون الاحتفال بعيد المولد النّبوي، أو إقامة الموالد، ويرون أنّ قصيدة البرْدة للبوصيري التي مدح فيها الرسول (ص) جمعت كلّ شيء إلاّ الإيمان.
ومن الحرام زيارة القبور في العيدين، أو أن يقال في تشييع الجنازة ”وحّدوا الله”، كما يحرّمون نصب الشّوادر لقراءة القرآن، وأن يقول قارئ القرآن في ختام التّلاوة صدق الله العظيم، ومثله إهداء الثواب بقراءة القرآن، وكذلك تلقين الميت، ولا يُشرع حمل الجنازة في السيارة، أو أن يوصي إنسان أن يُدفن في مكان ما، ومثله مَن أراد أن يصلي أو يصوم وقال بلسانه نويت أن أصلي أو نويت أن أصوم، ومن قالها يُعذب بالنار، وحرام مصافحة المصلين بعد انتهاء الصّلاة.
وليلة نصف شعبان يحرّمون قيام ليلها، وصيام نهارها، وكذلك حمل السّبحة لذكر الله، ورفع الأيدي في الدعاء عقب الصّلاة وتأمين المأموم، أي أن يقول (آمين)، وتمنع أن يُقال في التّشهّد (السلام عليك أيّها النبيّ) بل يقول (السّلام على النبيّ)، ويرون خروج المرأة إلى العمل ضرباً من ضروب الزّنى، ويحرّمون كشف الوجه واليدين لها لغير زوج أو محرم، ويرون قفل باب تعليم النساء للذكور ولو في المرحلة الإبتدائيّة، وأجازوا طواف المرأة الحائض.
ويقول ”ابن باز” وهو أحد أئمّتهم المعدودين: ”مَن يقول إنّ الأرض تدور يجب قتله”، وتحرّم السفر إلى بلاد الكفار، ويصحّح هذا المفهوم ”ابن باز” فيقول: ”والصّواب أنه لا يجوز السّفر إلى بلاد الكفار للتعلم إلاّ عند الضّرورة القصوى، بشرط أن يكون ذا علم وبصيرة يريد الدّعوة إلى الله والتّوجيه إليه، هذا أمر مُستثنى”.
فهل ينطبق هذا على جميع الذين يسافرون من أهل نجد والحجاز إلى بلاد الكفار…؟!
تلك هي معظم الرؤى في العقيدة الوهّابيّة، وهي في مجملها تُخالف ما عليه المذاهب الإسلاميّة، وهي مذاهب اعتمدت على النصّ القرآني، وعلى سنة رسول اللّه، أمّا الوهّابيّة فقد استندت إلى ما جاء به ”ابن عبد الوهاب”، مستنداً إلى أقوال ابن تيميّة، وابن قيّم الجوزيّة، ولو أنها ظلت مجرّد آراء لَقلنا ذلك رأيهم، أمّا حين تُصبح دعوة لحمل السّلاح، والقتل، وتخريب المجتمعات، فإنّ هذا يضعنا أمام مسؤوليّات فضح هذه الرؤى، والتّصدي لها، ولاسيّما أنّ للوهّابيّة موقفاً (عمليّاً) من الصهيونيّة، ولكلّ موقف عمليّ موقف نظريّ، وهو ما سنعود إليه، في موقفهم من الصهيونيّة …
إن من يدقق في مسار الوهّابيّة التكفيريّة يجد أنّ مسارها عكس مسار الإسلامي المحمّدي، فقد بدأ الإسلام من أجل دعوة التوحيد، والتخلص من عبادة الأوثان، ومن ثمّ كان ذلك التنظيم المجتمعي، ولم تكن (الدولة) هدفاً، بل وسيلة، بينما هي في الوهّابيّة عكس ذلك، فقد توسّلت ما أطلقتْ عليه أنه الدين للوصول إلى السلطة، وتثبيتها، وعلى هذا التوافق بين ”ابن عبد الوهاب” و”إبن سعود” قامت تلك الحركة، وظلت قائمة على ذلك التشبيك، بين سلالة السعوديين وأحفاد (الشيخ)، رغم انهزامها أكثر من مرّة…
وها هي الآن، عبر المال الوفير الذي يُحرم منه أهلنا في تلك البقاع، يريدون أن يجعلوا من المال وسيلة العصر الصهيوني… سبيلاً لتحقيق تلك الأهداف.
