الدكتور السيد زهير الأعرجي.
حدد الإمام الرضا (ع) أبعاد الحياة الأخلاقية بثلاثة أمور، أولا: علاقته بالله سبحانه و تعالى، ثانيا: علاقته بالمجتمع، و ثالثا: علاقته بالنفس.
ففي مجال التعامل مع الله سبحانه اكد على حب الله، و اكد على ضرورة تعلق قلب المؤمن بحبه تعالى، لان حب الله عز وجل هو جوهر العبادة الحقيقية، فقد كان يؤثر مراد الله على مراده. و اكد على حسن الظن بالله سبحانه، فانه عز و جل يقبل القليل من العمل بشرط ان تكون نيةالعمل مبنية على اساس التقوى.
وحث على التوكل على الله سبحانه باعتبار ان لا فاعل الا الله، و لا موجد و لا محي الا هو سبحانه، و انه لا حول و لا قوة الا به، و اعلن بان حد التوكل هو ان لا يخاف الانسان احدا الا الله.
وقد اشار على المؤمنين بان يتلبسوا بصفة التقوى، و هي تجنب معصية الله، و هي صفة جامعة لجميع مراتب الايمان، و دعاهم الى التبصر في المناهي الآلهية و الورع عن محارمه تعالى .
اما ذكر الله و تسبيحه، فقد كان شغله الشاغل.و قد اكد على ان العبادة ليست بالصلاة و الصيام، و انما ايضا بالتفكر في خلق الله و التأمل في آياته، و اعتبر التفكر مفتاح العبادة الحقيقية.
و في مجال العلاقات الاجتماعية بنى الامام الرضا فلسفته على ثلاثة امور، و هي متطابقة بالتأكيد مع نظرة القرآن للعلاقات الاجتماعية.
الامر الاول: المسألة الاخلاقية، حيث ان الالزام والمسؤولية والجهد المبذول لتقوية العلاقات الاجتماعية، و بناء المجتمع السليم، انما هى قيمة اخلاقية عليا، على الانسان المؤمن ان يتلزم بها، باعتباره انسانا واعيا جديرا بتحمل هذه المسؤولية و هذا الشرف الرفيع .
الثاني: ان الاسلام اكد في حثه على صلة الرم، و اكرام الوالدين و اطعام الفقير و المسكين، و تكريم اليتيم و غيرها من الامور التي تنمي الصلاة الاجتماعية، اكد على ان هذه الاعمال انما هي امور تعبدية يتقرب بها الانسان الى الله تعالى، و يثاب عليها. فهى اوامر صادرة من المولى عز و جل و هو في مقام البيان.
الثالث: ان الاسلام اراد للانسان المؤمن ان يصل الى مراحل متقدمة من الكمال، فاراد بتثبيت العلاقات الاجتماعية على صعيد مساعدة الفقراء و صلة الرحم و اكرام اليتيم… الخ ان يبرز مفهوم التكامل الاجتماعي، الذي يتولاه افراد المجتمع بعضهم لبض، و هو غير الضمان الاجتماعي الذي تتبناه الولاية و الحكومة في الدولة الاسلامية.
و من هذا المنطلق اكدالامام الرضا على ان الاخوة الحقيقية هي اخوةالايمان و عدم معصية الباري عز و جل و ليس اخوة الدم و القربى و حث على صلةالرحم و لو بكف الاذى عنهم، لان صلة الرحم خطوة اولية للاعتناء بأمر الامة و المجتمع الكبير.
و اكد على عدم اهانة الفقير و المحتاج و السائل، بل قرر انه من المستحب ستروجه المعطي عن السائل مخافة ان يرى ذل السؤال في وجهه.
و حبب العفو عن الجاني، اذا كانت لديه حجة معقولة يحتج بها عن فعله.
و اكد على التودد الى الناس و مداراتهم.
و اكد على طلب العلم و التفقة في الدين، باعتبار ان الفقهاء هم حملة رسالة التوحيد بعد الائمة و الانبياء(ع). و باعتبار انه لا منقذ للانسانية من محنها المتوالية على طول التاريخ غير هذا الدين الالهي العظيم.
