صفاء محمد علاوي
الاخوة في الحركة الشعبية لاجتثاث البعث ارجوا اضافة قصة معاناتي الى سلسلة القصص التي تقومون بنشرها لكي تبرئ ذمتي امام الله والتأريخ باني لم اكتم شهادتي واقسم بالله الواحد الاحد على صحة ما اقوله والتزاما بهذا القسم الغليظ سوف لا اذكر شيئ الا وانا متأكد منه ومن دون ادنى شك . كنت طالبا في المرحلة الإعدادية عندما قتل احد أصدقائي ممن تعثر في الدراسة فرسب لسنتين متتاليتين مما أدى إلى سوقه الى الخدمة الألزامية وفق القانون السائد آنذاك ، وبعد تدريب لمدة لا تزيد على شهرين تم ترحيله إلى جبهات القتال في قاطع الشوش وكان قد صادف هجوم إيراني كبير على هذا القاطع لتحرير مدينة الشوش الإيرانية من توغل القوات العراقية فيها ، فقتل المسكين إثناء تلك المعارك اللعينة .فجعنا جميعا بموته المبكر وهو لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره ، وبعد أن دفناه في مقبرة السلام في النجف الاشرف ترجلنا لزيارة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام .كنت متأثرا جدا بموت صديقي ولم أتمالك نفسي بالبكاء عليه عند مرقد أمير المؤمنين (ع) مما أثار السيد المعمم الجالس بجانبي فسألني عن بكائي الشديد فقلت له بأن اعز أصدقائي قد قتل في جبهات القتال ، فواساني لهذا المصاب ووعظني بالصبر وقال لي لابد من عبرة لهذا الموت فالإنسان يموت عاجلا أم آجلا ، فلابد أن نعتبر ونتوجه لصلاح أنفسنا والاستعداد لهذا اليوم الحتمي .بعدها أديت الصلاة خلف هذا المعمم الذي صعقني بكلماته الملائكية ، وبعد انتهاء الصلاة التي لم أكن اعرف أي شيء عن تفاصيلها ، حيث كنت أؤدي الحركات التي يؤديها من هو بجانبي لأني لم أٌصلِّ ولو مرة واحدة في حياتي .قام السيد علاء الدين بحر العلوم وهذا هو اسمه كما عرفني بنفسه مودعا ونصحني بكلمات وقعت على قلبي كالماء البارد .وأنا أقف بجانب السيد علاء الدين بحر العلوم مودعا مرّ احد المشيعين الذين رافقونا لتشييع صديقي ودفنه ، وسألني بعد انصراف السيد عن سر وقوفي معه فأخبرته عن اسمه وعن مشاعري تجاهه عندما نصحني ، وكلمته عن الوعظ الذي دخل قلبي والدعوة التي وجهها لي لزيارته في بيته ، فقال لي بأن أنسى هذا الرجل ولا اذكر لقائي به لأحد فضلا على زيارته لان كل ذلك خطر وقد يعرضني لمشاكل أنا في غنىً عنها ، فتنبهت لكلامه وطمأنته بأني لن التقيه ثانية . ولما عدنا إلى مدينتنا العزيزة المسيب صرت مشغولا بكلمات ذلك السيد الوقور الذي فتح لي أبواب عالم لم أكن اعرفه بالرغم من التدين الذي يطبع الجو العام للمدينة التي ولدت وترعرعت فيها ، فصممت على تعلم الصلاة والالتزام بإدائها .بعد أربعين يوماً من وفاة صديقي وكما هي الأعراف ذهبنا لزيارة قبره وحين دخلنا النجف الاشرف صار قلبي مشغولا بوقت الصلاة لكي التقي بالسيد علاء الدين بحر العلوم لأني كنت متشوقاً له جدا .وقبل أذان الظهر ذهبت إلى المرقد الشريف واصطففت بصفوف الصلاة وقد أديتها هذه المرة بشكلها الصحيح حيث تعلمت تفاصيل أدائها من والدتي رحمها الله تعالى .بعد انتهاء الصلاة سلمت على السيد علاء رحمه الله وقد قابلني بحرارة وأصر على ذهابي معه إلى بيته لتناول الغداء .ذهبت معه وقام لي بأصول الضيافة والاستقبال بعدها ودعته وأهداني كتاب منهاج الصالحين للسيد أبي القاسم الخوئي ( رض ) وكتاب حياة السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب (ع ) وقال انه من تأليف احد أعمدة عائلة آل بحر العلوم وأيضا كتاب شرح دعاء كميل وقال انه من تأليف أخيه السيد عز الدين بحر العلوم .لما عدنا إلى المسيب صرت أتصفح الكتب مع أصدقائي في السيارة ولاحظت أن احد المسافرين معنا ينظر إلينا بطريقة مريبة ويحاول أن يستمع لحديثنا مما أثار خوفي كونه بعثي معروف في المسيب وهو أيضا من أقرباء زميلي المتوفى رحمه الله تعالى وأيضا تذكرت لحظتها بأنه رآني في المرة الأولى التي تعرفت فيها على السيد بحر العلوم .بعد يومين اعتقلت من الشارع قبل الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد 12/1/1986 وأنا متوجه إلى المدرسة وحدث اعتقالي قرب البنك في منطقة النزيزة في قضاء المسيب وكانت تهمتي بأني اتصل بعلماء الدين وأروّج لأفكار معارضة للحزب والثورة .لما وصلت إلى مديرية امن المسيب علمت أنهم داهموا بيتي واحضروا كل حاجياتي وكتبي والبومات الصور وغيرها من أشياء ، وكان أول سؤال هو - ماهي علاقتي بالسيد بحر العلوم ولماذا يهديني الكتب ووما هو سبب زياراتي له ؟ وهل فاتحني بالانتماء إلى تنظيم معين ؟ ذكرت لهم كل تفاصيل علاقتي بالسيد بحر العلوم إلا أنهم لم يقتنعوا بإجاباتي واستمروا بالتحقيق الذي يرافقه التعذيب بشتى صنوف العذاب من الصعقات الكهربائية إلى الماء الحار إلى الملح الذي كانوا يرشون به جروحي إلى لسعات العقرب الذي وضعوه على رجلي إلى أشياء أخرى لم يقرها عرف أو شريعة أو خلق أو حياء ...نقلوني إلى مديرية امن بابل وهناك أؤكد رؤيتي للمنظر الذي قطعت فيه أوصال السيد هاشم وإطعام لحمه إلى الكلاب أمام نظر كل الموقوفين تلك الحادثة المروعة التي ذكرها السيد رزاق كاظم الحسناوي صاحب القصة ( البصق ثقافة بعثية ! ) من سلسلة قصص بعثيون ... تلطخت أياديهم بدماء عائلتي .في سجن مديرية امن بابل تعرفت على اثنين من الشبـّان المنتمين إلى تنظيم "فيلق بدر" وهم كل من جبار إبراهيم ألسلامي وداود سعيد كانوا بعمر نهاية العشرينات دفنوا أحياء في حديقة المديرية .ومن مشاهداتي في السجن قطع لسان شاب اسمه احمد عبود كان شاعرا من أهالي مدينة الحلة اخبرني بأنه القيَ القبض عليه بسبب قوله ( أن الشاعر الحقيقي يستنكف عن مدح صدام ) قال ذلك أمام اثنين من أصدقائه الشعراء وقد وشى به احدهم .ومن مشاهداتي في السجن اغتصاب شاب اسمه رائد من قبل ضابط تحقيق اسمه الملازم احمد العلوي وقد اخبرنا رائد بأن الفعل قد تم أمام مدير الأمن نفسه كوسيلة من وسائل التعذيب لحمله على الاعتراف وبعد إطلاق سراحي علمت أن رائد انتحر بعد أسبوع من إطلاق سراحه بسبب الإحساس بالعار.وأما احمد العلوي فقد صار فيما بعد نقيباً في مديرية امن الكرخ وما يزال الى الآن يعمل في إحدى المؤسسات الأمنية كما علمت من بعض الأصدقاء في العراق .بعد ثلاث سنين من التوقيف في مديرية امن بابل أطلق سراحي بالعفو العام إلا أني فقدت ساقي التي أصيبت بالكنكري أثناء التوقيف .بعد الانتفاضة الشعبانية علمت أن السيد علاء الدين بحر العلوم وأخاه السيد عز الدين بحر العلوم قد تم إعدامهما في سجن رقم واحد في بغداد بتهمة الاشتراك في الانتفاضة وفي الشهر السادس من عام 1992 سافرت إلى الأردن ومنها ذهبت إلى ليبيا ومن ثم إلى أسبانيا حيث أعيش ألان .لم أزر العراق بعد التغيير لأني علمت أن التغيير ليس كاملا والبعثيين وصلوا إلى مجلس النواب بأصوات الناس الذين طالما حلموا بزوالهم .فهل أعود إلى عراق امتلأت مؤسساته ودوائره بأتباع الجلاد ؟
https://telegram.me/buratha