وحقيقة، يقف العاقلُ، ذو الوجدان الحيّ موقف المندهش في مشاهدة ممارسات الوهّابيّين التّكفيريّين، ونقول ”العاقل ذو الوجدان” لأنّ ثمّة عقلاء في التّصنيف، ولكنّهم يفتقرون إلى الحدود الدنيا من خلجة الوجدان، فقد أعماهم الحقد، وسدّت الثأرية عليهم أبواب الفهم الصحيح.
ولعلّ من أخطر ما نواجهه، على المستويين الإجرائي والثقافي، أن يجعلوا من مشهد تقطيع الأحياء، والتّمثيل بالأموات، مشهداً عاديّاً، عبر التكرار، من خلال الزّعم بوجود فتوى، تُبيح لهم ارتكاب الجرائم! وهي فتوى خاصة بهم، ولا يوافقهم عليها علماء المسلمين، وعبر هذه القنطرة، ومن خلال المزيد من الأفعال الإجرامية تنتقل العدوى، لتصبح علامة من علامات التقاتل الدّاخلي في دنيا العرب والمسلمين، ولتكون شارة من شارات الوحشيّة، والتخلف، وتنكّب الأساليب الإنسانيّة، وهم بشكل ما يقفون في خانة الفظائع الصهيونيّة، وكأنّ ما فعله الصهاينة في تاريخ احتلالهم لهذه الأرض لا يريدون له أن يكون فريداً، بل لابدّ من جرّ آخرين إلى صفوفهم إليه، لا في السياسة فقط بل حتى في الفظيع من الجرائم. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن ويقفز بقوة:
هل عرفتْ البلاد العربية مثل هذا التّنكيل والفظاعة…؟
هنا من المهمّ الفصل بين ما فعله التّتار الوثنيّون في بغداد، وفي المنطقة، وما يفعله مَن ينتمي للدين الوهّابي، ولا سيّما الحاكم، حتى حين لا يجسّد شيئاً من قيمه، فهو يُخطب بإسمه، ويدعون له على المنابر، بمعنى أنّ المسلم الذي يفعل ذلك، أو يُفعل في عهده هو مخالف للشرع، ولا ينسجم مع الأخلاق التي أرسى دعائمها، وأيّدها الرسول العربي (ص) والذي جرى في التاريخ تفصلنا عنه أزمنة متطاولة، فكيف ونحن أبناء عصور جديدة كلّ الجدّة، فنحن في العالم ككل، يُفترَض أننا أبناء الحداثة وما بعد الحداثة، سواء كنا في أستوكهولم أو في أقاصي أفغانستان، إذ للأزمنة الحضاريّة سمات وعلامات، لا يمثلها المتخلفون، ولا الذين قبلوا أن يُغلقوا أبوابهم على أنفسهم، ولا يرون إلاّ ذواتهم الافتراضيّة.
لنتذكّر أنّ ما نحن بصدده قد عرفه الوطن العربيّ أوّل ما عُرف في الجزائر، على يد هؤلاء التّكفيريّين الوهّابيّين، واعتمادُ هذا الأسلوب، على تلك الطريقة التي عرفناها في ليبيا وتونس واليمن والعراق ومصر وسوريّة… يعني أنّه أسلوب وطريق لهذه المجموعات، وليست العمليات الانتحاريّة، والتفجيرات التي تودي بحياة مئات الناس، وتخلف الدمار، واليتم، والمقعَدين… إلاّ الوجه الآخر للتقطيع، والتفظيع. فثمّة من احتجّ على هؤلاء التكفيريّين، وثمة مَن صمت، ونذكّر الصّامتين بمقولة: ”الرّاضي بالشيء كفاعله”، فكيف حين التوافق التام، في الحركة، وفي الشعار !
