الضحية أمجد محمد بن ساسي قبل إعدامه
شهدت ساحات مدينة سرت بليبيا العديد من جرائم الإعدام التي نفذها جلادو "داعش" بمختلف الوسائل الوحشية، رميا بالرصاص وصلبا وذبحا، من بينها مشهد يعكس الكثير من المغازي.
حدث ذلك في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2015، حيث تجمع مسلحون عتاة من مختلف بقاع الأرض بلباسهم الأفغاني وأسلحتهم ووجوههم الملثمة وقلوبهم التي انتزعت منها الرحمة.
اجتمعوا وحشدوا جمعا من الأهالي، ثم اقتادوا شابا يدعى أمجد محمد بن ساسي، يبلغ من العمر 19 عاما مقيد اليدين، وأجبروه على أن يجثو على ركبتيه أمامهم وأمام حشد من المتفرجين.
طلب منه من نصّب نفسه قاضيا شرعيا في هذه المرة الرابعة والأخيرة أن يعلن توبته لهم. نعم توبته لهم، إذ أن الإيمان في جوهره ما رسخ في القلب واحتضنته الروح وتشبع به الوجدان، لكنهم اكتفوا من كل المعاني العميقة والسامية بكلمة يقولها الضحية عنوة وإجبارا ليكسروا إرادته وإرادة الجموع المتفرجة.
فماذا صنع هذا الشاب كي يُتهم بالكفر؟ لقد تشاجر مع جاره فنطق في لحظة غضب بكلمة عدها الأوصياء على الدين والدنيا كفرا.
رفض هذا الشاب العنيد المعتد بنفسه كما في المرات الثلاث السابقة أن ينصاع لهم، وما كان أسهل من ذلك. عبارة واحدة يقولها لهم فينقذ حياته، لكنه فضل الموت وقال لهم "افعلوا ما شئتم".
سألوه إن كان لديه ما يقوله في آخر لحظات حياته، التفت إلى الجلاد وقال له: "اسمي سيبقى زمنا أطول من أسمائكم"، ورد الجلاد في جلافة: سنرى، ثم أطلق رصاصتين على مؤخرة رأس الضحية.
ولم يكتفوا بذلك، فقد رفضوا تسليم جثثه لذويه، فهو كما يظنون كافر لا يحق له أن يدفن في مقابر المسلمين.
هؤلاء لا يعرفون إلا ظاهر الأمور. لا يعرفون أن القسوة، مهما زينها أصحابها، يكون لها ردات فعل نفسية عكسية، لكنهم أجهل من أن ينظروا إلى مثل هذه الدوافع والأسباب والأحوال.
هذه المشاهد نشرتها صحيفة التايمز نقلا عن صلاح بن ساسي ابن عم الضحية، ذلك الشاب العنيد الذي رفض أن يتخلى عن كبريائه، كبرياء شبابه وعنفوانه حتى ولو كان ثمن ذلك أن يفقد حياته أمام الملأ بطلقتين في الرأس من غرباء جاؤوا إلى مدينته ليزرعوا في ربوعها الرعب بعد أن نصبوا أنفسهم أوصياء يُحصون على الناس أنفاسهم، ويتجرؤون على قدس الأقداس، ويدوسون كل القيم والأعراف باتهامهم الأبرياء في إيمانهم، وهو أمر جلل وعظيم.
محمد الطاهر
https://telegram.me/buratha