بحث مستل من كتاب حقوق المرأة في النظام الإسلامي للشهيد (مرتضى المطهري)
كيف ينظر الإسلام إلى المرأة كمخلوق ؟
هل يعتبرها من حيث الشرف والكرامة الإنسانية مساوية للرجل ، أم يعتبرها جنساً أدنى ؟
هذا ما سنجيب عنه فيما يلي :
فلسفة الإسلام الخاصّة بحقوق الأُسرة
للإسلام في مجال الحقوق الأُسرية للمرأة والرجل فلسفة خاصة تختلف عمّا كان سائداً قبل أربعة عشر قرناً ، وعمّا هو سائد في العالم الآن . إنّ الإسلام لا يرى للمرأة والرجل من جميع المجالات نوعاً واحداً من الحقوق ، ولا نوعاً واحداً من الواجبات ، ولا نوعاً واحداً من العقوبات . إنّما يرى قسماً من الحقوق والواجبات والعقوبات أنسب للرجل ، وقسماً غيرها أنسب للمرأة ، وبالنتيجة فقد جعل في بعض المجالات وضعاً متشابهاً للمرأة والرجل ، وفي مجالات أُخرى وضعاً مختلفاً .
فلماذا ؟ وعلى أيّ أساس ؟ وهل إنّ الإسلام ـ ككثير من المدارس الفكرية الأخرى ـ ينظر إلى المرأة نظرة احتقار ، ويعتبرها جنساً أدنى ؟
أم أنّ له في ذلك رأياً آخر وفلسفةً أخرى ؟
لقد سمعتم وقرأتم مراراً وتكراراً أحاديث وكلمات وكتابات مقلّدي النظم الغربية ، وفيها أنّ مقرّرات الإسلام في المهر والنفقة والطلاق وتعدّد الزوجات وأمثالها ليست إلاّ دليلاً على احتقار وإهانة المرأة والتزام جانب الرجل فقط .
يقولون : إنّ جميع نظم وقوانين العالم قبل القرن العشرين تقضي بأنّ الرجل أشرف جنساً من المرأة ، وأنّ المرأة خُلقت من أجل استمتاع الرجل ، وأنّ الحقوق الإسلامية تدور كذلك حول محور مصالح ومنافع الرجل .
ويقولون : الإسلام دين الرجال ، وأنّه لا يعتبر المرأة إنساناً كاملاً ، ولم يضع لها حقوقاً كما يجب للإنسان ؛ إذ لو اعتبرها إنساناً كاملاً لما أجاز تعدّد الزوجات ، ولما أعطى حق الطلاق للرجل ، ولما اعتبر شهادة امرأتين بمثابة شهادة رجل واحد ، ولما أسند رئاسة العائلة إلى الرجل ، ولما جعل سهم المرأة من الإرث نصف سهم الرجل ، ولما جعل للمرأة ثمناً اسمه المهر ، ولمنحها استقلالاً اقتصادياً واجتماعياً ، ولما جعلها مرتزقة عند الرجل وجعل نفقتها واجبة عليه . ويتوصّلون بكل ذلك إلى أنّ الإسلام ينظر إلى المرأة باحتقار ، ويعتبرها أداةً بيد الرجل .
ويقولون : إنّ الإسلام مع أنّه دين المساواة ، وقد راعى مبدأ المساواة في بعض الأمور ، إلاّ أنّه لم يراع هذا المبدأ فيما يتعلّق بالمرأة والرجل .
ويقولون : إنّ الإسلام منح الرجل امتيازاً وتفضيلاً في الحقوق ، ولو لم يكن كذلك لما وقف من المرأة المواقف السالفة الذكر .
ولو أردنا أن نصوغ اعتراضات هؤلاء السادة صياغةً منطقيةً أرسطيّة فإنّها ستأتي على الشكل التالي :
لو أنّ الإسلام اعتبر المرأة إنساناً كاملاً ، لمنحها حقوقاً مشابهة ومساوية لحقوق الرجل ، وبما أنّه لم يمنحها مثل هذه الحقوق ، فهو إذن لا يعتبرها إنساناً حقيقياً .
مساواة أم تشابه ؟
إنّ المبدأ الذي استند إليه المعترضون هو تلازم تساوي المرأة والرجل في الإنسانية مع وجوب تساويهما في الحقوق .