وللغرابة فإن دعوات الجهاد الوهابية لا تقترب من الكيان الصهيوني أبداً! من هنا نلاحظ أنه وفي كل يوم جمعة يسعى شيوخ الوهابية بإيعاز من آل سعود لاستنهاض الهمم، إن كان بالبكائيات على المنابر أو بخطب تتكلم عن انتهاك لحرمات المساجد وحرق للمصاحف وعن اغتصاب وما شابه للمسلمات…
فشيوخ الوهابية تشجع وتحفز الشباب العربي للذهاب إلى الجهاد على الأراضي العربية والتورط بدماء أبنائها الشرفاء للحصول على حوريات شيوخ الوهابية، والمضحك أن كل شيخ منهم وهو يذرف الدمع يقول للرعاع الذين يصغون لبلاهته (والله لو أني أتمكن من الذهاب لذهبت)…
وهنا نسأل هؤلاء التجار بمرتبة رجال دين، لماذا لا تتمكن من الذهاب؟ وكيف تدعو الشبان للذهاب إن كنت لا تعرف كيف سيذهبون؟
أما حين تصدر آراء لها صفة الفتوى، في مسألة الصراع العربي الصهيوني فلا بدّ من التّوقف، والمراجعة، والتساؤل، بل والاتهام، أياً كان موقع القائل، لأنّ الموقع لا يحمي الذين ينحرفون عن نهج المواجهة، وإلاّ لَحمت المواقع الذين فرطوا، ويفرّطون بقضية الصراع العربي الصهيوني، ولعلّ فيما سنقرؤه ما يجيب على السؤال: لماذا لم تقم جيوش الوهابيين التكفيريين الجهاديين، بأيّ عمليّة ضدّ الصّهاينة المحتلين في فلسطين؟!
يقول عنهم الشيخ ”فتحي المصري” الأزهري:
إنهم يوالون الغرب، ويمهّدون لتثبيت أقدام المعسكر الغربي في قلب البلاد العربيّة والإسلاميّة، فهم ”الأيادي الخبيثة التي يحرّكها أعداء الإسلام كيفما يشتهون”، مصداقيّة هذا الكلام ادّعاؤهم أنّهم ذهبوا إلى أفغانستان لمقاتلة الشّيوعيّة الملحدة، وكأنّ الغرب الذي كانوا منذ البداية أداة بيده، يمثل روح الإيمان الصّافي!
لقد استعملت أميركا الأدوات الوهابية في أفغانستان لتحقيق المصالح الغربية ثم نقلت إلى العراق لتفتك بشعبه وتنشر ثقافة الفتنة الطائفية والتقسيم، خدمة للمشروع الغربي الصهيوني، ثم رحلت إلى شمال أفريقيا لتحقيق المصالح الأميركية عينها، وجيء بها اليوم إلى سورية حيث التزمت الوهابية بإنجاز ما عجزت الولايات المتحدة الأميركية عن تحقيقه بقوة السلاح وإعمالاً لإستراتيجية القوة الصلبة…
وفي الوقت الذي يطرح فيه المخلصون مخرجاً آمناً وحلاً سلمياً للأزمة في سورية، تجاهر الوهابية وبوقاحة كلية بتعطيل ذلك، وتعمل على ضخ كل ما ينشر الإرهاب في سورية، وتجهد السعودية في استجلاب الإرهابيين من أربع جهات الأرض لتزج بهم ضد الشعب العربي السوري الذي ارتكب (خطيئة) التمسك بحريته وقراره المستقل والمطالبة بحقوقه ورفض التبعية والاستسلام والانقياد لأميركا كما هو حال الوهابية.
وقد تبين دعم المملكة الوهابية للجماعات المسلحة بالمال والسلاح والإعلام، ليطفو على السطح صاحب الدور الأساسي المقابل على الأرض السورية وهو ـ جوكر ـ التطرف التكفيري الذي استخدم مجاهداً في أفغانستان لإسقاط حكومة نجيب الله الشيوعية، وبعدها تم تحويله إلى إرهابي بعد 11 أيلول لاستقدام القوات الأميركية إلى أفغانستان، والجوكر ذاته استخدم لابتزاز الرئيس المصري السابق حسني مبارك لمزيد من التنازلات ومن ثم الانقضاض على حكمه، ووقود ما سمي ثورتي تونس وليبيا وتهديد بقية دول المغرب العربي، وفي المستقبل القريب دول الخليج العربي.
