عدنان علامه ||
/ عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين.
دعت "مجموعة الرباعية" في إجتماعها الأخير، على هامش أعمال الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى تجديد الهدنة التي انتهت مطلع الشهر الحالي.
وأكّدت وزارة الخارجية في حكومة صنعاء رفضها الدعوة وأفادت بأن المبادرة أظهرت الرباعية كأنها "تحاول فرض الوصاية على الجمهورية اليمنية وشعبها، عبر موقفها بشأن العدوان".
فقالت وزارة الخارجية، في بيان صادر عنها يوم السبت الماضي : "إذا كانت ما تسمى الرباعية جادة في الحديث عن السلام، فعليها إثبات ذلك للمجتمع الدولي، من خلال إعلان إنهاء العدوان العسكري ورفع الحصار الشامل، وليس إشادة ببعض الخطوات الإنسانية غير الكافية لمواجهة تداعيات الكارثة الإنسانية التي أوجدتها دول العدوان".
وجددت وزارة الخارجية تأكيد "موقف صنعاء، الذي لا غبار عليه، والذي تم تكراره عبر أعلى مستويات القيادة، ومفاده أنها مع السلام العادل والمشرف للشعب اليمني"، داعيةً "دول العدوان إلى تغيير استراتيجيتها من الحرب العدوانية إلى السلام".
وأكّد بيان وزارة الخارجية أن "صنعاء لن تبقى مكتوفة اليدين من أجل تمييع الهدنة بقصد إدخال البلاد في حالة اللاحرب واللاسلم".
ولا بد من معرفة أعداد الضحايا والخسائر الإقتصادية وإلتزام تحالف العدوان بتعهداته خلال الهدنة السابقة قبل تقييم جدوى التجديد. فقد اعلنت وزارة الصحة في صنعاء: 10 تموز/ يوليو 2022 : "بلغ عدد ضحايا خروقات تحالف العدوان 387 شهيداً وجريحاً مدنياً منذ بدء الهدنة"
وكشف المركز اليمني لحقوق الانسان بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر 2022 ، انّ إجمالي الخروقات العسكرية للهدنة وصل إلى 14 ألفاً و421 خرقاً، ما تسبّب في سقوط 70 شهيداً من المدنيين، ونحو 90 جريحاً، خلال 160 يوما من انطلاقها، مطالبا بانهاء العدوان.
فلننتقل سويًا من سرد التصريحات والوقائع إلى التحليل للمقاربة بين اسباب الإصرار على الهدنة ورفض حكومة صنعاء الأمر برمته.
فلكي ننتصر على أعدائنا الإستراتيجيين والتكتيكيين علينا معرفة ماهية تفكيرهم وآلية تنفيذ مخططاتهم لكي نفشلها قبل تنفيذها.
تمتاز الحركة الصهيونية بالتخطيط الإستراتيجي طويل الأمد؛ فعلى سبيل المثال أقرت هذه الحركة أثناء إنعقاد مؤتمرها الأول العام 1897 في مدينة بازل سويسرا "إنشاء وطن قومي لليهود" دون تحديد مكان ذلك الوطن، واستمروا 50 عامًا في العمل الدؤوب حتى حددوا بأن الوطن القومي سيكون في فلسطين؛ فصدر "وعد بلفور" وتطورت الغدة الصهيونية تتغلغل في جسم الأمة العربية حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم.
وعلينا تحليل شخصيات البلدان التي طلبت تمديد الهدنة والتي تنحصر في اللجنة الرباعية والتي يصب جهود أعضائها في خدمة الكيان المؤقت :-
1- أمريكا : تعهدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالتفوق العسكري الصهيوني والدعم السياسي غير المحدود. فقد منعت أمريكا مجلس الأمن من إدانة الكيان الصهيوني باستعمالها الفيتو.
واللافت أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أكد خلال خطاب ألقاه في مستهل الزيارة التي يجريها إلى دولة الاحتلال بتاريخ الخميس، 14 تموز/ يوليو 2022 ، أنه يتبنى الفكر الصهيوني.
وقال بايدن أثناء خطابه في مطار اللد: "أنا صهيوني ولا يتعين على المرء أن يكون يهوديا لكي يكون صهيونيا".
2- بريطانيا : وهي سبب مأساة الشعب الفلسطيني بإصدارها "وعد بلفور"، وهي الآن مجرد تابع للسياسة الأمريكية. واللافت بأن رئيسة الوزراء الحالية ليز تراس تفاخرت بأنها صهيونية وداعمة كبيرة لـ "الكيان المؤقت".
فقد تحدثت رئيسة وزراء بريطانيا ليز تراس بذلك في حفل أقيم يوم الأحد الماضي لمجموعة تُدعى "أصدقاء إسرائيل المحافظون" وهي مجموعة برلمانية تابعة لحزب المحافظين البريطاني.
3- السعودية :- هي قائدة تحالف العدوان الكوني على اليمن؛ كما هي الراعي الخلفي للتطبيع الخليجي بحيث ستكون آخر الموقعين على التطبيع المطبق حاليًا والذي شمل تبادل الزيارات ووصول مراسل صهيوني إلى جبل عرفة خلال إداء فريضة الحج هذا العام؛ والأخطر من ذلك فقد تم فتح المجال الجوي أمام طيران العدو.
4- الإمارات العربية المتحدة : هي الشريك الرئيسي في قيادة تحالف العدوان على اليمن؛ وتبين ان لها تاريخ عريق في العلاقات السرية مع العدو قبل إعلان التطبيع.
فإذا لاحظنا بأن اللجنة الرباعية هي صهيونية الهوى بإمتياز؛ وتنفذ الإرادة الصهيونية في إحتلال اليمن وتحديدًا الجزر التي تتحكم بالملاحة الدولية في خليج باب المندب وخليج عدن.
ما قلته ليس من باب التنجيم او تحليل دون دليل وإنما هو تصريح غير قابل للتأويل لقادة العدو في العام 1966 للسيطرة على باب المندب :-
كانت بريطانيا تستعد لمغادرة جنوب اليمن، بما في ذلك الجزر المحتلة ومنها ميون وسقطرى وكمران، سرعان ما تحركت تل أبيب مطالبةً لندن بالابقاء على احتلالها لجزيرة ميون/ بريم، المشرفة على مضيق باب المندب. وتذكر مصادر تاريخية أن بريطانيا استجابت للطلب الإسرائيلي الذي قدم مطلع العام 1967م، ورأت الإحتفاظ ببعض قواتها في جزيرة بريم، بحجة حماية عدن من أي إحتلال خارجي. وبحسب المصادر، فإن الكيان الصهيوني أبدى خشيته من تعرض الملاحة الإسرائيلية للخطر في حال خروج القوات البريطانية ورحيلها عن جنوب اليمن.
وجاء على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي، في 29 يونيو 1966م، القول: إذا سقطت جزيرة بريم (ميون) في أيد غير صديقة، فقد ينجم موقف خطير كما حدث في خليج العقبة وعلى نطاق أخطر، مطالباً بريطانيا بعدم الإنسحاب من الجزيرة والاحتفاظ بها حتى وضعها تحت الإدارة الدولية.
ولهذا كان إحتلال اليمن خدمة للعدو الصهيوني والتركيز على إحتلال كافة الواجهة البحرية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
وإلى جانب ذلك فهناك مشاريع تجارية لإحياء خطوط السكك الحديدية بين دول الخليج والكيان الغاصب وذلك بالإستغناء عن مرفأ بيروت والتركيز على ميناء حيفا وإلغاء التبادل التجاري عن طريق البر من لبنان عبر سوريا. وهذا الأمر يضع أمريكا والعدو الصهيوني في دائرة المسؤولية المباشرة في تفجير مرفأ بيروت بطريقة عرضية.ولا بد من الإشارة بأن السفير السابق في لبنان جيفري فيلتمان، ووزير الخارجية بومبيو قد هددا لبنان صراحة :" لبنان أمام إحتمالين؛" إما الفقر الدائم أو الإزدهار المحتمل".