وهنا يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار مبدأً فلسفياً آخر هو :
ماذا يستلزم تساوي المرأة مع الرجل في الكرامة الإنسانية ؟ هل يستلزم تساويهما في الحقوق بشكل ليس فيه تفضيل أو تمييز ، أم أنّه يستلزم أن تكون المرأة والرجل علاوةً على التساوي متشابهين في الحقوق وليس بينهما تقسيم في الواجبات والأعمال ؟
فنقول : إنّ ممّا لا شك فيه هو أنّ تساوي المرأة والرجل في الكرامة الإنسانية يستلزم تساويهما في الحقوق الإنسانية ، أمّا أن يتشابها في الحقوق فذلك شيء آخر .
فإذا أردنا أن نتخلّى عن التقليد الأعمى لفلسفة الغرب ، وأجزنا لأنفسنا أن نتأمّل في ما وصلنا منهم من أفكار وآراء فلسفية ، فلننظر هل أنّ التساوي في الحقوق هو نفس التشابه في الحقوق أم لا ؟ إنّ التساوي غير التشابه … التساوي هو المساواة ، والتشابه هو المماثلة . فيمكن مثلاً أن يقسم أب ثري ثروته بين أولاده بالتساوي ولا يقسمها بشكل متشابه . ففي هذا المثال يمكن أن يكون للأب عدّة أنواع من الثروات ، يكون أحدها متجراً ، وثانيها أرضاً زراعية ، وثالثها أملاكاً مؤجّرة ، ولكن بما أنّه كان قد اختبر مقدماً استعدادات كل من أولاده فوجد أنّ لأحدهم قابلية في العمل التجاري ، وللثاني رغبة في الزراعة ، وللثالث قابلية في إدارة الأملاك المؤجّرة ، فإذا أراد أن يقسم ثروته بين أولاده في حياته فإنه ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار مراعاة التساوي في القيمة عند التقسيم ـ سيمنح أولاده من ثروته كلاًّ حسب ما وجد فيه من الاستعداد لإرادته والنجاح فيه .
فالكمّ غير الكيف ، والتساوي غير التشابه والتماثل . فإنّ من المسلّم به أنّ الإسلام لم يمنح المرأة والرجل حقوقاً من نوع واحد ولون واحد لكنّه لم يفضل الرجل على المرأة في الحقوق . لقد راعى مبدأ المساواة في الإنسانية بين المرأة والرجل … الإسلام يقر المساواة بين حقوق المرأة والرجل ولكنّه لا يقر تشابه هذه الحقوق .
إنّ كلمات مثل: كلمة التساوي والمساواة ـ لكونها تتضمّن مفهوم عدم التمييز ـ قد حازت على قدسية خاصّة، ولها جاذبية معيّنة ، فهي تجتذب احترام السامع وخاصّة إذا أُضيفت إليها عبارة (في الحقوق) واقترنت بها .
المساواة في الحقوق ! يا لها من تركيبه جميلة ومقدّسة . مَن هو الإنسان النظيف الفطرة والضمير الذي لا يخضع ولا ينحني إجلالاً أمام هذه العبارة ؟
ولكن لا أدري كيف ـ ونحن الذين كنّا حملة لواء العلم والفلسفة والمنطق في العالم ـ وصل بنا الحال إلى درجة أنّ الآخرين يحاولون أن يفرضوا علينا نظرياتهم حول (تشابه حقوق المرأة والرجل) تحت هذا العنوان المقدّس (المساواة في الحقوق) . إنّ هذا يشبه بالضبط أنّ شخصا يبيع (البنجر) وينادي عليه باسم (كمثرى)
فمن المسلّمات أنّ الإسلام لم يضع للمرأة والرجل في المجالات حقوقاً متشابهة ، كما أنّه لم يضع عليهما في جميع المجالات تكاليف وعقوبات متشابهة ، ولكن هل معنى ذلك أنّ مجموع الحقوق التي منحها للمرأة أقل قيمة وأهميّة من الحقوق التي منحها للرجل ؟ بالطبع ، لا . وهذا ما نبرهن عليه الآن . وهنا يبرز سؤال ثان ، هو : لماذا شرع الإسلام حقوقاً غير متشابهة للمرأة والرجل في بعض المجالات ؟ لماذا لم يجعلها جميعا متشابهة ؟ هل من الأفضل أن تتساوى وتتشابه حقوق المرأة والرجل أم أن تتساوى ولا تتشابه ؟
ولأجل بحث هذه المسألة بشكل كامل ، نقسّم البحث إلى ثلاثة أقسام هي :
1 ـ نظرة الإسلام إلى المرأة كإنسانة من ناحية الخلقة .
2 ـ الهدف من وراء الاختلاف في الخلقة بين المرأة والرجل ؟ وهل أنّ هذا الاختلاف يجب أن يؤدّي إلى اختلاف في الحقوق الطبيعية والفطرية بينهما أم لا ؟
3 ـ ما هي فلسفة الفروق التي يضعها النظام الإسلامي بين المرأة والرجل ، والتي يتعامل مع بعضها على أساس عدم التشابه ؟ وهل أنّ هذه الفلسفة والحكمة من الاختلاف سارية المفعول إلى هذا اليوم ، أم لا ؟
مقام المرأة
أمّا في القسم الأوّل: فالقرآن ليس مجموعة قوانين فحسب ، وإنّ محتويات القرآن ليست سلسلة مجرّدة من الأنظمة والقوانين الجافّة التي لا معنى لها . وإنّما في القرآن نجد القانون كما نجد التاريخ ، والموعظة ، وتبيان حكمة الخالق ، وآلاف المسائل الأخرى . فالقرآن في الوقت الذي يشرّع القوانين من جهة ، نجده في مكان آخر يتحدث عن الخلق والطبيعة من جهة أخرى . فهو يبين خلق الأرض والسماء والنبات والحيوان والإنسان وسر الموت والحياة ، والعزّة والذلّة ، والارتقاء والانحطاط ، والغنى والفقر .
القرآن ليس كتاب فلسفة لكنّه يعطي رأياً قاطعاً حول الكون والإنسان والمجتمع بشكل واضح ، وهذه المسائل الثلاث تشكّل المواضيع الأساس للفلسفة .
إنّ القرآن لا يعلّم أتباعه قانوناً ولا يعظهم وعظاً مجردّاً وإنّما يوجد لديهم ـ عن طريق بيان حكمة الخلق ـ تصوّراً خاصّاً للكون والحياة ، ويعلّمهم منهجاً جديداً للتفكير . وما أساس الأنظمة الإسلامية في الأمور الاجتماعية كالملكية والحكم وحقوق الأسرة إلاّ نظرته إلى الوجود والموجودات .
ومن جملة المسائل التي بيّنها القرآن الكريم موضوع خلق المرأة والرجل ، فهو في هذا المجال لم يدع الجو خالياً للمتقوّلين كي يصوّروا موقف الإسلام بأنّه موقف احتقار للمرأة . وإنّما بادرهم ببيان موقفه منها بشكل واضح . وإذا أردنا أن نعرف نظرة القرآن حول خلق المرأة والرجل وجب علينا أن ننتبه إلى مسألة طبيعة وطينة كل من المرأة والرجل والتي أشارت إليها جميع الكتب الدينية ، وكذلك القرآن لم يسكت عن هذا الموضوع .
فلننظر هل يتعامل القرآن مع المرأة والرجل على أنّهما من طينة وخلقة واحدة أم من طينتين مختلفتين ؟
يذكر القرآن في آيات عديدة بصراحة تامّة قول الله تعالى إنّه خلق النساء من جنس الرجال ومن طينة مشابهة لطينة الرجال ، فيذكر عن آدم قوله جلّ وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً …) (1) .
ويعني بالنفس الواحدة نفس آدم (عليه السلام) .
كما يذكر في سورة النساء وآل عمران آيات تتضمّن خلق الزوجة من جنس الزوج ، ضمن استعراض نعم الله عزّ وجلّ على الإنسان ، ولا تجد في القرآن أثراً لما تجده في كتب الأديان الأخرى من أنّ المرأة قد خُلقت من مادة أدنى من مادة الرجل، أو أنّ المرأة ناقصة الخلقة وأنّ حواء قد خُلقت من أحد أعضاء آدم (عليه السلام)؛ وعليه ، نرى أنّه توجد في الإسلام نظرة احتقار تجاه المرأة في طبيعة خلقها وأصلها.
ونظرية أخرى من النظريات التي تحتقر المرأة ، والتي كانت سائدة ـ فيما مضى ـ وتركت في أدب الشعوب آثاراً سيئة تلك التي تقول : المرأة هي عنصر الخطيئة ومن وجودها يدب الشر والفساد ، وأنّ للمرأة يداً في كل جريمة وخطأ يرتكبه الرجال … فيقولون : إنّ الرجل في حدّ ذاته مبرّأ من الخطأ ، وأنّ المرأة هي التي تجرّه إلى الخطيئة ، ويقولون : إنّ الشيطان لا يجد طريقاً مباشراً إلى الرجل . وإنّما إلى المرأة التي تخدع الرجل بدورها ، فالشيطان يوسوس للمرأة وهي توسوس للرجل ، ويقولون : إنّ آدم (عليه السلام) ، الذي خدعه الشيطان وتسبّب في إخراجه من جنّة النعيم إنّما كان انخداعه عن طريق المرأة ، فالشيطان خدع حوّاء وهي أغرت آدم (عليه السلام) .
