الصفحة الفكرية

أنماط الغضب ودواعيه في القرآن الكريم

11606 17:53:20 2015-04-25

مدح القرآن طائفة من المؤمنين بأنهم يتحكَّمون بانفعالاتهم عند سَوْرة الغضب، ويقابلون الإساءة بالإحسان

الدكتور عقيل جاسم دهش /  مركز دراسات الكوفة – جامعة الكوفة ..

           الغضب: هو استجابة انفعالية سلبية إزاء التعرض لمثير انفعالي تتحكم في سلوك الكائن الحي، وتدل على عدم تكامل شخصيته. ويقترن الغضب بتوتر انفعالي حاد يرافقه تسارع في نبضات القلب وتغيُّر لون الوجه نتيجة التعرض لموقف انفعالي، ويصدر عنه سلوك دفاعي.

 

وقد تطرق القرآن الكريم إلى نمطين من الغضب أحدهما مختص بالخالق والثاني مختص بالمخلوقين، أمّا غضب المخلوقين فقد مدح القرآن طائفة من المؤمنين بأنهم يتحكَّمون بانفعالاتهم عند سَوْرة الغضب، ويقابلون الإساءة بالإحسان، فيغفرون زلَّة الآخرين ويتجاوزون عن إساءة من يسيء إليهم، وليس ذلك فحسب بل يحسنون إليه ويكرمونه يغفرون له إساءته، وقد أشار القرآن إلى هذه الطائفة في قوله تعالى: (وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)( سورة الشورى: ٣٧)، وفيها نكاتٌ عدَّةٌ نوجزها بما يأتي:

ـ جاء استعمال البنية الاسمية في قوله (هُمْ يَغْفِرُونَ) لتثبيت المعنى المقصود وترسيخه في الذهن.

ـ استعمال أداة الشرط (إذا) لما هو متحقق الوقوع في معرض تأكيد حصول هذا الأمر وتحقيق وقوعه لحثِّ المتلقي للاتصاف بهذه الصفة المحمودة لتحقيق الاستجابة المطلوبة .

ـ تقديم المسند إليه في قوله (هُمْ يَغْفِرُونَ) لتقوية الحكم وتأكيده لكونه واقعًا في معرض الاستغراب، فضلًا عن إفادة التخصيص لإثبات تلك الفضيلة (الصفح في حال الغضب) لهم وحدهم ونفيها عن سواهم في معرض المدح لهم والثناء عليهم.

ـ استعمال الصيغة المضارعة في قوله (يغفرون) للدلالة على الزمنية المفتوحة، أو كما يقول البلاغيون لاستمرار الفعل وقتًا بعد وقت، لكون هذا السلوك يعكس منهجًا ثابتًا وسنَّة متَّبعة في التعامل مع الآخرين لاستقطابهم وهدايتهم وبخاصة للمخالفين لهم في الرأي أو المذهب أو المعتقد، أي هكذا هو دأبهم في كل الأزمان والعصور وأيّا كانت الظروف والأحوال.

ـ جاء التضاد بين الغضب والعفو أو (المغفرة) لإحداث خرق في البنية لكونه خارجًا عن المألوف، ففي العادة أن الإنسان يعفو ندمًا تستقرُّ نفسه ويذهب عنه الغضب، ومصداق هذا قوله تعالى :(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ)(سورة الأعراف: 154)، أما أن يعفو لحظة الشروع بالغضب واشتداد سَورته فهذا تجاوز للمألوف وانحراف في بنية الخطاب:

إذا ما غضبوا …..   – هم ينتقمون

                            – هم يبطشون

                             – هم يظلمون

   وإذا ما غضبوا ….. هم يغفرون!!

   إن امتناع الربط الوظيفي بين الشرط والجزاء بفعل تقنية التضاد بين (غضبوا) و (يغفرون) ساعد على تحقيق سرعة في الأداء التعبيري لنكتة دلالية مفادها أن المخصوص بالخطاب على قدر كبير من الاتزان النفسي والاستعداد الفطري لترويض النفس وكبح جماح الغضب، وأن المثيرات الانفعالية مهما بلغت قوتها فهي لا تحرك منهم ساكنًا لكونهم بأتم استعداد وبجاهزية عالية لمقابلة الإحسان بالإساءة أو الغضب بالعفو والمغفرة، أي إن تطلعهم لرضوان الله والظفر بنعيمه الأبدي يشغلهم عن التفكير في أمور الدنيا أو التأثر بأحوالها، فكلُّ ما فيها- في نظرهم- شيء لا قيمة له بإزاء ما عند الله من النعيم والرضوان ولذلك فهم ليسوا بحاجة إلى فسحة زمنية – إذا ما تعرضوا لمثير ما – لتهدأ نفوسهم ويسكت عنهم الغضب. وبتعبير آخر: (إنَّ الإرادة القوية لهؤلاء قد نابت مناب الفاء الرابطة لتقييد الجزاء بالشرط).

   وأمّا غضب الله عز وجل أو إنكاره على من عصاه فهو عقوبة صارمة أعدها الله لفئة من الناس ممن ابتعدوا عن ساحة الله وتجاوزوا حدوده واستخفُّوا بأوامره ونواهيه وتنكَّروا للمنهج الذي حدده الشارع المقدس لأجل التعبُّد لله وتطبيق أحكامه.

ولغضب الله في القرآن دواع عدة، هي:

الارتداد إلى الشرك: ورد في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ)( سورة الأعراف: ١٥٢)

الاعتداد بالكفر: ورد في قوله  : (وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ)( سورة النحل: ١٠٦)

سوء الظن بالله: ورد في قوله: (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ)( سورة الفتح: ٦)

مجاوزة الحد: ورد في قوله: (وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)( سورة طه: ٨١)

تعمُّد قتل المؤمن:ورد في قوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ)( سورة النساء: ٩٣)

الفرار في الحرب: ورد في قوله: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ)( سورة الأنفال: ١٦)

نقض العهد: ورد في قوله : (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي)( سورة طه: ٨٦)

شهادة الزور: ورد في قوله: (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)( سورة النور: ٩)

وقد اقترن غضب الله في القرآن بسبعة أنماط من العقاب، هي:

الهلاك: ورد في قوله : (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى)( سورة طه: ٨١)

الرجس: ورد في قوله : (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ)( سورة الأعراف: ٧١)

اللعن: ورد في قوله : (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ)( سورة الفتح: ٦)

المسخ: ورد في قوله : (مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ)( سورة المائدة: ٦٠)

الذل والهوان: ورد في قوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ)( سورة البقرة: ٦١)

العذاب الشديد: ورد في قوله : (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ)( سورة الشورى: ١٦)

الخلود في جهنم: ورد في قوله: (فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ)( سورة النساء:93).

 (مجلة ينابيع / العدد 59)

20/5/150425

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
المهندسة بغداد
2015-05-04
جميل
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك