المقالات

بعثي ... لم تتلطخ أياديه بدماء عائلتي ( 19 )

1283 17:10:00 2010-10-07

آمال بدر الخفاجي

لم أكن متحمسة كثيرا على كتابة قصتي مع الحياة في ظل حكومة البعث والمجرم صدام حسين ، إلا أن إطلاعي على قصص الضحايا التي تقوم الحركة الشعبية لاجتثاث البعث بنشرها ، زادتني هذه العذابات التي يرويها أصحابها إصرارا وشجاعة على تدوين قصتي التي ربما لا تكون بدرجة ما وصلت إليه بعض القصص من آلام وآهات وصبر وشجاعة وإيمان وإصرار على القضية التي حمل أثقالها أبناء العراق الأبطال وكل أفراد عوائلهم ، الصغير منهم والكبير، الشيخ والعجوز والفتاة ، الرضع من الصغار وهكذا توزعت حصة العذاب على جميع أفراد الأسر من ضحايا البعث الغادر .

القصة :بتوزيع الحلويات والشربت والهلاهل اسقبلت عائلتي فرحة نجاحي بمعدل 91 % في امتحان البكلوريا في الصف السادس العلمي مما يعني دخولي الى كلية الطب التي لطالما حلم بها ابي المعاق منذ عام 1963 .كان والدي من المنتمين الى الحزب الشيوعي العراقي وبسبب انتماءه هذا نال نصيبه من التعذيب في سجون الحرس القومي البعثية وبعد خروجه من السجن باللطف الإلهي الذي شمله ، أصابه الشلل وظل مقعدا على الكرسي المتحرك منذ ذلك الحين .حزمت أغراضي واحتياجاتي متوجهة الى مدينة الموصل لاستكمال إجراءات قبولي في كلية الطب جامعة الموصل للعام الدراسي 1981-1982 وقد رافقتني أمي ومجموعة من صديقاتي اللاتي قبلن في كليات مختلفة في جامعة الموصل حيث استغرقت الرحلة قرابة الـ 13 ساعة من البصرة الى مركز مدينة الموصل .نزلنا في القسم الداخلي لجامعة الموصل وفور وصولنا خُصصت لنا غرفة معدة لاستقبال الطالبات الجدد وعند دخولنا الغرفة عمدت إلى إنزال صورة المقبور صدام حسين المعلقة على جدار الغرفة من قبل دخول الأخريات من الطالبات حيث كنّ ينتظرن استلامي للغرفة والتوقيع على أثاثها .وفي صباح اليوم الثاني جاءت موظفة في القسم الداخلي كان اسمها رغد طلبت منا إخلاء الغرفة والانتقال إلى أخرى بسبب أن الغرفة التي قضينا ليلتنا فيها كانت معدة لاستقبال طالبات عربيات من المملكة الأردنية ، فقمنا بلملمة حاجياتنا , وفجأة لمحت الموظفة رغد عدم وجود صورة المقبور في مكانها فسألت عنها ، أجبتها بأن الصورة كانت متسخة ولهذا السبب أنزلتها لتنظيفها . ردت عليّ بأنهم معتادون على هذه التصرفات الغبية من طلبة البصرة مع ذكر مصطلح الـ ( الشروكَـ ) للتعريف بالطلبة القادمين من محافظة البصرة ، فردت عليها والدتي بأن البصرة والشروكَـ الذين فيها عراقيون ولا يستحقون منك هذا التعبير الذي تريدين به الاستخفاف ....قالت لها نعم عراقيون ولكنكم جواسيس إلى إيران ... وسوف أريكم عاقبة استهزاءكم بصورة السيد الريس .....................فور سماعنا هذا الكلام المخيف صمتنا جميعا بالرغم من استمرارها بالشتم والسباب .في ظهيرة نفس هذا اليوم وعند عودتنا إلى القسم الداخلي أخبرتني والدة إحدى صديقاتي الطالبات بأن الأمن جاءوا إلى القسم والقوّ القبض على والدتي والطالبات وأمهاتهن وأما هي فسلمت من الاعتقال لأنها لم تكن قد دخلت إلى المبنى بعد .وما هي إلا ساعة من الزمن وإذا بالأمن يقتحموا القسم الداخلي للمرة الثانية ويلقوا القبض عليّ ومن تبقى من طالبات البصرة .وصلنا إلى مديرية امن الموصل وبعد دقائق انتظرت فيها في غرفة الحرس جاء واحد من عناصر الأمن وطلب من الحرس الانفراد بيّ ولما خلت الغرفة همس لي بأنه من مدينة السماوة ولا يحب أن يراني تحت التعذيب فالأفضل لي أن اعترف وانهي الموضوع والا فالقضية اكبر من أن يتحملها جسدي ذو التسعة عشر ربيعا .... قابلته بالصمت والاحتقار .بعد ذلك خرج من الغرفة وبعد دقائق صاح على الحرس أن يأتوا ( بالجاسوسة الإيرانية ) التي تريد أن تتغلغل في صفوف الطلبة وتنشر تنظيمها الرجعي .... كل هذا كان يعني به كاتبة هذه السطور .أدخلوني في غرفة طويلة هي عبارة عن مسلخ بشري تحتوي على كل أدوات التعذيب التي كان يصفها لي والدي المسكين الذي جُربت عليه جميعا من قبل الحرس القومي السيئ الصيت .لم يسألني احد أي سؤال ومباشرة علقوا يديّ إلى حلقة في سقف الغرفة وتركوني تقريبا من الساعة السابعة مساءا إلى التاسعة من صباح اليوم التالي .لم يدخل عليّ احد إلا إني كنت اسمع صراخ وعويل ميّزت صراخ أمي الذي توقف والساعة المعلقة أمامي تشير إلى الرابعة صباحا .في التاسعة وخمسة دقائق صباحا دخل خمسة أفراد ، قال لي احدهم :شوفي ... آني ما عندي دلال نسوان راح أسألك وأريد سماع الجواب بعد انتهاء السؤال مباشرة والا فكلاب الموصل تنتظر لحم .... - متى انتظمتِ في الحزب الشوعي ومن مسؤولك المباشر ؟قلت له والله العظيم عمو أنا ما متنظمه ولا اعرف شيء عن أي تنظيم .قال : إذن أفراد شوفو شغلكم .الله فقط يعلم ما جرى لي في تلك الساعة الأليمة ... أول ما فعله احدهم هو خلع ملابسي وبقيت عارية ، لم يخطر في بالي شيء سوى التفاصيل المرعبة التي كان يسردها لي والدي عن أساليب تعذيب النساء من قبل الحرس القومي بعد انقلاب 1963 ... وبعد الضرب المبرح , ضربني احدهم بوكس على منتصف بطني ، أغمي عليّ بعدها إلى تمام الساعة الثانية من بعد الظهر ، لما أفقت سمعت أصواتهم وهم يتحدثون عن زيادة في ساعات الدوام ونوبات عملهم ، فتظاهرت باستمرار الإغماء قرابة الساعة تقريبا إلى أن خرجوا من الغرفة وبعد قرابة الربع ساعة عادوا وصاروا ينبهوني لكي أفيق ، فلم استطع الاستمرار في تمثيل الإغماء فعاد نفس الشخص وسألني السؤال نفسه وحذرني من عدم الإجابة ، فقلت له نفس الجواب ، فأمر بإنزالي وممارسة أسلوب ( بربا الشاطر ) في التعذيب ... هكذا قال لأفراد فريقه .إثناء فترة تجهيز أدوات التعذيب كنت أتوسل إليهم أن يسمحوا لي بمقابلة والدتي حيث أقلقني كثيرا سكوتها المفاجئ عن الصراخ ليلة البارحة ، تعهد لي المحقق بأني سأرى والدتي فيما لو تعاونت معهم لإكمال التحقيق والاعتراف ، فقلت لهم بأني سأجيب بما يرغبون من إجابات فقط بعد رؤية والدتي ولو لدقيقة واحدة ، قال لي : اقسم بعقيدة البعث سأجلب لك والدتك بعد الإجابة على سؤاله .حاولت أن أجيبهم بما يرغبون لكن صاروا يطلبون تفاصيل لم استطع إجابتهم فيها لأني أصلا لم أكن صادقة في الإجابة ولم أكن عضو في أي تنظيم سوى تعاطفي مع الحزب الشيوعي العراقي بسبب حديث والدي عن ذكرياته مع رفاق الأمس من الشيوعيين الذين لم يغيبوا عن ذاكرته أبدا .فعاد التعذيب , لكن بقسوة وبوحشية لا يمكن أن يتخيلها أي إنسان لم يجرب الدخول في سجون البعث .بدؤوا يقلعون أظافري بعد أن قلعوا أربعة من أسناني ثم حرقوا شعري وفي الليل جاؤوا لي بوالدتي وقد قلعوا لها عينها اليمنى وحالها لايمكن لأي إنسان يمتلك ذرة من الشرف أن يقر ما فعل بها .قالت لي جملة واحدة ( يمه البعثيين وحوش ... اصبري فآلاف من الشريفات سبقتنا إلى هذا العذاب )بعدها تركوا والدتي تنظر أليهم وهم يعذبوني إلى أن أحسوا بموتها رحمها الله .بعدها علمت أن والدتي كانت قد اعترفت لهم بأنتماءها إلى الحزب الشيوعي إثناء دراستها في كلية الآداب التي تخرجت منها عام 1962 إلا إني لم اعرف تفاصيل أخرى عن اعترافها .بعد ذلك بثمانية اشهر تم تحويلنا إلى محكمة الثورة وحكم عليّ وعلى نسرين وهند و وداد بالمؤبد إلا ثلاثة من صديقاتي كنّ قد اعترفن بتعاونهن مع أفراد من عوائلهن كانوا أعضاء في أحزاب إسلامية معارضة .سلمى أعدمت مع أخيها واثنين من أبناء عمومتها .و أحلام أعدمت مع أبيها وأيضا عمها حكم عليه بالمؤبد .وأما زينب فقد أعدمت مع أخيها وزوج أختها .ومات في التعذيب كل من والدتي وشروق و حيدر اخو زينب الآخر .وبعد خمسة سنوات قضيتها في السجن أطلق سراحي إلا إني لم استطع إكمال دراستي .توفي والدي بعد اشهر من إطلاق سراحي وبعد سقوط النظام تم تعييني موظفة خدمة ( فراشه ) في مدرسة ابتدائية في محافظة البصرة ، لم أتزوج لعدم قدرتي على الإنجاب ، حيث استأصل رحمي بسبب ما تعرضت له من تعذيب وأشكو أيضا من انعدام الرؤية بعيني اليمنى وقطع شحمة أذني من جراء التعذيب .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
النجفية
2010-10-12
لا اله الا الله للأسف الشديد هناك الكثير من العراقيين قد نسوا مامر علينا ايام النظام البائد ونسمع بين الحين والآخر عبارة (عمي صدام جان ارحم) ولا اعلم كيف لهم ان ينطقوا هذه العبارة اتمنى من قنواتنا الفضائية تعد برنامج خاص ويومي بهذه القصص البشعة لكي يبقى العراقيون يلعنون صدام واعوانه في كل لحظة وان يعرفوا ان ماحدث للعراق ماهي الا نعمة يجب ان لا نجحدها بهذه العبارات وانما نتوجه بشكرنا الى الله سبحانه وبالدعاء بالرحمة الى شهدائنا الذين عانوا الكثير قبل استشهادهم ولولا دمائهم الزكية لما تنفس العراق
علي الدجيلي
2010-10-09
المشكلة ان الجرائم التي ارتكبها البعث وجلاوزة النظام لا يمكن ان يصدقا انسان لم يعيش تلك الماسات تلك المعانات التي ظلت تلازم الضحايا الى يومنا هذا ما بين ذكريتها المؤلمة وخيانة الحزب الذي ناضلوا باسمه (حزب الدعوة) الذي خان ضحاياه وتوجه بكل وقاحة الى دعوت البعثيين الملطخة اياديهم بدماء شهدائنا مرارة والم خصوصا بعد ان تنكروا ان بفضل هؤولاء الضحايا سقط الطاغي ونظامه وبفضلهم تربعوا على تلك الكراسي الصامته التي لو اذن لها النطق لشتمت كل افاك اثيم باع ضميره بثمن بخس وها نحن المعذبون في زنازين البعث نقو
ابو جعفر /
2010-10-08
الاخ حسنين ... التي بيعت في الامارات كان اسمها لقاء جلال وهي صاحبت القصة رقم 18 واما القصة رقم 19 فهي للسيدة آمال بدر وهناك قصص اخرى اذا احببت قراءتها فهي منشور في موقع براثا وتسلسلها يبدا من 1 الى 19 . لقد طلبت التوضيح وانا في خدمة الطيبين .
علي
2010-10-08
الى اليوم توجد في الشعبة السادسة في بغداد الكاظمية على الشط نفس انبوب المجاري والذي كان في وقت المقبور مربوط في المثرمة والتي وضع فيها العراقين وثرموا وتركت بقاياهم تتوزع في مياة دجلة . يجب علينا اعادة كتابة التاريخ حول الحقبقة الهمجية المظلمة التي مرت علينا جميعا كي لا تعاد مرة اخرى ومحاسبة كل الذين شاركوا في هذة المنظمة الارهابية ويجب تحريم البعث دوليا وجعل افكارة في مسار النازية العالمية على المثقفين والضحايا ثوثيق الجرائم وكتابتها باللغات الاخرى ونشرها في كتب جرائم البعث
حسنين
2010-10-07
عفوا بس مو الاخت بالحلقة السابقة كانت قد اخذت من اهلها وبيعت لعائلة اماراتية وهي طالبة ابتدائية ؟؟؟؟ كيف هي الان تواصل حياتها بالعراق وتصل للمرحلة الجامعية وتعيش مع اهلها ! ارجو التوضيح
ابو احمد
2010-10-07
الهم العن حزب البعث والعن كل من يدافع عن هذا الحزب الدموي المجرم الذي محى كل شئ جميل في العراق الذي جعل هذا البلد ملئ بالعصابات والمجرمين والقتلا مثل جهاز الامن والاستخبارات وفدائي صدام وهؤلاء مستمرين بالجرائم والقتل نحن نسال متى يتخلص هذا البلد من هؤلاء المجرمين
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك