عبدالملك سام ||
كلنا يعرف ذلك الشعور عندما تكون قريبا من تحقيق هدف بعد أن تكون قد خططت لتحقيقه وبذلت جهودا كبيرة ولمدة طويلة، ولكن فجأة يظهر لك شيء غير متوقع، فتشعر بشيء يشبه "الخازوق" العثماني ذائع الصيت.. هذا بالضبط ما حصل مع النظام السعودي عندما تمكن الجيش من تحرير محافظة الجوف بحركة خاطفة قبل ثلاث سنوات تقريبا، ومنذ ذلك الحين والسعوديون يشعرون بالمرارة كلما ذكر أسم الجوف..
إحدى الدراسات التاريخية الدولية الهامة أكدت أن منطقة الجوف هي مسقط رأس نبي الله إبراهيم (ص)، وأن بعثات الآثار التي عملت في هذه المنطقة خلال القرن الماضي عملت على نهب وتشويه وإخفاء تاريخ هذه المنطقة لأسباب أيدولوجية وسياسية (سعودية بالدرجة الأولى)، وهذا الأمر يدفعنا لإعادة النظر في نتائج هذه البعثات، والتركيز على كشف الحقائق التاريخية مستقبلا عبر أدوات وفرق يمنية بحتة لكشف غموض تاريخ هذه المنطقة اليمنية العريقة.
قد تهتم السعودية بمأرب لأسباب إقتصادية وأيدولوجية مؤقتة، ولكن ما تمثله الجوف بالنسبة لها هو أعمق؛ ذلك أن الجوف تاريخيا تمتد إلى مناطق واسعة تقع تحت سيطرة النظام السعودي، وأبناء هذه المناطق مترابطون بشكل كبير، والجوف بعكس محافظة مأرب لم تستنزف ثرواتها بعد، وابناؤها لم يتأثروا بالفكر الوهابي ولم يقبلوه، وهذا ما دفع النظام السعودي لأن يوجه النظام السابق إلى إهمال المحافظة ومنع المشاريع عنها ووأد أي تنمية في هذه المحافظة الهامة، ولو كنت ذهبت إلى هناك ستعرف هذا بنفسك.
حقد آل سعود على اليمن تاريخي ومعروف، وقد صب النظام السعودي جزء كبير من حقده على أبناء الجوف مستخدما أساليب أكتسبها من بريطانيا التي صنعته وربته ليكون خنجرا مسموما في قلب المنطقة العربية والإسلامية، ومن ضمن الأساليب التي أنتهجها النظام السعودي هي عملية أفقار وتجهيل أبناء المحافظة، ومحاولة زرع الفتن، ونشر الفوضى والإقتتال بين أبناءه (كما تفعل حاليا في المناطق التي تحتلها)، وما عملية نشر عصابات تهريب المخدرات والتقطع إلا جزء من هذا المشروع الخبيث.
لأن أبناء الجوف يمنيين أصلاء، فقد كان من الصعب على النظام السعودي أن يمرر مشاريعه المشؤومة في هذه المحافظة، بل أن عمليات المقاومة لخسة هذا النظام أمتدت إلى مناطق نجران المحتلة والتي كانت تنشط بين الحين والآخر، ولم تكن تتوقف غالبا إلا بتدخل "الملك" السعودي بنفسه الذي كان يهادن أبناء المنطقة مؤقتا حتى يجد حلا لهذه المعضلة التي أزعجت هذا النظام الظالم المستبد، والذي تعامل مع أبناء هذه المناطق بالمهادنة والغدر والخداع.
مؤخرا حدث أمني بسيط قام به بعض قطاع الطرق في محافظة الجوف (لا يتعدون 26 شخصا)، تلقفته أجهزة الإعلام السعودية وأبواق الإرتزاق بفرح كبير، وهذا طبيعي جدا، وعملت هذه الأجهزة على تضخيمه ومحاولة ربطه بإحدى قبائل الجوف (بنو نوف)، وهو ما أثار دهشة أبناء هذه المحافظة اليمنية الاصيلة، وبالطبع صدر بيان عن أبناء المنطقة يكذب هذه الإدعاءات السخيفة؛ فهم أكثر من يعرف خبث ووضاعة النظام السعودي، وهذا ما جعلهم من ضمن الصفوف الأولى التي قاتلت قوات الإحتلال، وتم تحرير مناطقهم في وقت قياسي مقارنة بمساحة المحافظة الواسعة.
في الختام نقول: ونحن نقترب من تحرير مأرب، لا يجب أن ننشغل عما يحدث خلف ظهر الجيش، وهذا أقل ما يمكن أن نفعله لأهل الجوف الشرفاء، ويكفيهم ما عانوه من إهمال طوال عقود من المؤامرات والتي أظهر أبناء الجوف خلالها بسالة وثباتا على مبادئهم الأصيلة، وقد دفع أبناء المحافظة ثمنا كبيرا للوقوف في وجه أطماع نظام آل سعود المستبد، وما يزال جزء من أبناء هذه المنطقة يعانون من قهر الإحتلال في نجران ومناطق أخرى. ولا يجب أن ننسى أهمية هذه المحافظة العزيزة في مستقبل بناء اليمن العظيم لنعود كما يجب أن نكون البلد الذي صنع التاريخ وصدر المجد والحضارة والإسلام إلى العالم.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