و اشار الى اسداء النصيحة و المشورة الى الحاكم، و توجيهه نحو تطبيق الشريعة.
و شدد على قضية اكرام الوالدين باعتبارهم اصل وجود الانسان و منبعه، و التوسعة على الاسرة باعتبارها نواة لمجتمع كبير، فاسعادها هو اسعاد للمجتمع الكبير.
و كانت اخلاقيته الحقيقية هي ترجمته لمبادئه في الاخلاق الى الواقع العملي، فكان يتعامل مع الناس تعاملا شغافا طيبا. و كان كريما سخيا مع الناس، ينفق على الفقراء والمحتاجين، و كان لا يرد السائلين ابدا.
و في مجال الشخصية الاسلامية، و هو اخلاقية التعامل مع النفس، فقد اشار الامام الى الصفات الواجب توافرها في اي شخصية ايمانية تبتغي تحقيق نشر رسالة التوحيد و مرضاة الله، و ارتقاء سلم الكمال، فحبب الصمت و الاعراض عن الجاهلين لابطال جهلهم. و أكد على الحذر و الكتمان حفاظا على الدين من عيون السلطة الظالمة و جواسيسها.
وأكد على طلب العلم باعتباره سلاحا نافذا يستخدمه المؤمن في التحرك في ساحة الحياة، و حث على بذل الجهد في سبيل تحصيله.
ودعا الى معرفة النفس عن طريق العقل، و محاسبتها محاسبة شديدة لتنبيهها على التفريق بين الخير و الشر.
واوصى بالصبر في الحياة، باعتبار تمحيصا حقيقيا للايمان، و مفتاحا للفرج، و هو صبر على طاعة، و صبر عن المعصية، و صبر على ابتلاءات الدنيا و محنها.
وكانت موعظته بالكلمة الطيبة، و الحجة البالغة واحدة من اهم مظاهر شخصيته الاخلاقية . و كانت القناعة في تفكيره تنزها عن لئام الناس، و طريقا للوصول الى مرضاة الله سبحانه .
وأشار الإمام الى ان العمل القليل الدائم القائم على اليقين و البصيرة، افضل من العمل الكثير المنقطع.
والحقيقة ان هذا الرأي يجب ان يكون منهجا من مناهج العمل الاجتماعي و السياسي في الاسلام واشار الى ضرورة تنظيم الوقت و تقسيمه، حتى لا يضيع وقت الانسان الثمين في امورلا تنفع.
واخيرا اوصى باللين و التواضع والخلق الحميد، و هي من العبادات المقربة الى الخالق عز و جل.
اما عناصر الاخلاق عند الامام فهي كما يلي:
1ـ الالزام: و فكرته ان النفس الانسانية جبلت على الاحساس بالخير و الشر، و ان الله لم يجبر العباد على طاعته، و انما الزمهم إلزاما بواسطة العقل.
2ـ المسؤولية: و هي الاستعداد الفطري والقدرة على إلزام الانسان نفسه، بايفاء التزامه، و هي الامانة التي كلف الله الانسان بحملها لانه أهل للتكليف.
3ـ الجزاء: و هو ان الانسان يجب ان يثاب على عمل الخير، و يعاقب على عمل الشر.
4ـ النية و الدوافع: لا يرتضي الله من الانسان اي عمل ما لم يكن فيه ارادة و عزم و تصميم لتحقيق ذلك العمل بنية القربة اليه تعالى.
5ـ الجهد: لا يمكن اداء التكاليف الشرعية بدون بذل جهد خاص بذلك، و لا يمكن للايمان ان يتحقق ما لم يزدوج الفكر بالعمل، و القول بالفعل.
هذه، لمحات موجزة عن فلسفة اخلاقية الامام الرضا(ع) و الحمد لله رب العالمين.
خلاصة منهج الرضا(ع) الاخلاقي صفحه 255 .
12/5/140908
https://telegram.me/buratha