عبد الحميد الأنصاري
في يوم الجمعة المباركة، وفي شهر رمضان المعظم، وفي بيت من بيوت الله تعالى، وفي أثناء صلاة الجمعة والإمام يتلو آيات الله تعالى وقبل الركعة الأخيرة، دخل شيطان داعشي المسجدَ واخترق الصفوف صارخاً “أريد اللحاق بالإفطار مع الرسول.. الله أكبر”. وفجّر نفسه في المصلين الصائمين لتهتز أركان المسجد ويسقط جزء كبير من السقف على المصلين ويودي بحياة 27 شخصاً ذهبوا شهداء، ويسقط 227 جريحاً من غير ذنب!
شياطين الجن مصفدون بالأغلال في رمضان، لكن شياطين “داعش” يعيثون في الأرض فساداً ويستهدفون بيوت الله تعالى ويسفكون دماء المسلمين في نهار رمضان، من دون أي اعتبار لحرمة الشهر أو حرمة المسجد أو حرمة النفس المعصومة. لقد بلغ بهم الغلو في الإجرام والوحشية أنهم استقبلوا الشهر الفضيل بعملية إعدام جماعية في الموصل، وركزوا على استهداف المساجد ومساجد الشيعة بالتحديد بدءاً بمسجد الإمام علي في القديح بالقطيف في 22 مايو الماضي، حيث سقط 21 شهيداً و81 جريحاً، ثم مسجد الإمام الحسين بحي العنود بالدمام في 29 مايو الماضي، حيث سقط 4 شهداء و4 جرحى. وفي 17 يونيو الماضي تبنّى التنظيم سلسلة من التفجيرات ضد مساجد للشيعة في صنعاء أسفرت عن قتل 31 وإصابة العشرات، ومؤخراً تسلل شيطانهم إلى مسجد الإمام الصادق بالكويت والناس في صلاتهم، ففجر ودمر.
هؤلاء طبع الله على قلوبهم وقال فيهم “ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها”، إلى قوله تعالى “لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم”. وأخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام عنهم وبأمثالهم من الإرهابيين الذين يفسدون في الأرض ويقتلون المسلمين، فقال “يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن، ليست قراءتكم إلى قراءتهم ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئاً، ولا صيامكم إلى صيامهم شيئاً، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية”.
والراصد لهذه الأعمال العدوانية ضد بيوت الله تعالى، مؤخراً، يجد أنها جميعاً تستهدف مساجد الشيعة، وأنها تتم في أثناء أداء صلاة الجمعة، وأن القائمين بها شباب خليجيون معظمهم من صغار السن، وكلهم يمنون أنفسهم بالجنة وحورها.
لماذا مساجد الشيعة، وفي أثناء صلاة الجمعة بالذات؟ ولماذا يستنفر “داعش” شباباً خليجيين من صغار السن؟ وما مسؤولياتنا؟
هذه تساؤلات تنبغي الإجابة عنها بصراحة، ولا ينبغي الاكتفاء عقب كل حادث إرهابي بالاستنكار والإدانة وترديد أن “الإسلام الصحيح” بريء من الإرهاب وأهله. الاستنكار حسن لكنه أضعف الإيمان، إن مسؤولياتنا أمام “إسلامنا الصحيح” أن نتعامل مع أصل الداء الإرهابي، وهو “التطرف” مسبباته ودوافعه ورموزه ودعاته، مثلما نتعامل مع “فيروس كورونا”. فالمصاب بداء التطرف مهيأ للعمل الإرهابي وهو “مشروع إرهابي”.
وعودة للتساؤل، لماذا الشيعة ومساجدهم؟ لأن الخطاب الديني الطائفي، يرى الآخر الشيعي على ضلال، وهو يشحن قلوب الناشئة بكراهيته و..يصور المواطن الشيعي كعدو للدين والوطن. أما لماذا لا يرى حرمة لمساجدهم، فلأنها في نظره “معابد شركية”. ولماذا في صلاة الجمعة، فلكي يضمن قتل أكبر عدد منهم.
ثانياً لماذا شبابنا؛ لأن “داعش” حض شبابنا على عدم “النفير” إليه، والبقاء في بلادهم كخلايا نائمة إلى حين الاستنفار، ولأن شبابنا المتطرف لديهم “القابلية” لتفجير الآخر الشيعي، بسبب الشحن الطائفي المسبق والتحريض العدائي.
وفيما يتعلق بالسؤال من المسؤول؟ فإن هناك ست جهات أساسية:
1- الشبكة الإلكترونية: أهم أسلحة “داعش” في استقطاب الشباب والترويج لفكره، فهناك 46 ألف حساب لمؤيدي “داعش” على “تويتر”، و1.7 مليون مقطع في “يوتيوب” و500 مليون تغريدة يومياً لصالحهم.
2- البيت الذي يزرع الكراهية للآخر في نفوس الأطفال.
3- المدرسة التي لا تربي الطلاب على قيم التسامح وقبول الآخر.
4- الجامع الذي يروج لخطاب ديني طائفي موروث.
5- الحاضنة الاجتماعية التي لا زالت تفرز “ثقافة الكراهية” وتمجدها.
6- القنوات الدينية الطائفية التي لا زالت تحرض على كراهية الآخر وتشويه صورته وإقصائه وإخراجه من الملة.
على أن أخطر الأسلحة هو سلاح “الشبكة العنكبوتية” التي ينبغي على دولنا تعقبها ومراقبتها وحجب المواقع المحرضة على الكراهية فيها ومساءلة أصحابها، كما فعلت أوروبا.
ختاماً: لا حل أمام دولنا إلا التفعيل الجاد لمبدأ “المواطنة” الحاضنة للتنوع الديني والمذهبي.