هذا بينما نجد القرآن يطرح قصّة جنّة آدم بدون أن يشير أبداً إلى أنّ الشيطان أو الثعبان قد أغوت حواء ، وأنّ حواء أغوت آدم ، بل إنّه لا يجعل حواء مسؤولاً رئيسياً ولا يخرجها من الحساب . فالقرآن يقول : (يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا) (2) ثم حين يتطرق إلى وسوسة الشيطان نجده يتحوّل إلى التثنية في الحديث فيقول : (فوسوس لهما الشيطان) (3) و(فدلاّهما بغرور) (4) و(وقاسمهما إنّي لكما من الناصحين) (5) .
فيدخل القرآن حرباً ضد الأفكار التي كانت منتشرة في ذلك العصر ، ويبرئ المرأة ممّا كان ينسب إليها من كونها عنصر وسوسة وخطيئة ، وشيطاناً صغيراً .
ومن النظريات الأخرى التي تحتقر المرأة تلك التي تتعلّق باستعداداتها الروحية والمعنوية ، فكانوا يقولون إنّ المرأة لا تدخل الجنّة ، وأنّها لا تستطيع أن تسمو في المراتب الروحية والدينية ، ولا أن تدرك ما يدركه الرجل في القرب من الخالق جلّ وعلا . هذا بينما نجد في القرآن آيات كثيرة تصرّح بأنّ الجزاء الأُخروي والقرب من الله لا يرتبط بجنس الفرد ذكراً أو أنثى ، بل بالإيمان والعمل الصالح ، سواء من قِبل المرأة أو من قِبل الرجل . ثم يضع القرآن إلى جانب كل رجل عظيم ومقدّس امرأة عظيمة ومقدّسة . فيذكر بكل تقدير زوجات آدم وإبراهيم ، وأُمّهات عيسى وموسى . وإذا كان قد أشار إلى زوجتي نوح ولوط على أنّهما زوجتان غير صالحتين فقد أشار إلى زوجة فرعون على أنّها امرأة عظيمة ابتُليت برجلٍ فاجر ، وكأنّ القرآن قد حفظ في قصصه التوازن بين المرأة والرجل ولم يقصر البطولة على الرجال فقط .
يقول القرآن في حديثه عن أُمّ موسى :
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ …) (6) .
ولا يخفى ما في العبارة من الدلالة على مكانتها إذ يوحي إليها الله العلي القدير .
ويتحدث عن مريم والدة عيسى (عليهما السلام) كيف كانت الملائكة تحدثها في المحراب ، وكيف كان رزقها يأتيها عن طريق الغيب حيث يدل على ما بلغته من رتبة ربّانية عالية حتى أن نبي زمانها احتار في أمرها وتجاوزته هي في درجتها عند الله وبقي زكريا مبهوتاً أمامها .
وفي التاريخ الإسلامي ذاته قدّيسات كثيرات وجليلات إذ لم يبلغ الدرجة التي بلغتها خديجة الكبرى (رض) من الرجال إلاّ القليل ، كما لم يبلغ درجة الزهراء (سلام الله عليها) رجل غير الرسول (صلّى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) فهي أفضل من أبنائها ، على أنّهم أئمّة ، وأفضل من كل الأنبياء غير رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . والإسلام لا يرى فرقاً بين الرجل والمرأة في سيرهما التكاملي نحو الله عزّ وجل ، بل الفرق الوحيد الذي وضعه الإسلام في مسيرة الإنسان نحو الحق هو اختياره الرجل لتحمّل مسؤولية النبوّة والرسالة وهداية الناس إلى الحق ، إذ نظر إلى الرجل على أنّه الأنسب لهذا الأمر .
ومن النظريات الأُخرى التي كانت تحتقر المرأة تلك التي تتعلّق بالرياضة الجنسية وتقدّس العزوبية إذ إنّ العلاقة الجنسية ـ كما نعلم ـ تعتبر في بعض الشرائع قذرة في حدّ ذاتها . وأتباع هذه الشرائع يعتقدون أنّ الإنسان لا يبلغ الرتب الروحية العالية إلاّ إذا قضى عمره أعزباً .
يقول أحد زعماء الأديان في العصر الحديث : (اقلعوا شجرة الزواج بمطرقة البكارة) . ونفس هؤلاء الزعماء والقادة الدينيين قد يجيزون الزواج لبعض أتباعهم من باب اختيار أهون الشرّين . فهم يدّعون أنّ الأفراد بما أنّهم غالباً لا يطيقون حياة العزوبة ، والصبر عن الزواج ، فيفقدون من أيديهم زمام أمرهم ويتردّون في الفحشاء ممّا يؤدي إلى اتصالهم بعدّة نساء ، فمن الأفضل إذن أن يجيزوا لهم الزواج لكي يضمنوا اتصالهم بامرأة واحدة فقط . وأساس فكرة الرياضة الجنسية والعزوبة ما هو إلاّ سوء الظن بالعنصر النسائي واعتبار الميل نحو المرأة من المفاسد الأخلاقية العظمى .
وقد حارب الإسلام هذه الخرافة بشدّة واعتبر الزواج أمراً مقدّساً والعزوبة انحطاطاً ، وجعل حبّ المرأة من أخلاق الأنبياء ، فورد : (من أخلاق الأنبياء حب النساء) وقال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) : (حُبّب إليّ من دنياكم : الطيب ، والنساء ، وقرّة عيني الصلاة).
يقول برتراند رسل : (في جميع الأديان نوع من التشاؤم وسوء الظن تجاه العلاقة الجنسية ما عدا الإسلام ، إنّه قد وضع لهذه العلاقة ضوابط وحدوداً لصالح المجتمع ولم يستقذرها على الإطلاق) .
ومن النظريات التي تحتقر المرأة تلك التي تقول : (إنّ المرأة خُلقت من أجل الرجل وهي لعبة بيده) .
أمّا الإسلام فلم ترد فيه مثل هذه أبداً ، بل يوضح بكل صراحة مبدأ العلّيّة ، ويقول بوضوح كامل إنّ الأرض والسماء والسحاب والرياح والنبات والحيوان خُلقت كلّها من أجل الإنسان لم يقل مطلقاً إنّ المرأة خُلقت من أجل الرجل ، نعم ، قال إنّ المرأة والرجل قد خُلق كلٌّ منهما للآخر : (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (7) .
ولو اعتبر القرآن أنّ المرأة خلقت من أجل الرجل ، لظهر ذلك في القوانين التي شرعها ، ولكن لعدم وجود مثل هذه النظرة عند الإسلام في بيان حكمة الخلق ، وعدم اعتباره المرأة تابعة لوجود الرجل ، لم يظهر أيّ أثر لذلك في مواقفه الخاصة تجاه المرأة والرجل .
ومن النظريات القديمة التي كانت تحتقر المرأة أيضاً هي : (إنّ المرأة من وجهة نظر الرجل شرّ لابدّ منه) فكان كثير من الرجال على الرغم ممّا يجنونه من فوائد من وجود المرأة إلى جانبهم ، إلاّ أنّهم يحتقرونها وينظرون إليها على أنّها أساس تعاستهم وبؤسهم ، بينما نجد القرآن يناقش هذا المطلب بالذات فيعتبر وجود المرأة باب خير للرجل ، وأساس سكنه وهدوء باله (… لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا …) (8) .
ومن النظريات ما كانت تغفل دور المرأة وأثرها في النسل والأولاد ، فقد كان عرب الجاهلية وبعض الأُمم الأُخرى ينظرون إلى المرأة على أنّها وعاء لنطفة الرجل ولا يعدو دورها الاحتفاظ بهذه النطفة وإنماءها . بينما يقول القرآن الكريم : (يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ …) (9) . فيساوي في الخطاب والمنزلة بين المرأة والرجل ، وهذا ما دلّل عليه في كافة خطاباته للمرأة والرجل في كافّة المواضيع ممّا أدّى في النهاية إلى القضاء على هذه النظرة عند الشعوب التي آمنت بالإسلام .
يتبيّن ممّا تقدم أنّ الإسلام من ناحية النظرة الفلسفية وأسباب الخلق لا يتضمّن نظرة احتقار إلى المرأة بل إنّه ردّ على النظريات التي تحتقر المرأة وفنّدها
ـــــــــــــــ
(1) سورة النساء ، الآية 1 .
(2) سورة البقرة ، الآية 35 .
(3) سورة الأعراف ، الآية 20 .
(4) سورة الأعراف ، الآية 22 .
(5) سورة الأعراف ، الآية 21 .
(6) سورة القصص ، الآية 7 .
(7) سورة البقرة ، الآية 187 .
(8) سورة الروم ، الآية 21 .
(9) سورة الحجرات ، الآية 13 .
18/5/150316
https://telegram.me/buratha