ولعلّ اللافت أن يتنبّه عدد من المفكرين، والمثقفين، والناشطين في بلدان الغرب إلى خطر (الوهّابيّة) ويتداعون لعقد الاجتماعات لفضح أخطارها، ولم تفتهم الإشارة إلى نقاط تلاقي الحركة الوهّابيّة مع الجذور الصهيونيّة…
ولابد من الإقرار والتأكيد، أنّ ثمّة تشابه جوهريّ بين الحركة الوهّابيّة والحركة الصهيونية، وهو تكفير الآخر، واستحلال دمه، وماله، وعرضه، من خلال أحاديّة، عمياء، ظالمة، ضلاليّة، وليس من مذاهب المسلمين من يقول بهذا التّكفير غير الوهّابيّين. ولعل من يستغرب أن أقرن الوهّابيّة بالصهيونية، ويستنكر ذلك، ويعتبره مبالغة نابعة من موقف مضادّ، متشدّد، ولكن… تعالوا نناقش أهمّ نقاط التّلاقي العميق بينهما.
فهناك علاقة بين الفكر والسياسة لدى الحركة الصهيونية والحركة الوهابية، ولا يمكنُ فصل أي منهما عن الأخرى. فالفكر الوهابي كما الفكر الصهيوني بطبيعته سياسي وهمّ القائمين عليه في زعزعة الدين الإسلامي وتسييسه لمصالحهم. وكما تغلغل الفكر الصهيوني العنصري في الأدمغة السياسية والأدبية في كثير من دول العالم الغربي، كذلك تغلغل الفكر الوهابي التكفيري في عددٍ من دول العالم العربي حتى بات هذا التغلغل دافعاً لشن حروب ومعارك خدمة للأهداف العدوانية المعتمدة على النظرة التعصبية المتزمتة.
ولو عدنا قليلاً إلى الفكر الصهيوني لوجدنا أنه يعبّر عن انتهازية اليهود ونظرتهم العرقية قبل بروز الفكر السياسي. وقد بدأ هذا الفكر بتلميع صورة اليهودي وتمييزه بالطيب والعفة والطهارة والمروءة ثم تطور إلى أيديولوجيا مع تطور الفكر الاستعماري الغربي الذي لا يمكن فصل العلاقة الجدلية بينهما مثله مثل الفكر الوهابي الذي يعبّر عن تطرّف الوهابيين ونظرتهم التكفيرية.
وعلى اعتبار أن فكر الوهابية والصهيونية ينبعان من منبع واحد ويصبان في مصبّ واحد وهو احتقار الشعوب والتفرد بالعالم وسفك الدماء، فإنه من البديهي أن تبدأ الوهابية بتلميع صورة متبعيها وإظهارهم كدعاة حق وإيمان يمتازون بالعفة والطهارة والأخلاق ولا همَّ لهم إلا إعلاء كلمة الله وتحقيق العدالة بين بني البشر ونشر الفضيلة والقيم السامية (التي هي منهم براء).
وكما تبرّر الصهيونية قيامها بأفظع الجرائم وأشنعها في تاريخ البشرية بحقها في إقامة كيان مستقل يحفظها إلى الأبد، تبرّرُ الوهابية الذبح والقتل والتقطيع والسلب والنهب بحقها في إقامة إمارات إسلامية متعصبة تكون بمثابة نواة لعالمها الديني المزعوم القائم على الاضطهاد والذل والاستعباد والمهانة، والمرتكز على وحشية الفعل وظلامية الفكر.
ومثلما يلجأ الفكر الصهيوني إلى الزيف والنفاق في تبرير احتلال إسرائيل لفلسطين وتسويق فكرة: (أنَّ إسرائيل هي الأداة الجبارة والوحيدة القادرة على إخراج الشعب العربي من العصور المظلمة)، يلجأ الفكر الوهابي لتبرير ممارساته اللاأخلاقية واللاإنسانية واللاحضارية إلى أكذوبة مفادها: (أن الوهابية هي الطريق الأمثل والأوحد لإرساء قواعد الإسلام والحفاظ على الدين الحنيف والسير بالمسلمين على صراط الحق والعدل والإيمان والوصول بهم إلى جنات تختال فيها الحوريات على ضفاف أنهار الخمر والعسل.
وكما يدّعي الفكر الصهيوني أنَّ الصراع بين الإسرائيليين والعرب هو صراع بين أناسٍ لا يريدون اقتحام العلم والمعرفة، وشعب يهودي متحضر يؤمن بتطور الشعوب، يدّعي الوهابيون أنَّ وحشيتهم المسماة (جهاداً) هي من أجل العودة بالناس إلى عالم الصفاء والإيمان وتخليصهم من شرور الدنيا وآثامها ضماناً لخلود أرواحهم في عالم القدس والطهارة.
