✍🏻رجاء اليمني ||
ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتاً بل أحياءٌ عند ربِّهم يرزقون * فرحين بما آتاهُمُ اللّه من فضله ويستبشرون بالذين لـم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خـوفٌ عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمةٍ من اللّه وفضلٍ وأنَّ اللّه لا يُضيعُ أجـر المؤمنين] (169ـ171).
يلعب قادة ورؤساء الدول والشعوب عادة الدور الأساس في إدارة البلاد ، في الحرب كما في السلم ، وحيث يَعتبر أعداء تلك الدول أنه في تغيّيب القادة الفاعلين من خصومهم ، ضرورة وحاجة لتسهيل معركتهم. يُصبح استهداف هؤلاء القادة هدفاً رئيساً يُعمل عليه ليل نهار ، و في حال كان هؤلاء الأعداء فاقدين لاي رادع انساني او قانوني أو أخلاقي ، او لجميعها كما التحالف السعودي ، يصبح الاغتيال مُحللا لهم بشتى الأساليب والطرق ، و بمعزل عما يمكن أن تسببه جريمتهم من خسائر في أرواح المدنيين الأبرياء ، يبقى بالنسبة لهؤلاء المجرمين ، القانون الدولي و قانونُ الحرب والنزاعات المسلحة ، حبراً على ورق ، وبنوده لا تُنَفّذ ، وتُدرج فقط لتتزين بها أروقة وجدران جمعية الامم المتحدة .
من هنا وفي هذا الإطار ، جاءت جريمة اغتيال الشهيد صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن ، أولاً لتؤكد أهمية الدور الذي كان يلعبه الشهيد في إدارة معركة الدفاع عن اليمن ، وثانياً لتعطي فكرة واضحة عن الافلاس العسكري والأخلاقي الذي أصاب القتلة مجرمي التحالف الأميركي السعودي ، على خلفية فشلهم في هذه الحرب .
لقد كان لافتاً الدور الذي لعبه الرئيس الشهيد ، من خلال إدارة قدرات وجهود أبناء اليمن الشرفاء في معركة الدفاع عن اليمن في اصعب الظروف ، وبمواجهة تحالف اخطبوطي ، يملك – بالمبدأ – إمكانيات ضخمة في المال والسلاح والإعلام ، بالإضافة لامتلاكه سطوة غريبة على العديد من الدول و على منظمة الأمم المتحدة. وقد فرض الرئيس الشهيد نفسه في هذا الدور المميز من خلال قدراته التالية :
1- شخصيته وأخلاقه:
– قد تكون الشهادة الأكثر تعبيرا عن مميزات الشهيد الرئيس صالح الصماد ، هي التي جاءت في الخطاب الاخير للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي ، فانطلاقا من إيمانه والتزامه الديني الصادق ، تحمّل الشهيد المسؤولية في أصعب الظروف وأخطرها ، و حيث كان فاهِما ومُدرِكاً لِحاجة الاعداء لتغييبه ، ولحتمية ذهابهم حتى النهاية في ملاحقته ، لم يتهرب من تحمل المسؤولية ، و واضعاً شرف التضحية بحياته نصب عينيه. لم يتأخر يوما في التواجد حيث يجب أن يكون ، قائدا لمعركة الدفاع و الصمود حتى النصر .
– مقارنة مع حكام ورؤساء سبقوه في منصبه ، من الذين استغلوا الموقع لتكديس الارصدة المالية وامتلاك العقارات والاستثمارات ، عاش الشهيد زاهدا فقيرا شريفا ، وحيث كان دائما قريبا من هموم الناس ومعاناتهم ، استشهد في أحد أحيائهم الفقيرة المعدومة المدمرة .
2- قدرته في ادارة المعركة في الميدان
– كانت دائما جولاته الميدانية في المواقع والجبهات الأكثر خطراً ، والتي كانت في الحقيقة تشكل المواقع الأكثر تأثيرا في مسار معركة الدفاع عن اليمن ، وحسّه الأمني والعسكري كان يدفعه دائما للتواجد في المكان الحساس وفي التوقيت المناسب ، وحيث امتلك مع السيد عبد الملك الحوثي نظرة استراتيجية ثاقبة ، كان لمشروع تطوير القدرة الصاروخية اليمنية والذي كان احد رواده ، دور فعال في فرض معادلة استراتيجية وفي تثبيت ونجاح معركة الدفاع عن اليمن .
– من خلال إيمانه بقدرة الشعب اليمني على الصمود والمواجهة رغم الظروف والإمكانيات المتواضعة ، كان من المتابعين الدائمين للوحدات العسكرية ، تدريباً وتجهيزاً وتخطيطاً ، وبحضوره الدائم لأغلب المناورات العسكرية من جهة ، و لاحتفالات تخريج قوات الامن المركزي أو عناصر القوات المسلحة ، استطاع البقاء على مسافة قريبة من تلك الوحدات ، مكَّنَته من قيادة وإدارة جبهات المواجهة و معارك الصمود في كافة ميادين القتال ، داخل اليمن او على جبهة ما وراء الحدود في المحافظات السعودية ، نجران وعسير وجازان ، حيث فرضت تلك الوحدات معادلة ميدانية استراتيجية لا يمكن تجاوزها .
· إمكانياته السياسية والديبلوماسية في إدارة التفاوض والمعركة الخارجية
من خلال خبرته السياسية والديبلوماسية ، أدار مفاوضات الضغط والابتزاز التي كان يمارسها التحالف السعودي الاميركي ، ومن ورائه المجتمع الدولي ، على أبناء اليمن ، وحيث كانت تلك المواجهة الديبلوماسية مع مبعوثي الامم المتحدة او مع مبعوثي الدول الإقليمية والغربية ، تتزامن دائما مع المواجهة الميدانية على الجبهات ، من دون أن تختلف كثيرا عنها في شراستها وفي حساسيتها ، استطاع بقدراته و بثباته ، الصمود في وجه ضخامة الإغراءات وأشكال الابتزاز والضغط والتهديد والوعيد .
من خلال وعيه وحكمته ايضا ، ساهم مع السيد عبد الملك الحوثي ، في تخطي الجبهة الداخلية للقطوع الاخطر ، في ملف الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، وحيث كان مُخططاً عبر هذا الملف توجيه ضربة قاضية لمعركة الدفاع عن اليمن ، عبر نشر الفتنة والانقسام الداخلي ، خرج الداخل اليمني أكثر مناعة وقوة وتماسكا .
وأخيراً ، بقدر ما كانت خسارة اليمن – دولة وشعباً وجيشاً ولجاناً شعبية – غير بسيطة ومؤلمة عبر استشهاد الرئيس الصماد ، بقدر ما ظهر اليمنيون متماسكين أشداء في مواجهة للحرب الكونية على اليمن. وحيث برهنت هذه المدرسة اليمنية اللافتة التي وُلِد منها الرئيس الشهيد ، و التي صقلتها معمودية الحرب والصمود والميدان؛ أنها قادرة على خلق العديد من القادة الأكفاء.
يبدو ان رئيس المجلس والسياسي الأعلى الجديد ، الرئيس مهدي المشاط هو البديل المناسب الذي سيقدم ، اولاًِ لروح الشهيد التقدير الذي يستحقه ، عندما يبرهن ان لا شيء تغير في قيادة معركة ابناء اليمن ، و الذي سيقدم ثانيا للمجرمين أعداء اليمن ، الصفعة التي يستحقونها ، عندما يكتشفون أن الرئيس الشهيد صالح الصماد ما زال بطيفه وبروحه ، يقاتلهم كما يجب أن يُقاتَلوا .
