تراكمت معلومات مهمة حول الوسائل الجديدة التي يعتمد عليها "داعش" في تمويل مقاتليه، وتشير الى ان أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم استثمر ملايين الدولارات، وبلايين الدنانير العراقية في مشاريع اقتصادية وتجارية خارج المدن التي يسيطر عليها في العراق شملت العاصمة بغداد.
وكشف ضابط كبير في جهاز المخابرات بشرط عدم ذكر اسمه لعدم تخويله بالتصريح ان "تحقيقات امنية خضع لها عناصر في داعش تم القاء القبض عليهم، اضافة الى العثور على آلاف الوثائق التابعة لهم خلال العمليات العسكرية الناجحة للجيش في الانبار منذ مطلع العام الحالي كشفت عن معلومات هائلة حول الهيكل الإداري لداعش".
وأضاف أن "المعلومات تتضمّن أسماء قادة داعش ليس في العراق فقط وانما في سورية وليبيا واماكن تواجدهم وخططهم في المستقبل، ولكن اهم المعلومات كانت تلك المتعلقة بمصادر التمويل التي يعتمد عليها في الوقت الحاضر بعد خسارته العديد من المدن في العراق مؤخرا".
التنظيم المتشدد كان يسيطر على مدن تكريت وبيجي والدور ويثرب والعلم والشرقاط في صلاح الدين بداية عام 2015، ولكنه الان يسيطر فقط على مدينة الشرقاط التي تحاصرها قوات الامن منذ ثلاث أسابيع لتحريرها.
وفي الأنبار كان يسيطر على سبعِ مدن رئيسية وهي الرمادي والفلوجة والرطبة وهيت وعانة وراوة والقائم، أما الان فهو يحتل فقط عانة وراوة والقائم.
فقدان "داعش" لهذه المدن في عام واحد لم تكن بالنسبة له خسارة عسكرية فقط وإنما خسارة اقتصادية كبيرة لان هذه المدن كانت تضم حقولاً نفطية ومزارع ومصانع واسعة كان يستفيد منها في تمويل نفسه، كما انه خسر أموال الضرائب والإتاوات التي كان يفرضها على سكان هذه المدن.
وعلى الرغم من ذلك لكن يقول الضابط في المخابرات إن "التحقيقات تشير الى ان داعش لا يعاني من ازمة مالية حاليا، لانه ما زال يستفيد من مورد مالي خفي لا يمكن الوصول اليه وكشفه بسهولة وهي الاستثمارات في المشاريع التجارية".
ويضيف ان "التحقيقات كشفت عن قيام زعيم داعش ومعاونيه منذ عام 2014 باستثمار أموال طائلة في مشاريع اقتصادية وتجارية تضمنت عشرات المعارض لبيع السيارات، وبناء مولات تجارية، وحتى المشاركة في مزاد بيع الدولار، وقسم كبير من هذه الاستثمارات في بغداد".
وشملت الاستثمارات المئات من أحواض الأسماك ومزارع الفواكه والخضراوات في ضواحي بغداد، وحتى بناء مستشفيات اهلية والتجارة في الأدوية التي تدر أرباحا طائلة تقدر بملايين الدولارات شهريا ، كما يقول الضابط في المخابرات.
وعن طريقة جمع هذه الأرباح وإرسال جزء منها الى المدن التي يسيطر عليها "داعش" لدفع رواتب مقاتليه واقامة المشاريع الخدمية فيها، يقول الضابط ان أشخاصاً عاديين وتجاراً ورجال أعمال لا علاقة لهم بالتنظيم عقائديا، هم من يديرون هذه المشاريع باعتبارهم وسطاء تحت رقابة شديدة من هيئة "بيت المال" التابعة الى داعش وهي تشبه وزارة المالية".
ويضيف ان "الوسطاء يقومون بجمع الاموال وارسالها عبر حوالات مالية من مكاتب الصيرفة وبعض المصارف الى اي مدينة داخل العراق وخارجه، بعض هذه المصارف لا تعرف مصدر الاموال ولكنها تقوم بارسال الاموال من اجل الربح".
عندما هاجم التنظيم المتشدد العراق وسيطر على غالبية المدن في نينوى وصلاح الدين والانبار، استولى على المصارف الموجودة فيها، ويقول مصدر في وزارة المالية العراقية ان "داعش" استولى على الاموال المودعة في ثمانين فرعا لمصارف عراقية بعضها حكومية مثل "الرافدين" و"الرشيد" وبعضها غير حكومية.
وعلى الرغم من صعوبة احصاء حجم الاموال التي حصل عليها من هذه المصارف، ولكن التقديرات تشير الى ان قيمتها تقدر بنحو خمسة تريليونات دينار عراقي وتعادل أربعة مليارات دولار، كما يقول المصدر في وزارة المالية.
ومن هذه الاموال قرر "داعش" استثمارها في المشاريع التجارية كما يقول الضابط في المخابرات ان "داعش استولى على مبالغ ضخمة من الدينار العراقي ولكنه لا يستطيع الاستفادة من العملة النقدية العراقية في استثمارها خارج العراق ولهذا لجأ الى استثمارها داخل العراق".
أما المبالغ التي حصل عليها بالدولار من مبنى البنك المركزي في الموصل وعمليات بيع النفط من حقول علاس وحمرين في صلاح الدين على مدى عام ونصف العام كان يقوم باستثمارها خارج العراق وخصوصا في تركيا ودول اخرى، وفقا للضابط.
ووفقا لوثائق حصلت عليها قوات الامن في الانبار فان "بيت المال" له وظيفتان، الاولى جمع وإحصاء الاموال التي يحصل عليها "داعش" شهريا، أما الثانية احتساب المصاريف الشهرية وتتضمن رواتب مقاتليه، ورواتب عائلات القتلى، وشراء الأسلحة والذخيرة ونفقات الحملات الإعلامية في إنتاج أفلام الفيديو وتجنيد أشخاص لإدارة مئات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وموازنة مالية خاصة بمقاتلي "داعش" في أوربا وأميركا يتم صرفها على عمليات التجنيد التي تقوم بها خلايا نائمة.
وتشير الوثائق ايضا الى ان "اللجنة المالية تضم تسعة أعضاء لكل منهم اختصاص في قضية واحدة ويقوم رئيس هذه اللجنة بمراقبة عملهم ومراجعة حساباتهم منعا لحصول فساد إداري ومالي في هذه الأموال".
ويقول الخبير الامني زياد احمد ان "مصادر تمويل داعش الأساسية هي التبرعات من منظمات جهادية وتجار عرب، والضرائب والإتاوات والغنائم العسكرية التي يحصل عليها من المناطق التي يسيطر عليها في العراق إضافة إلى تهريب النفط، وهذه المصادر من السهولة تعقبها وايقافها بعد القرارات التي اتخذتها الامم المتحدة".
واتخذ مجلس الامن الدولي قرارين لقطع تمويل "داعش" وشمل منع التنظيم من تصدير النفط وتهريب الاثار، الاول قرار (2253) في ١٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥، والثاني قرار (2199) في شباط (فبراير) ٢٠١٥.
ولكن المشكلة الكبرى تكمن كما يقول احمد في الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية: "لان من الصعوبة تعقبها ومنع تحويل أرباحها بسبب النظام المصرفي المتخلف في العراق وضعف الرقابة المالية على مئات المصارف ومكاتب الصيرفة المالية، ولهذا ستبقى استثمارات داعش لسنوات طويلة".
نقاش
https://telegram.me/buratha