عبدالملك سام ||
يقول أمل دنقل : "وغدا .. سوف يولد من يلبس الدرع كاملة ، يوقد النار شاملة ، يطلب الثأر ، يستولد الحق من أَضْلُع المستحيل" ، وهو كلام يلخص الكثير عما كنا نعيشه - هنا في اليمن على الأقل - قبل أن نتغير . ضياع شخص يعتبر أمرا محزنا ، أما أن تضيع أمة بأكملها فهذه فاجعة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .
أن أتكلم عن شخص إستثنائي كالسيد حسين بدر الدين يعتبر مغامرة لمن لم يعش معه في تلك المرحلة الصعبة ، ولكن مما يجعل الأمر ممكنا هو عندما نرى مشروعه قائما بعد أن زالت أسباب الكبت ومحاولة التعتيم على سيرة هذا الرجل العظيم ومشروعه .
هناك سؤال يلح علي كلما فكرت أن أكتب عن السيد حسين ألا وهو : ماهو الشيء الذي دفع السيد حسين للتحرك بهذه الفاعلية والقوة من بين الناس الذين حوله ، رغم أن الظروف التي عاش فيها لا يمكن أن تكون مؤثرة بهذا القدر الذي أحدثه تحركه فيما بعد ؟! لقد زرت مران ورأيت بساطة الناس هناك ، وبصراحة أني لم أصدق حينها أن هذه المنطقة البسيطة "جدا" قد أنجبت رجالا دقوا بأيديهم المتعبة باب أعتى وأشرس إمبراطورية عبر التاريخ !
كان السيد الشهيد مدهشا بمنطقه البسيط ، ولعل هذه البساطة التي كانت تلامس قلوب مستمعيه هي ما أرعبت قلوب المجرمين ؛ فهم أرادوا للأمة أن تظل خانعة مستكينة تعيش الضلال وتشكر الله عليه ! لقد كان كلام السيد حسين صادقا لدرجة أنه كان يصدم من يستمع اليه لدرجة أن السيد كان ينهي محاضرته دون أن يدرك الناس أنه أنتهى فعلا ؛ فقد كان تأثيرها كبيرا رغم أنه لم يتكلم إلا بمنطق القرآن الذي كان يرتله معظمنا مئات المرات !
أنها قوة الحق ، ومنطق الحق ببساطته وقوة معناه ، وقد بذل السيد حسين كل جهده ليجعلنا نفكر بحرية ودون قيود ، فقد إستطاع الأعداء أن يغيروا طريقة تفكيرنا عبر قرون من المؤامرات والحروب الناعمة الخبيثة حتى قلبوا لنا الأمور ، فبات الحق باطلا والباطل حق ، ولعقود رأينا أن الهوة كانت تتسع بين الأباء والأبناء ، وضاعت الأخلاق شيئا فشيئا ، وكنا نتحرك بطريقة لا تخدم إلا أعدائنا ، بل لم نعد نعرف من العدو من الصديق ! وبمرور الأيام تزداد معاناتنا ، وضياعنا ، لذلك كان لابد أن نجد من يرشدنا بعد سنوات من البحث واليأس .
لو أردت أن أكتب عن الشهيد القائد لكنت في حاجة لعشرات المجلدات ، ولا أرى أني لذلك كفء ، ولكن يكفي الباحث منا أن يقرأ ما تركه لنا الشهيد من ملازم ليستطيع أن يصل للحقيقة بنفسه ، وهي رغم قلتها إلا أنها أستطاعت أن تلهم الملايين ، وما تزال هذه الكلمات التي القاها الشهيد تتداول بين الناس وتغير حياة الآلاف كل يوم ، وستظل تؤثر وتلهم المستضعفين إلى ما شاء الله . كيف لا وهي دروس من هدي القرآن الكريم الذي لا يدرك قعره ؟! تأملوها لتفهموا ماذا فقدت الأمة يوم أن تكالب الباطل ضد الشهيد القائد ، وأنا متأكد أن من يقرأها لن يتجاوز أثنان : مهتدي وضال !
في الختام ، عليك يا حسين العصر وعلى أباءك مني سلام . وفي ذكراك يا ملهم الثوار ، يعجز الحرف أن يبوح بكل ما في الضمير من عرفان لك يا سيدي ، وعذري منك أنني منذ عرفتك لم أعد أحد التائهين في الظلمات ، ومع مرور الأيام يزداد الطريق وضوحا ونحن نرى ما حدثتنا عنه يتجسد في هذا الزمن الذي نعيشه حقائقا كما قلت . علمتنا كيف نكون أحرارا ، وأن نغير واقعنا لنعيش كرماء ، وها نحن قاب قوسين أو أدنى من تغيير وجه هذا العالم الذي تسلط عليه الظلم وأزداد فيه عدد المظلومين .. فالسلام عليك ما تعاقب الليل والنهار ورحمة الله وبركاته .