وأنت تتحدث عن الشهداء لا يمكنك إلا أن تشعر بهيبة الموقف وجلال اللحظة والمقام، فتغيب عنك الكلمات، ويستعصي عليك الحديث، وينتابك شعور حقيقي بأن العظماء فعلاً أكبرُ من أن تختزلهم عبارة أو يستوعبهم تعريف، أما وأنت تعيش ذكرى رحيل ذلك العظيم، والأخ الغالي والولد البار الرئيس الشهيد صالح بن علي الصماد فإنك هنا ستعيش ولا بد واقعاً في الذهول والحيرة؛ فلا تدري من أين تبدأ وإلى أين تصل أو تنتهي، ويبدو لك الصماد بحراً من أي الجهات أتيته، ويصبح هو نفسه الكلمة التي تختزل أسمى المعاني، وأشرف المواقف، وأغلى الرجال، وأعز التضحيات ، فأنعم به من كلمة طيبة (كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين) ..
لقد عاش الصماد لله ثم للوطن والشعب فكان عند الله ذلك العبد الصالح، الذي أصبح في ضمير الشعب والوطن، ذلك الابن البار والمجاهد المخلص والرمز الذي لا يغيب ولن يغيب. ولذلك لا أرى في ذكري رحيله ما يميزها أو يجعلها مختلفة عن بقية الأيام فشهيدنا الكبير قهر بالفعل كل مظاهر الغياب حتى صار فينا ومعنا وبيننا نموذجاً ملهماً، ودليلاً مرشداً إلى كل معالي الأمور ومكارم الأخلاق ، وما إن غاب شخص الشهيد الصماد – سلام الله عليه – حتى حضر دمه شاهداً على وحشية العدو وعلى تماديه في البغي والعدوان وإنتهاكه لكل أخلاق وأعراف الحروب ، وشاهداً أيضاً على عدالة القضية التي ضحى من أجلها، وعلى عظمة المدرسة التي تخرج منها ، والقيادة التي رعته عبر مراحل عمره النضالي والجهادي الواسعة والمتعددة ..
لقد ظن العدو أنه بإقدامه على هذه الجريمة سيطوي روح الصماد فينا بما ترمز إليه من قضية ومن صمود وإرادة، وأنه بذلك سيكون قد أربك الصفوف وفتح على هذا الشعب العظيم باب الانكسار والانهزام؛ ولكن الله خيَّب ظنه، وها هو الصمّاد منذ يوم رحيله المؤلم يحضر في ضمير شعبه روحاً طوافة، وصموداً يتعاظم، وإرادة لا تنكسر وعزماً لا يلين، وينتشر بيننا عطراً يضوِّع في المجالس، وحافزاً يشعل جذوة الثورة، ويلهب الحماس في الشباب، وحادياً يجوب المجتمعات ويملأ الجبهات، ومازلنا نسمعه اليوم تسبيحاً ودعاءًا في أذكار العارفين، وعلى شفاه المجاهدين، مثلما نراه أيضاً وميضاً وبأساً في عيون المقاتلين، وفي رصاص المقتحمين في دلالة واضحة على أن الشهداء لا يموتون، وأن العدو كلما أمعن في قتل مواطن من أبناء شعبنا الصامد فإن عليه أن يعد نفسه لظهور ألف صمّاد وصمّاد ..
لايسعني في آخر كلامي الا أن انعي نفسي وكل اليمنين وأبشر العالم والأمة الإسلامية بأن صمّادنا حي في قلوبنا ليكتب لنا الإنتصار وفاءًا لدماء الشهداء، ومبشراً كل الصابرين والصامدين على نهجهم ونهج رفاقهم المدافعين عن الدين والذائدين عن حمى الشعب والوطن بما بشرهم به ربُّ العالمين في قوله تعالى:-
ونُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وقوله (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ:49]، وقوله: *وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ
والعاقبة للمتقين
https://telegram.me/buratha