واللافت أن الوهابية تتجاوز الصهيونية في الكثير من فصولها الدموية، وتسجل ما لم تعهده البشرية في تاريخها، وما لم تشهد له مثيلاً حتى في قصص الخيال والتوحش على القاعدة الصهيونية ذاتها، التي ابتدعت في حينها نماذج من الإرهاب والوحشية ـ لفرض وجودها ـ لم تكن معهودة في حينه ولا هي مطروقة وباتت فصيلاً مستقلاً في التاريخ يشهد على فظاعته.
والواضح أن النسخة الوهابية استفادت من التجربة الصهيونية في تطويع الظروف والتطورات لمصلحتها بدءاً من التشويه المتعمد للدين وصولاً إلى ابتداع الأدوات والوسائل والغايات والمفاهيم، بحيث تكون في المكان الذي لا تتجرأ القدم الأميركية على الحضور إليه مجدداً، بعد تجارب مريرة تراكمية ونوعية من الفشل في الحضور العسكري المباشر من جهة، وباعتبارها نافذة للأذرع الإسرائيلية ووكيلاً حصرياً لها، ومؤتمناً على المهمة في الموضع الذي عجزت عن النفاذ إليه من جهة ثانية.
ولأن البحث في تحالف وتلاقي الحركة الوهابية والصهيونية على كل الأهداف الغربية طويل ويحتاج إلى مجلدات، يمكن أن نكتفي بالسؤال عن الذي قدمته مملكة الرمل والتخلف للعرب والمسلمين خلال العقود الماضية، هل قدمت غير فعل إشاعة الجهل والتكفير والإرهاب والتخاذل والاستسلام، ولماذا تخرَّج ويتخرَّج العلماء من الأزهر والنجف الشريفين، ومن جامع الزيتونة بتونس كأول جامعة إسلامية في العالم العربي، ولا يسمع العالم في المقابل إلا بتخريج التكفيريين والإرهابيين من حيث كان يجب أن يتخرج كل علماء الأمة؟!
من الذي عطل وصادر مكة المكرمة والمدينة المنورة غير الوهابيين، ومن الذي أسبغ عليهما وعلى أرض الحجاز ونجد الصفة السعودية غير آل سعود القتلة الخونة المغتصبون وأعداء الإسلام والعروبة، ومن الذي سهَّل لوعد بلفور ولاغتصاب فلسطين غيرهم، وما الذي تقوم به ”إسرائيل” بالتعاون مع الغرب والوهابية غير محاولة الترويج لفكرة إقامة الدولة الدينية تبريراً لإقامة ”إسرائيل” اليهودية الخالصة ؟!
فالوهابية والصهيونية داء واحد، وهما كحركتين مدسوستين نشأتا وقامتا على الدعم الغربي، وعلى القتل والتهجير والاغتصاب تحكمان كياني الإرهاب ”السعودية وإسرائيل” بالحديد والنار، وإذا كان أهم ما يميز اليهود قتلهم الملوك والأنبياء، فإن بني سعود يقتلون ويخلعون ملوكهم ”سعود وفيصل نموذجاً” ويتنكَّرون للنبي الأعظم وللعلم والعقل.
وللأسف كما وجدت الصهيونية كتّاباً ومفكرين سخرتهم لنشر أفكارها الشيطانية، وجدت الوهابية شيوخاً ومنظرين وكتّاباً باعوا أنفسهم لها بدراهم بخسة، وقاموا بحملةِ ترويج لأفكارها التكفيرية الظلامية ومعتقداتها العفنة التي لا تتلاقى ولا بشكل من الأشكال مع المنطق والأخلاق والمبادىء العظيمة والأهداف النبيلة.
