وليد المشرفاوي
لقد أعطت الثورة الحسينية للإنسانية الكثير من الدروس الأخلاقية والاجتماعية والسياسية فبعد استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) وبعد أن انبرت السيدة زينب (ع) بكشف معالم الجريمة التي ارتكبتها عصابات بني أمية بحق أهل بيت النبوة.ظهر المنبر الحسيني , وما المنبر الحسيني إلا برلمانا يجتمع به المظلومين والمضطهدين لأخذ العزيمة والشجاعة من المنبر لانتزاع حقوقهم من الطغاة الذين ما نفكوا يحاربون ذلك المنبر المقدس لما يشكله من خطر على عروشهم لأنه يعطي للجماهير دروسا بالشجاعة والرجولة والشهامة لمحاربة كل الأفكار المنحرفة التي ابتكرها وعاظ سلاطين القصر الأموي ومن تبعهم من الطغاة اللاحقين والعادات والتقاليد الفاسدة التي روج لها سلاطين الجور من اجل تخدير الشعوب وإشغالها عن المطالبة بحقوقها التي سلبوها ..فمن بركات ثائر ألطف وشهيد الثورة الكربلائية الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) سبط رسول الله بروز المنبر الحسيني منارة الثقافة الدينية والتاريخية والسياسية والاجتماعية للمسلمين كافة والحصن الحصين للشخصية الإسلامية الممانعة والمقاومة على مر التاريخ للظلم والجور والاستبداد , غرست في من يؤمن بها الإبعاد الإيمانية بما تحتويه من تضحيات معنوية وجسدية في سبيل هدف يسمو على مر العصور , واقعة ألطف تستلهم منها العبر والعظات بقيادة قائد عظيم وقف في وجه الظلم والبغي كالطود الشامخ والجبل الراسي في مواجهة ألوان الفساد والانحلال التي تواجهه الأمة منذ الحكم الأموي اليزيدي . الحسين الثائر هو شجرة ثابتة في الأرض وسامية تناطح عنان السماء , ثورة الحسين لها الفضل الكبير على مر العصور في إبقاء جذوة الدين مشتعلة وهاجة وكان لابد أن تكون لهذه الثورة المتقدة والمضيئة , أدوات ووسائل لتوصلها إلى كل جيل حسب ظروف العصر الذي يعيش فيه , فبرز ذلك المنبر الحسيني الذي أثرى الساحة الإسلامية بل الإنسانية ثقافة وفكرا وتاريخا خصوصا انه كان القناة الوحيدة لنشر المبادئ الإسلامية الأصيلة كما كان له الأثر البالغ بإزالة بعض الشبهات عن مصيبة وثورة الإمام الحسين(ع).قد يكون من الطبيعي أن تطغى النبرة العاطفية والحزينة على مضمون المنبر الحسيني لتصان في القلوب وتحفر في العقول , في زمن السلاطين والحكام الذين تكالبوا على محاربة الثورة الحسينية , وحاولوا طمس معالمها ومحو آثارها وما تتضمنه من قيم ومبادئ تقارع الظلم والجور حاضرا ومستقبلا , فهي نبراسا ودرعا للمستضعفين والمحرومين وسلوى للمظلومين والمدافعين عن حقوقهم .مع هذا كله يحتاج المنبر الحسيني إلى تجديد مع حداثة خطاب اليوم مضمونا وشكلا ,أي لابد من صياغة رؤية جديدة للمنبر الحسيني الذي سيظل علامة فارقة في الثقافة والفكر الإسلامي لا غنى عنه ,ولأننا وصلنا إلى مرحلة المنافسة والتحدي والبحث عن أدوات جذب لمستمعي وحضور المنبر لم يعد سمو الهدف والغاية أو القيم والمبادئ كافية لحشد حضورا اكبر في الحسينيات في هذا الزمن ,لكن أساليب الطرح والتقديم عوامل جذب مهمة في استقطاب الحضور للاستماع والإنصات بوعي وفهم لأبعاد الحركة الحسينية , فلابد من تجديد خطاب المنبر الحسيني.فالمنبر الحسيني هو المعبر عن حادثة تاريخية سطرت ملاحمها على تراب كربلاء وجمعت بين طياتها مفاهيم ومضامين حفرت في جبين التاريخ , تتجدد سنويا وتضفي معاني لكل متلقي وتزرع في نفوس المحرومين والمضطهدين والمقهورين الإباء والعزة والإيثار والبحث عن الشهادة في سبيل الله والعدالة الاجتماعية والسياسية للمجتمعات.إن حمل لواء الثورة الحسينية تحتم على الخطيب أن يكون في مستوى التغييرات المتسارعة للمفاهيم والقيم والمبادئ المختلفة , حتى المتناقضة مع فكر الثورة الحسينية لمناقشتها وتحليلها تحليلا موضوعيا وتقديم البدائل المقبولة والمعقولة لبعض أنواع الثقافات القادمة بقوالب عديدة ومتلبسة بلباس الإسلام في كثير من الأحيان ,فمن غير شك إن قيم الحسين لم تنضب في فكرنا ودموعنا ولم ولن تجف على مصيبة وتضحيات أبي عبدالله ,لكن ينبغي أن توصل رسالة الثورة الحسينية بمضمون فكري يناسب العصر وبأفكار وتعاليم يقبلها الآخر , علينا أن نوصل القيم والمبادئ الحسينية إلى الآخر بجوانب أخرى غير الجوانب الخاصة بالمذهب , نوصل رسالة الثورة الكربلائية إلى الآخر كما تلقاها غاندي الذي يحمل فكرا غير سماوي لكنه وعاها بمفهومه الخاص وبلغته الخاصة ,الرسالة الحسينية ينبغي أن تكون لها مفردات ومفاهيم عصرية تستوعب المتغيرات الفكرية وتدحر الهجوم الثقافي متعدد الوسائل وان تكون بديلا معقولا له وليس رافضا له من اجل الرفض , إننا نعيش في واقع لا مفر من هبوب العواصف الثقافية التي أصبحت وسائله في اليد والجيب نتيجة الثورة العلمية التي نمر بها حاليا , إن دفن الرؤوس في التراب ووصد الأبواب على البيوت ولى من غير رجعة فنحن نعيش مع فكر وثقافة الآخر , وفي العصر الحالي أو بالأحرى اللحظة الحالية المتسارعة التغيير , زمن تفاعل الثقافات والبقاء للأقوى والأصلح للحياة الإنسانية والتي تعالج قضايا البشر وليس امة أو فئة معينة , يحتج عليك الآخر بأنك تتحدث بلغتك ومفهومك الخاص وهو مبرر كافي لرفضك وعدم قبول رسالتك , إننا نعيش في عصر قبول الآخر والتعايش السلمي والاستفادة من مكتسبات الحضارات والانصهار في بوتقة الأنظمة والقوانين الدولية والعولمة الثقافية التي تجبرنا على الحصانة الذاتية وليس غض النظر لعمل توازن مابين الخاص والعام .ثقافة اليوم ثقافة مفاهيم ومصطلحات وقيم يراد لها أن تزرع وتغير بعض الثوابت لدى المجتمعات الإسلامية , فالخطيب الذي لم يتسلح بالثقافة العصرية وفهم ما يدور على الساحة السياسية والاجتماعية والعلمية , التي ابتكرت فيه وسائل لتوصيل هذه الثقافة المعولمة إلى كل فرد , في عصر ضعفت فيه الخصوصية الثقافية والفكرية لأغلب المجتمعات ورفعت الحواجز المعرفية بين الأمم ولم تعد الكلمة والصورة محبوستين في حيز ضيق يصعب تنقلهما .
https://telegram.me/buratha