حذر مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية في تقريره
الثالث والثلاثين بعنوان "نزوح السوريين وتوظيف جماعات العنف والتكفير" من
خطورة إفراغ المدن السورية من سكانها وإتاحة الفرصة أمام التنظيمات الإرهابية،
وعلى رأسها "داعش" لاستقدام آلاف العناصر التكفيرية حول العالم لتحل محل السكان الأصليين للبلاد، وتحويل سوريا إلى دولة دينية إرهابية.
حيث أوضح التقرير أن المدن السورية تشهد عمليات نزوح كبيرة ومتواصلة للخارج، وهو أمر له ما يبرره من الناحية الواقعية والإنسانية، إلا أن مخاطره كبيرة
وممتدة الأثر، تتمثل في محاولات الجماعات التكفيرية والمتطرفة لإحلال العناصر
المسلحة والمتشددة محل السكان الأصليين، وتغيير التركيبة الديموغرافية في
المنطقة، وإيجاد دول دينية في المنطقة تحوي داخلها أغلبية متطرفة تمثل عنصر
هدم وفوضى في المنطقة كلها.
وأوضح المرصد في تقريره أن إقامة دولة دينية متطرفة في المنطقة يعني انزلاق
المنطقة بأسرها إلى المعترك الطائفي، وتحولها إلى منطقة ملتهبة ومليئة بالصراعات الإثنية والعرقية والدينية، بحيث لا تكون دولة من دول المنطقة، أو مجتمع من المجتمعات بمنأى عن تلك الصراعات والصدامات الممتدة.
ولفت المرصد إلى أن تنظيم "داعش" الإرهابي يُعد أول المستفيدين من هذا النزوح
الجماعي، بل إنه يغض الطرف عن الكثير من عمليات النزوح والهروب من جحيم الحرب هناك، بالرغم من قدرته على منع النزوح في العديد من المناطق والمدن الواقعة تحت سيطرته، إلا أنه لا يمانع في ذلك أبدًا، بل على النقيض تمامًا، فقد رصد مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية العديد من الدعوات والمحاولات التي يبذلها التنظيم لاستجلاب عناصر مسلحة إلى المدن السورية المُهجَّر أهلها، لتكوين جماعات سكانية بديلة لتلك الفارة من جحيم تنظيم "داعش" فعلى سبيل المثال رصد مرصد الإفتاء تغريدات التنظيم التي تدعو لاستجلاب عناصر تكفيرية من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية وآسيا الوسطى والقوقاز، بالإضافة إلى المحاولات المستمرة لتجنيد العناصر المسلحة في أفريقيا ونقلها إلى الداخل السوري.
وأوضح التقرير التناقض الكبير بين أقوال تنظيم "داعش" وبين أفعاله على أرض
الواقع، ففي الوقت الذي يصدر التنظيم فتوى مفادها أن المسلمين الفارين إلى
أوروبا يرتكبون معصية كبرى بتعريض أبنائهم لأجواء "الإلحاد والفجور". فإنه
يتغافل عن كونه السبب الرئيسي والمحرك الأساسي لنزوح السوريين إلى الخارج،
ولجوئهم إلى أوروبا والدول الغربية، ولو صدق التنظيم في الفتوى لكف أذاه عن
الشعب السوري، ولما تعرض لأبنائه بأنواع القتل والتشريد، ففي الوقت الذي يوفر فيه التنظيم كافة احتياجات ومتطلبات المقاتلين من مسكن وملبس ودخل مناسب، فإنه يمنع عن السكان الحد الأدنى من سبل العيش والاستمرار في الداخل السوري لتكون النتيجة الحتمية لهذا السلوك "الداعشي" هو المزيد من اللاجئين السوريين في شتى بقاع العالم.
وتساءل التقرير، هل يمكن تصور وجود مسلمين يفرون من أرض "الخلافة" – على حد تعبير داعش – للعيش في الدول والمجتمعات "الكافرة" و"الملحدة" في نظر التنظيم!؟
مؤكدًا أن النموذج "الداعشي" للخلافة نموذج مشوه ومجتزأ، يفر منه الناس
ويلقون بأنفسهم إلى التهلكة حتى لا يقعوا تحت طائلته !.
نبه التقرير إلى أن التنظيم بات يملك من العناصر والإمكانات ما يؤهله لإعلان
دولة جديدة تضم مساحات من سوريا
والعراق، يَفد إليها المتطرفون من كل حدب وصوب لتكوين الدولة الدينية المتوهمة لديهم، والتي يصورها التنظيم باعتبارها دولة "الخلافة" التي ستعيد أمجاد العالم الإسلامي من جديد- على حد زعمهم.
وأشار التقرير إلى التنظيم الإرهابي وبعض القوى الداعمة له إقليميًّا ودوليًّا
تدفع في اتجاه تأزيم الوضع السوري ودفع المواطنين إلى الهروب خارج البلاد، من
أجل تنفيذ هذا المخطط ونقل الآلاف من المقاتلين إلى سوريا لتصبح بلدًا آخر غير
الذي عهدناه.
وأكد المرصد أن "داعش" هو رأس الحربة في تنفيذ هذه المخططات الذي يستهدف أمن واستقرار المنطقة بأسرها، ويجب على دول المنطقة كافة التعاون فيما بينهم من أجل كسر هذه الرأس والقضاء عليها، لما يعنيه ذلك من فشل المخطط الخارجي للمنطقة وارتداده إلى من صدره إلينا.
وأوصى التقرير بالعمل على تكوين تحالف دولي قوي وجاد في مواجهة تنظيم "داعش" وتجفيف منابعه الفكرية والاقتصادية والاجتماعية تمامًا، والعمل على وضع ميثاق دولي يجرم التعامل أو الاعتراف بالكيانات الإرهابية والمتطرفة حول العالم، وتكتيل دول العالم خلف خيار المواجهة الشاملة للأفكار المتطرفة هنا وهناك حتى نقطع الطريق على محاولات الفتنة وتفتيت الدول وخلق كيانات دولية جديدة على حساب كيانات أخرى، وتحقيق الهدف الأسمى للعالم وهو السلم والأمن لكل الشعوب.
وشدد التقرير على أهمية بذلك كافة الجهود الدولية والإقليمية لإغاثة الشعب
السوري وتوفير سبل الأمن والعيش داخل وطنه، ومد يد العون له في أزمته التي تعبر
عن أزمة العالم العربي والإسلامي كله، وتوفير المناخ الملائم لعودة المهجرين
والنازحين إلى منازلهم وأوطانهم مرة أخرى.