إن إدراك الأبعاد الكامنة وراء إنشاء الحركة الوهابية يجعلنا نفهم ما تفعله مملكة اليهود من آل سعود الآن على أنه محاولة للهيمنة على كامل المنطقة لإقامة إمارة يسيطر عليها اليهود المتسترون بإدعاء اعتناق الإسلام الوهابي بما يمكن ويساعد الكيان الصهيوني المزروع في فلسطين من فرض سيطرته على المنطقة عبر الدور الذي يلعبه يهود آل سعود وشركاؤهم، وبالتالي فإن هذا التظهير ليهودية آل سعود اليوم ليس من باب الصدفة وبخاصة بعد المجاهرة وبصوت عال عن استمرار آل سعود بدعم الإرهاب في سورية محملة إياه صفة الجهاد، علماً أن الجهاد في الإسلام فرض ضد التكفيريين الذين لا يؤمنون بأي عقيدة أنزلها الله وفي مخالفة واضحة لقواعد الإسلام والإنسانية.
فالوهابية لا تريد فقط أن تستعمر الإنسان والمجتمع بأضاليلها وأكاذيبها وشعوذاتها، بل تسعى لحرمانه من مقومات الفضيلة وهي الضمير والإرادة والقدوة والفكر السليم، لأنّ أي مجتمع يفتقد هذه المقومات تتحلل مناعته، وترعى في كيانه الموبقات فينهار أمام أول هزةٍ يتلقاها، وهذا ما تعمل من أجله هذه الحركة الصهيووهابية، ولكن هيهات هيهات، فحلمها بهذا كحلم إبليس في الجنة.
إنّ الردّ على الوهابيين التكفيريين يكون بالفكر الإسلامي، وهذه هي مرحلته، لدرْء هذا الإعصار الذي نفخت فيه عواصم الغرب المتصهين، ومن الأدلة على ما نقول، أنّ نخبنا الثقافية، ظلت طوال قرن تقريباً تتحدّث عن الديموقراطيّة، وعن الليبرالية، وعن الماركسية، والوجوديّة، والعلمانيّة، والحداثة، وكل المدارس الفكريّة التي أنتجها الغرب، فلم تتعدَّ حدود هؤلاء المثقفين، الذين لا يمثلون عددياً إلا نسبة لا تكاد تظهر.
والمؤكّد عندي أنّ هؤلاء الوهابيّين التّكفيريّين لا يفضحهم إلاّ الفهم الحقّ للرسالة المحمديّة، التي تحتاج إلى مزيد من الحضور، ولاسيّما أنّ ثمّة فضائيّات كثيرة تروّج لمقولاتهم، إذا أردنا ألاّ يصبح الإسلام المجسّد في حياتنا أعيناً تنظر إلى كلّ ما حولها على أنه مَظهَر للشرك، ولحية كبيرة كثّة منفوشة، وجلابيّة قصيرة، وزيّ باكستانيّ أفغاني، برمزيّته الوهّابيّة التكفيرية… إذا أردنا هذا فعلينا أن نبادر إلى طرح الفكر المحمديّ الأصيل.
ولمواجهة المد الديني الوهّابي المتطرف، فقد صار من الملحّ أن تُوضع البرامج الثقافيّة، والفكريّة، في كل ميادين التوعية، والإعلام، بل وأن تُخصَص البرامج لفضح الوهّابيّة، لأنه تعرية للدور السعودي المشبوه الذي كان مهاد هؤلاء، ومنبعهم، وبيت نشأتهم، كما أنه تعرية للحركات التي تتستر بالإسلام لتحقيق أهداف سياسية، وهي في مآلها أهداف يستفيد منها الغرب الاستعماري بقدر ما استثمر فيها من أفكار، ومسارات، وليست التطمينات التي قدمها العديد، لإسرائيل، من تلك الأحزاب، والتشكيلات الوهّابيّة، والإسلامويّة… في حال وصولهم للسلطة… ليست إلاّ الحنجلة في ذلك الرّقص القادم.
لكننا وفي ذروة هذا الانفعال ـ ربّما الصائب ـ سنواصل العصيان على الفتاوى الوهابية والتقارير والبيانات والقرارات والشعارات والاستطلاعات والاستبيانات الكاذبة المضللة التي لفقها ”أطبّاء السياسة ومُرَوّجُو الإعلام المُضلل عن الشعب العربي”… وحسب أبسط بديهيّات التاريخ، فإنّ هذا الضّرب المتواصل على مؤخرة الرأس قد يفضي اليوم أو غداً أو بعد غدٍ إلى ما لا يُسِرُّ الضّاربين.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha