وليد المشرفاوي
لعل أهم ما يميز تشكيل بدر الظافر عبر كفاحه الجهادي ونضاله ضد النظام الصدامي البائد لأكثر من عقدين ونيف , هو التماسك والثبات على المبادئ والقيم الإسلامية والإنسانية النبيلة لدى جميع الكوادر المنتمية إلى هذا التشكيل المبارك , والإصرار على مواصلة الدرب عبر الإيثار والتضحية من اجل الحفاظ على مكاسب الشعب وحمايته من الأنظمة الاستبدادية الفاسدة التي اعتلت البلاد في مراحل من الحروب والدمار للعراقيين بجميع طوائفهم وقومياتهم المتنوعة , فبعد حملة التصفيات الدموية الواسعة التي شنها نظام صدام في أواخر السبعينيات من القرن الماضي ضد الحركة الإسلامية في العراق بحوزاتها العلمية ومثقفيها , والتي طالت آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر (قدس) عام 1980م , حيث لم يترك النظام البائد أمام الشعب العراقي سوى خيار الاستسلام الكامل لمخططاته وسياساته , أو تحمل المسؤولية الرسالية في الدفاع عن كرامة الشعب العراقي وحريته وعبر الكفاح المسلح , بعد أن استنفذت كل الوسائل الأخرى في المقاومة السياسية , في هذه الأجواء العصيبة , اصدر الشهيد الصدر فتواه التاريخية بوجوب الكفاح المسلح لمواجهة النظام ألصدامي , واعتبره وجوبا كفائيا , الأمر الذي كان له من الصدى الواسع لدى الشباب الواعي الذين قرروا حمل السلاح وتحمل المسؤولية في مواجهة النظام الدكتاتوري بكل جبروته وطغيانه وإجرامه ,وبناءا على هذا الإدراك بدأت تشكيل الخلايا المسلحة في العراق بإيعاز من السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قدس) , والتي نفذت بعض العمليات المحدودة ,لكن النظام ضيق الخناق على كل العاملين للإسلام وشن حملة من الاعتقالات التي لم يشهد لها مثيلا , وذلك بعد استشهاد السيد الصدر في مطلع الثمانينيات , وهي اعتقالات شملت حتى المتدينين المصلين في الجوامع والحسينيات ممن لا علاقة لهم بأي عمل تنظيمي أو سياسي , مما اجبر كوادر الحركة الإسلامية والعلماء من حواريي وتلاميذ الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر للهجرة إلى خارج العراق لتكون مواقعهم الجديدة محطات انطلاق في إعادة تنظيم الصفوف ومد الجسور مع أبناء العراق , لتشكل كلها بداية مرحلة جديدة من المواجهة ضد النظام الدكتاتوري , وبالتدرج بدأت هذه الفكرة تلقى رواجا بين الأوساط العراقية من مختلف الشرائح والاتجاهات العراقية فانتمى إليها الشيعي والسني والعرب والكرد والتركمان , وقدم الجميع آلاف الشهداء من اجل تحرير العراق من حكم العصابة الهمجية المتخلفة .حيث خاض تشكيل بدر الظافر غمار معارك طاحنة ضد النظام ألصدامي المباد في اهوار العراق وشماله ومناطق أخرى داخل المدن العراقية وأطرافها , وكان شعاره رفع الظلم والحيف عن الشعب العراقي , ليكون عنوانا وانطلاقة لإكمال مسيرة بناء العراق عبر تحقيق سيادته الوطنية , وإرساء قواعد العدالة الحقيقية للحكم في العراق . ومنذ تلك اللحظة لم يترك البدريون الأبطال طيلة أكثر من عقدين من الزمن سلاحهم حتى في اشد الظروف قساوة ومحنة , لأنهم نذروا أنفسهم لقضية عادلة وهي قضية تحرير العراق من العصابة الصدامية التي أذاقت العراقيين الويلات , وقدموا آلاف الشهداء والمعاقين والمسجونين , وتمكنوا ونتيجة لموقفهم ومواقف الكثير من القوى الوطنية المناضلة من تضعيف النظام ألصدامي والتضييق عليه , وبعد سقوط النظام , قرر شهيد المحراب الخالد (قدس سره) بعد دراسة مستفيضة لكل التطورات الآنية , ورؤية ثاقبة لمتطلبات العمل المستقبلي تحويل (فيلق بدر) إلى منظمة سياسية تساهم في بناء العراق الجديد مع بقية الكيانات السياسية الوطنية الأخرى ,وذلك بعد أن تحقق هدفهم الأساس وهو الإطاحة بالنظام ألصدامي وبقي عليهم تحقيق الهدف الثاني , أي بناء العراق بنظامه السياسي الجديد , ومنذ اليوم الأول الذي دخل فيه البدريون إلى العراق , والذين كانوا أصلا في العراق , تخلى الجميع عن السلاح وتوجهوا للعمل المدني , وشاركوا في العملية السياسية إيمانا منهم بان مهمتهم العسكرية قد انتهت بعد سقوط النظام , ومنذ ذلك الوقت الذي انتقل فيه تشكيل بدر الظافر من العمل العسكري الجهادي إلى العمل السياسي والثقافي البناء والتوجه للمشاركة الفاعلة في بناء العراق الجديد , امتزجت فيه روحية البناء والصبر والثبات على المبادئ السلامية والوطنية , والتي تعلمها في ساحات الوغى وميدان البناء والأعمار , ليثمر عن أجيال تربوا على حب الوطن والولاء للشعب وجعل المواطنة فوق كل انتماء, فكانت (منظمة بدر) وما زالت الذراع الرئيس في تفعيل العملية السياسية بعد التاسع من نيسان , والركن الأساس في تعزيز المشاركة الحقيقية بين جميع المكونات والأطياف من أبناء الشعب , فكانت لها اليد الطولى في كتابة الدستور واستمرارية الانتخابات وترسيخ مقومات الشراكة الحقيقية في الحكم وإدارة البلاد ,الأمر الذي جعل منظمة بدر (منظمة بدر) مثالا وشريكا وفاعلا في الساحة السياسية من اجل بناء العراق الجديد ,إذ تجد الولاء الإسلامي الوطني في حب العراق وشعبه , متجذرا في عقول أفراد هذا التشكيل المتولد حينا بعد آخر من أنصاره ومحبيه في عراق الرافدين , متحابين متآلفين ومنفتحين على جميع المذاهب الفكرية والأيدلوجيات السياسية المتحركة داخل النسيج العراقي , ذلك إن الركيزة الإسلامية المتداخلة في أذهان أفراد هذا التشكيل هي الأساس في التعامل مع الغير , وبناء اللحمة الوطنية المتراصة بين أبناء الشعب, من دون الطموح إلى مناصب حكومية يتقاتل عليها اليوم تيارات وتنظيمات لا يهمها غير الجنوح إلى مطامع دنيوية رخيصة.
https://telegram.me/buratha