عبدالملك سام ||
مع أقتراب نهاية كل عام دراسي تزداد حفلات التخرج، وتلتقط الصور التذكارية للطلاب وأسر الطلاب بكل فخر وإعتزاز، ناهيك عن دموع الفرح التي تذرفها الأمهات والأباء فرحا بهذه المناسبة، والجميع يدعي السعادة بحصول أبناءه للشهادات لا بمقدار العلم الذي يحمله، ولذلك ستستمر المأساة عاما بعد عام، والعجيب أننا جيلا بعد جيل وبعد كل هذه الحفلات والشهادات لم نتعلم شيئا بعد!
شر البلية ما يضحك، ونحن لدينا الكثير مما يضحك منه وعليه، وحتى نحن نتندر بأن معظم طلابنا يتخرجون من الجامعات وهم لا يستطيعون قراءة صفحة واحدة من أي كتاب دون إقتراف عشرات الأخطاء، ناهيك عن كتابتها! والمضحك في الأمر أننا في وجود هذه الكارثة المسماة العملية التعليمية، لا نزال نتسائل عن سبب تعاظم مشاكلنا التي نعاني منها في شتى المجالات؟!! أليس هؤلاء المتخرجون هم من سيتولى أمور وإدارة المجتمع والحكومة مستقبلا؟ فلما العجب؟!
نحن من ضمن البلدان التي يطلق عليها دولا "نامية"، ومن لا يعجبه هذا المصطلح فأنا أتفق معه، فالمفترض أن نسميها نائمة أو تائهة أو ضائعة، وبلداننا تعاني من أوضاع مزرية بدءا من شوارعها ومستشفياتها ومحاكمها ووزاراتها وصولا للعلاقات التي تربط المجتمع ببعضه، وفساد في كل المجالات حتى النخاع، ثم أنها - وهذا ما يجعل الأمر أشد وأنكى - لا تعرف من أين تبدأ لتخرج من هذه المأساة!
من منا لا يكره فكرة أمريكا وأخواتها؟ تلك الأنظمة التي قامت على جثث سكان الأرض الأصليين بحجة أنهم متخلفين ولا يستحقون أن يعيشوا على أرضهم! ولكنه كره اعمى لأننا لا ننظر بعين الحقيقة لأسباب القوة، خاصة قوة العلم! نحن فقط نكرههم لأنهم يزدروننا ويسرقون ثرواتنا ويتلاعبون ببلداننا، ولكننا لا نفكر لماذا هم قادرون على فعل ذلك بنا؟!
في إحصائية جوائز نوبل للعلوم بين الأعوام 1901م وحتى 2013م فإن نسبة الأمريكيين الحاصلين على الجائزة بلغ 42% فيما أن نصيب المسلمين فيها نسبة ضئيلة لا تكاد تذكر، ومن حصلوا عليها غالبا فإن الغرب يستقطبهم للعمل لمصلحته!
الواقع مرير ولن يتغير إلا إذا غيرنا نظرتنا نحن لأنفسنا وواقعنا، والأمر ليس صعبا لو أهتمينا بأمرين، الترجمة ووتغيير نظرتنا للعلوم والعملية التعليمية، أي أن تتم عملية ترجمة لكل العلوم الهامة الحديثة التي نحتاجها كما فعلت أوروبا عندما خرجت من عصور الظلام.
وأما تغيير النظام التعليمي فهو من خلال فرض عملية القراءة على طلابنا وشبابنا في جميع المجالات، والأمر بسيط لو وجدت النية الخيرة، فبالإمكان البحث عن أفضل نظام تعليمي وترجمته وتعديله بما يناسبنا، ثم تطبيقه في بعض مدارسنا قبل تعميمه، والإستمرار في هذه العملية بعد إعادة النظر في المقررات الدراسية خاصة القراءة والتاريخ، وهذا كفيل بتغيير طريقة تفكير الأجيال القادمة وإحداث التغيير المنشود.
الطالب المسكين الذي يعاني من الحشو ليس المسئول الأول عن واقع التعليم المزري، ويجب علينا أن نفكر ونحن نقوم بتلقينه العلوم كيف نجعله يستفيد مما يقرأه، وكيف نغير نظرته للعلوم حتى يبدع، وهذا الأمر ما سيجعل هؤلاء يصلحون ما أفسدناه، فهم حكام المستقبل، وأي جهد نبذله اليوم لتحقيق هذا الهدف سيرجع علينا وعلى بلداننا بالخير.. هي دعوة لثورة معرفية وتعليمية ستضمن تحقيق كل اهدافنا، وكما قال الراحل (محمد حسنين هيكل): "الثورة قيمتها أنها استثمار في المستقبل".. ودمتم بوعي.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha