عادل الجبوري
--------------------------- للمرة الثالثة خلال اقل من اربعة اشهر يشغل موقع ويكيليكس الالكتروني-الذي يديره الاسترالي جوليان اسانج والمطلوب قضائيا في السويد بتهمة الاغتصاب الجنسي-العالم بنشره دفعة جديدة من ما يطلق عليه بالوثائق السرية الاميركية.المرة الاولى كانت في النصف الثاني من شهر اب-اغسطس الماضي، اذ نشر مايقارب مائة الف وثيقة تتعلق بأفغانستان والجرائم المرتكبة فيها سواء من قبل الجيش الاميركي او حركة طالبان او الحكومة الافغانية او الشركات الامنية.والمرة الثانية اواخر شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، حيث نشر الموقع اربعمائة الف وثيقة-تقرير-كان القسم الاكبر منها يتحدث عن الحكومة العراقية بصورة سيئة، والقسم المتبقي يتحدث عن الحكومة الامريكية والقوات الاميركية العاملة في العراق، وقد احدث نشر تلك الوثائق ضجة كبيرة اكثر من الضجة التي احدثها نشر الوثائق حول افغانستان، لاسيما وان توقيت نشرها كان على مايبدو محسوبا بدقة ، اذا جاء في خضم الازمة السياسية الخانقة في العراق حول تشكيل الحكومة واختيار رئيس الوزراء، وقد قرأها البعض في حينه بأنها واحدة من محاولات واشنطن لقطع الطريق امام المالكي بعد ان وضع يده بيد التيار الصدري، وفشلت هي في ايجاد صيغة لتقاسم السلطة بينه وبين زعيم القائمة العراقية اياد علاوي.وفي المرة الثالثة كانت القضية اكثر وقعا واشد ارباكا واضطرابا لان خلط الاوراق تجاوز افغانستان والعراق ليمتد الى اطراف وشخصيات سياسية عربية ودولية بعضها صديقة لواشنطن وبعضها حليفة، وبعضها الاخر خصم لها، وهذه المرة لم تكن الوثائق والتقارير ذات صبغة عسكرية، بل ذات صبغة سياسية-دبلوماسية، وهي على مايبدو تعود لوزارة الخارجية الاميركية بالدرجة الاساس. وكان الشأن العراقي حاضرا بقوة في حزمة الوثائق الجديدة لويكيليكس، التي غطت فترة زمنية طويلة امتدت لعقدين من الزمن، اي منذ غزو نظام صدام لدولة الكويت صيف عام 1990 وحتى شهور قلائل سابقة.ورغم ان مختلف الاطراف السياسية العراقية، لاسيما التي ورد ذكرها في الوثائق حاولت التقليل من اهميتها وتأثيرها ومصداقيتها، الا ان نوعا من الحرج والارباك طغى على المشهد العام في البلاد، لم يكن بأي حال من الاحوال مداراته والتغطية عليه. وخصوصا ماتعلق منها بوزارة الخارجية العراقية ووزيرها هوشيار زيباري، وماتعلق بزعيم القائمة العراقية اياد علاوي.وبصرف النظر عن الكثير من التفاصيل والجزئيات التي تكررت واشبعت بحثا وتحليلا ونقاشا في مختلف الاوساط والمنابر السياسية والاعلامية، فأن هناك ملاحظات واشارات مقتضبة لابد من التوقف عندها واثارتها، منها:-ان مسألة تسريب ونشر وبث وثائق ومعلومات سرية عبر اشخاص او مؤسسات ليس بالامر الجديد الذي لاسابقة له، وذلك غير مرتبط بثورة المعلومات والاتصالات وسهولة وسرعة تبادل وترويج القضايا السرية.فهناك صحافيين وكتاب اشتهروا من خلال نشر الوثائق والمعلومات السرية التي كانوا يحصلون عليها من مصادر وقنوات مهمة وحساسة مثل الكاتب المصري محمد حسنين هيكل، والكاتب الاميركي بوب ود وورد واخرين غيرهم، فضلا عما يرد في مذكرات الكثير من الزعماء والسياسيين، اضافة الى انه في كثير من الدول بينها بريطانيا والولايات المتحدة هناك قوانين تتيح الاعلان عن الوثائق السرية الرسمية بعد فترة زمنية محددة حتى يستفيد منها الباحثون والمعنيون، واكثر من ذلك فأن بعض -او كثير من -القنوات الفضائية العربية والاجنية نراها تبث بين الفينة والاخرى برامج سياسية ووثائقية تتضمن معلومات خطيرة للغاية ويقف المرء متحيرا في كيفية حصول هذه القناة او تلك على مثل هذه المعلومات.-وفيما يتعلق بموقع ويكيليس فأن السؤال المهم هنا والذي يطرح نفسه بقوة هو ..هل ان هذا الموقع من القوة بحيث انه يتمكن من الحصول على كم هائل من الوثائق الخطيرة التي مثلما قالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون في وقت سابق بأنها تهدد الامن القومي للولايات المتحدة، ويقوم بنشرها لا بصورة مفاجئة وانما يسبق ذلك اعلان واشارة قبل وقت غير ، دون ان يواجه بأية اجراءات سريعة وحازمة ويمكن ان نعيد طرح السؤال بصيغة اخرى هي .. هل ان موقع ويكيليكس الالكتروني اكثر قوة من الولايات المتحدة بحيث يبادر الى تهديد الامن القومي الاميركي دون ان تتخذ بحقه اية اجراءات؟.اذا سلمنا بذلك فهذا يعني ان الدولة التي تدعي انها القوى العظمى الاولى في العالم هي عبارة عن نمر من ورق، وفي حال قلنا ان الامر ليس بهذه الصورة،" فهذا يعني ان كل تلك الضجة ليست سوى سيناريو مفبرك ومرتب بدقة من حيث التوقيت والاخراج والتسويق، و"ويكيليكس" ليس سوى واجهة وغطاء، وهو بتعبير اوضح ضحك على الذقون!. بأي حال من الاحوال لايمكن التسليم بظاهر الامور وبحسن نية وببساطة، ونفترض ان الاسترالي المطلوب للقضاء السويدي جوليان اسانج(39 عاما)، شخص ذو قدرات هائلة ويمتلك من الشجاعة مايمكنه من عدم الاكتراث بدول وقوى كبرى، وبالتالي تصبح القضية كما لو اننا نشاهد فيلما خياليا من انتاج هوليود ليس الا.
https://telegram.me/buratha