فما هي تلك المشاريع المشتركة البعيدة المدى مع العدو الصهيوني:-
توجه وزير النقل والإستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتز، الأحد 04 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، إلى سلطنة عمان للمشاركة في مؤتمر النقل الدولي الذي يقام في العاصمة مسقط خلال الفترة من 6 إلى 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، حسب إعلام العدو.
وقال الوزير كاتس، كما نقل عنه الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرنوت”: “هذه زيارة تاريخية ستحسن العلاقات بين إسرائيل وسلطنة عمان، وأعتزم تقديم وتعزيز مبادرتنا المشتركة (سكك حديدية من أجل السلام الإقليمي) لربط دول الخليج بإسرائيل والبحر المتوسط”.
وأشار إلى أن هذا سيخلق محورا سيتجاوز إيران.
وأضاف الوزير أن ” تطبيعا من خلال قوة” أمر مهم وسيكون قابلا للتنفيذ.
وتأتي زيارة الوزير الإسرائيلي بعد قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في السادس والعشرين من الشهر الماضي بزيارة لسلطنة عمان بدعوة من السلطان قابوس بن سعيد.
وفي المقابل فإن الحوثيين قد أخذوا القرار بعدم التجديد للهدنة لأن قوات تحالف العدوان إستغلت فترة الهدنة لتكثيف عمليات سرقة الثروات اليمنية من ذهب ومعادن ونفط وغاز ومن ثروات حرشية وسمكية واعشاب طبية نادرة في جزيرة سقطرى.
ولم تفهم قيادة تحالف العدوان رسائل العروض العسكرية المهيبة في الحديدة وميدان السبعين وعرض الوحدات الأمنية؛ والتي كانت كالتالي:-
1- 01 أيلول/سبتمتر الماضي عرض الحديدة تحت مسمى "عرض الآخرة" وشارك فيه أكثر من 25000 جندي وتتصمن العرض أسلحة حديثة جدًا.
2- 15 أيلول/سبتمبر الماضي ،أكبر عرض للوحدات الأمنية في تاريخ اليمن بإسم "لهم الأمن“.
3- 21 أيلول/سبتمبر الماضي أكبر عرض عسكري بمناسبة الذكرى الثامنة لثورة 21 سبتمبر وتم عرض أحدث الصناعات العسكرية اليمنية والتي دخلت الخدمة في القوات البرية والبحرية والجوية.
ويبدو أن قوات تحالف العدوان تجاهلت عن عمد مطالب الحوثيين من ضرورة إنهاء الإحتلال العسكري ودفع الرواتب دون إضافة المرتزقة والإلتزام بجداول رحلات الطيران من مطار صنعاء وعدم عرقلة السفن المتوجهة إلى ميناء الحديدة والإلتزام التام بوقف إطلاق النار. ولذا دعا المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، اليوم الثلاثاء، المستثمرين في السعودية والإمارات إلى "نقل استثماراتهم إلى دولة أخرى"، مؤكداً أنّ "الاستثمار في الإمارات والسعودية محفوف بالمخاطر".
وقال سريع، في تغريدة له عبر تويتر، "أخي المستثمر، حرصاً منا على ألّا تخسر أكثر، يجب نقل استثمارك من دولة معتدية إلى دولة أخرى، فالاستثمار فيها محفوف بالمخاطر، كالإمارات والسعودية"، مضيفاً أنّ "الفرصة سانحة".
وبالتأكيد لن تكون هذه الفرصة مفتوحة لمدة طويلة لأنه حان الوقت لتعيد قوات تحالف العدوان قيمة الثروات المنهوبة من نفط وغاز وذهب ومعادن ثمينة سرقتها طوال 7 سنوات. ولقد أعذر من أنذر.
وإن غدًا لناظره قريب
05 أيلول/سبتمبر 2022
ــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha