عبدالملك سام ||
في كل ليلة من هذا الشهر الكريم يطل علينا القائد بمحاضرة بسيطة في لغتها، ولكنها عميقة فيما تقدمه من معرفة، وهذا ما جعلني أفكر في أهمية العمل الذي يقدمه السيد عبدالملك الحوثي بإصرار رغم كثرة أعماله! أما ما لفت نظري هو الهجوم الشرس الذي يشنه أعداء شعبنا ومرتزقتهم على هذه المحاضرات رغم أنهم يؤكدون أنها غير مهمة! وهذا يدل على فاعليتها التي جعلتهم يخافون منها.. فلماذا؟!
خلال العقود الماضية، قام النظام السعودي بهجمة ثقافية عنيفة في محاولة نشر الفكر الوهابي التكفيري في جميع البلدان الإسلامية، ومنها بلدنا. وفي سبيل السيطرة على المرجعية الدينية للأمة أنفقت السعودية - وبتوجيهات بريطانية ثم أمريكية - مليارات الدولارات لتحقيق أهداف أعداء الأمة، وقد رأينا خطورة هذا الأمر عندما استطاعت الولايات المتحدة وعبر هذا الفكر أن تجند الأمة في معاركها الخاصة كما حدث في أفغانستان وغيرها من البلدان، ثم رأيناه في مواطن أخرى لعل أخطرها توسيع الفجوة بين المسلمين حتى بات توحدهم على رأي من المستحيلات، حتى على مستوى الأمور الصغيرة كرؤية الهلال والحج والعبادات؛ فقد أنتشرت الفوضى حتى وصل الأمر إلى تنافس الدول الغربية على قيادة الأمة والسيطرة على ثرواتها ومقدساتها!
ببساطة فإن المحاضرات التي يلقيها القائد قد أفشلت جهود المنافقين التي أستغرقت منهم سنوات وأموال لا طائل لها، وهذه المحاضرات ببساطتها وصدق كلماتها كونت بعدا فلسفيا واضحا مكن المستمع لأن يخرج من أوهام الضلال، وبإستمرارها ستغطي جوانبا كثيرة مما يهم الناس في حياتهم، وبينت عظمة الفكر الإسلامي المستمد من ثقافة القرآن الكريم. وبعد أن كانت الأفكار الوهابية تؤدي دور معول الهدم في الأمة، فإنها لم تصمد أمام الكلمات التي تحاكي العقول والوجدان والتي يلقيها السيد القائد على مسامعنا بحرص لبناء أمة عظيمة.
الخطوة التالية التي يجب أن نركز عليها تاليا هو تعميم هذه الرؤية لنشر المعرفة في جميع الجوانب، فكما رأينا فإن أمتنا تعاني من شتى أنواع الفتن والأوضاع المتردية، والسبب الرئيسي يتمثل في الجهل؛ فبينما تتسابق الأمم في اكتساب المعرفة التي تعرف أنها الحل لمواجهة كافة مشاكلها، نرى أن الوضع لدينا يزداد سوءا مع إنتشار الجهل، ومن مظاهر هذا الجهل أن نرى أمتنا وهي في أسواء مراحلها حتى قال أحد المفكرين اليهود مستهزئا أننا أمة لا تقرأ!!
يجب أن نخرج من مستنقع الجهل، فالإسلام دين حياة وبناء، ولكي نستطيع الخروج من وضعنا السيء الذي صار تأثيره يصل إلى كل مناحي الحياة، يجب أن نقرأ، وأن نشجع أبنائنا على حب القراءة والمعرفة، وأن نتبنى رؤية علمية صحيحة بدلا عن التخبط الطويل الذي نعاني منه؛ فالجهل هو المشكلة. أما ماذا نقرأ فالأمر راجع أولا لكل أب وأم على مستوى الأسرة، أما على المستوى الوطني فالأمر عائد على الحكومة في تعميم مشروع معرفي إبتداء من المدارس ولو على مراحل، وبدلا عن حشو عقول الأطفال بمعارف لم تؤدي لنتائج ملموسة، فإن تحسين العلوم التطبيقية والأكاديمية كفيل بإحداث تغيير كبير ونهضة في جميع المجالات.. فما رأيك عزيزي القارئ؟!
أليس من المعيب أن يكون المصدر الأهم - وربما الوحيد - لتثقيف ملايين الناس في بلداننا هي مواقع التواصل الإجتماعي، بينما باقي الأمم تسعى لتشجيع أبنائها على العودة للقراءة؟! أليس من المعيب أن تكون أفضل كتب مناهج أبنائنا هي تلك الكتب الخاصة باللغة الإنجليزية التي تصل إلينا بثقافتهم، بينما مناهج العلوم والتاريخ واللغة العربية تعاني من مستواها الضعيف الذي لم يتغير منذ عشرات السنين؟! أليس من المعيب أن الأمة التي أمرها الله بأن تقرأ لم تعد تقرأ سوى النكات والأفكار الغريبة؟! وبينما يتنافس الأوروبيون على من يقرأ أكثر ويبتكر أكثر، يتنافس المسلمون في مجالسهم من يلقي نكاتا أكثر!
أخيرا .. يظن البعض أن مشاكلنا كلها ستحل إذا ما أمتلكنا الثروة، وأسمح لي يا عزيزي أن أصدمك بالحقيقة، فهذا غير صحيح! والدليل على هذا أن السعودية صاحبة أكبر ثروة نفطية في العالم لم تستطع منذ نشأتها أن تخرج للعالم ولو عالما او أبتكار علمي واحد! بينما بلد كالسويد الذي لا يمتلك ثروات يركن عليها تتصدر الدول صاحبة أعلى دخل للفرد عالميا! اذن فالمعرفة هي ما تصنع الفارق حقا! وبالعودة لبداية المقال فهذه دعوة حريصة لتبني رؤية قائدنا الحريص على شعبه لتعميم رؤيته لتشمل كل مناحي الحياة، في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا وحتى في بيوتنا؛ فهي دعوة للحياة..