حافظ آل بشارة
من علامات الوعي الشعبي ان تثار في الشارع اسئلة يتداولها الاذكياء من ابناء البلد من بقالين وباعة متجولين وسواق كيات وحمالين وعمال بناء ممن تلضت قلوبهم بالفقر والحاجة وهم يسألون لماذا كل هذا العذاب ونحن متدينون وأمة صالحة ؟ يقولون ان العراق من أكثر دول المنطقة في عدد مراجعه وعلماءه و العتبات المقدسة و مواسم الزيارة مشيا وبالسيارات ، ومن اكثرها مبلغين ومبلغات يجلسون بالآلاف لكي يتلقوا تعليمات عن كيفية النصح والارشاد وهداية العباد الى طريق السداد ، وربما من أكثرها مكتبات دينية و مساجد وحسينيات وجوامع وتكيات وهيئات عزاء ومواكب ، وهريسة وقيمة وزرده وشاي العباس ، ومن أكثرها مناسبات دينية واعياد ولكثرة المناسبات يصاب المواطن بارباك في مشاعره فاليوم هو يبكي في ذكرى حزينة وعليه غدا ان يضحك ويحتفل في ذكرى سارة وهو مأجور في الحالين ، هذه الحياة الدينية الحافلة بالنشاط العبادي والاحتفالي مابين واجب ومستحب تستوعب معظم اوقات الناس فهناك محرم وصفر ستون يوما من الرثاء المتواصل حيث ذكرى واقعة الطف وما يتعلق بها من احداث ، وبعدها المواليد والوفيات للنبي واهل البيت والصحابة وربما انبياء الديانات الاخرى وهناك اشهر رجب وشعبان ورمضان و فيها الزيارات والادعية والصلوات والمناجاة والصوم وليلة القدر ثم تاتي ايام الحج بشعائرها المعروفة . ولكن يعد العراق من اكثر دول المنطقة ارهابا ورعبا وقتلا وسلبا وخطفا وتهجيرا وسطوا مسلحا وغير مسلح ، ومن اكثرها أحزابا ومجموعات متصارعة وفوضى واختلافات واجتهادات ، وهو من اكثر دول المنطقة تعرضا للتدخل الاجنبي فمن الاحتلال الى الاختراق تخوض الدول صراع مصالح على اراضيه ، وهو من أكثر دول المنطقة صحفا وفضائيات وعطشا وجفافا وحرا و فسادا في الادارة واضاعة للاموال وتبذيرا للثروة وغشا في الصناعات وتدليسا في التجارة ، ومن اقلها انتاجا واكثرها استهلاكا وافشلها تنمية ، ومن اكثر البلدان ارامل وايتاما ، ومن أكثر الناس موبايلات وشركاته هي الاكثر تفننا في سرقة الرصيد ، والمشتركون يحبون المقاطع الطريفة في الموبايل لكن اكثر الناس يتركون المقاطع المفيدة ويسارعون الى شراء وتحميل مقطع وثائقي يظهر فيه رجل مجنون يلقي خطابا لا يوجد أي ترابط بين كلماته فيقابلونه بالاعجاب بل يقلدونه ! ، وأكثر الدول تشابها في التفكير بين النخبة السياسية والمواطن العادي ولا يوجد أحد احسن من أحد بل ربما الجميع يشبهون احيانا خطيب الموبايل ، كل هذا يعني وجود خلل خفي ، لماذا لا نلمس أثرا اصلاحيا للتبليغ والزيارات والمناسبات والصوم والصلاة على فكر وسلوك الناس ، ربما هو العجز المتوارث في فهم الدين ، هذه الازدواجية جعلت مفكري الغرب يعتقدون بأن الأسلام هو سبب ما نحن فيه من عذاب وتخلف وهوان ، وهم لا يعرفون ان الاسلام رحل منذ زمن فلا وجود له في اوساطنا وليس عندنا منه الا اسمه ومن القرآن الا رسمه .
https://telegram.me/buratha