السَيدُ مُحَمَدُ اليَاسِريُ
يستفز السؤال الكبير عقل الباحث .. عن حقائق وملابسات ملحمة عاشوراء الدامية الخالدة . وماسعت إليه من أهداف .. وما إنطوت عليها من أسرار ؟ ..وهنا تشرأب أعناق بعض المفردات وتشمخ مفاهيم وقيم كان لها حضورها في خطاب بطل الملحمة الأول ورائد الثورة .. مما يبين موقعية وأهمية خاصة لتلك المفردات والمفاهيم والقيم في أفق النهضة أو الثورة أو ماشئت فعبر ..فماهو عماد الثورة وماهو أساسها وسر إنطلاقها الأول ؟ هل هو رسائل أهل الكوفة ؟ كما تصور البعض وتسائل آخرون .. وهل هو رفض إعطاء البيعة ليزيد ؟..نعم كان لكل تلك المسائل وغيرها حضورها في واقع الحال .. لكن الإمام الثائر كان بعيد المدى شديد القوى كأبيه "عليهما السلام " فهو رجل الفعل وليس رد الفعل .. ففعله كان صيحة حق بوجه باطل قد إستشرى وإنحراف خطير قد أصاب مسيرة الإسلام الأصيل وخط الخلافة الإسلامية .. بعد أن حولها معاوية بن أبي سفيان الى ملك عضوض .. أورثه لأبنه المراهق الذي لايراعي الضوابط الشرعية ولاالعرفية مستندا الى زمرة منسلخة من كل قيمة إنسانية فضلا عن الإسلامية .فالخلافة أصبحت سلطة جائرة ظالمة مترفة فاسقة وقحة عصبية قبلية .. وهو خطر ينذر بالقضاء على الإسلام .من هنا كان خروج الإمام ع من مدينة جده الى مكة ثم الى العراق فعلا ورد فعل .. وقد قطع حجه ليؤكد أهمية الرسالة التي يحملها .. فهل يطوف حول البيت وهناك من يطوف حول قصور الظالمين ؟ وهل يقبل الحجر الأسود وهناك من يقبل الأيدي الآثمة ؟ وهل يركع ويسجد عند مقام إبراهيم وهناك من يركع ويسجد عند أقدام السلاطين؟ وهل يسعى بين الصفا والمروة وهناك من يسعى بين ظالم وظالم لخراب البلاد والعباد؟ وهل يلبي وهناك من يلبي نداء الطاغوت ؟ وهل يذكر ويتلوا ويسبح لله تعالى وهناك آلهة مزيفة من البشر في جاهلية ثانية وهي جاهلية الإنقلاب على الأعقاب .. بعد أن كانت من الحجر في الجاهلية الأولى ؟ وأي قيمة ستبقى لكل تلك العبادات مع وجود ذلك الإنحراف الكبير .. فلابد من تغيير ولابد من إصلاح ولابد من أمر بمعروف ونهي عن منكر ..ولذلك أوضح الإمام الثائر الناهض الهدف الأساس لتحركه في رسالته الى أخيه محمد بن الحنفية وكان مصابا بشلل في يديه لا يقوى بسببه على الجهاد فتركه في المدينة وكتب له موصيا ((هذا ما أوصى به الحسين بن علي أخاه محمدا المعروف بإبن الحنفية .. ـ حتى يصل الى قوله ـ إني ماخرجت أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي رسول الله وأبي علي بن أبي طالب )) .فيتضح أن هدفه الأساس هو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. إصلاح ما أفسده بنو أمية في أمة جده .. فأولئك الناس الذين يطوفون ويركعون ويسجدون للظالمين .. لاأقل يدعون أنهم أمة جده .. وقد ظلوا الطريق خوفا أو جهلا أو طمعا .. ((قلوبهم معك وسيوفهم عليك )) . وقيمة الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمة عليا متقدمة على غيرها .. ((ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقران ومن اوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم * التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين )) التوبة 111/ 112 . كما بين الإمام الشهيد "ع" الأساس النبوي لثورته التغييرية ونهضته الإصلاحية .. ناقلا قول النبي المصطفى ص ((من رأى منكم سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله .. )) وعنه "صلى الله عليه وآله وسلم" ((إذا تواكلت الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله)) .وأكثر من ذلك كما أسلفنا في الإستشهاد بالقرآن الكريم فقد إستند الإمام في دعوته التغيرية الإصلاحية التقويمية وفي أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن النكر الى صريح الكتاب الكريم .. قال تعالى ((فلولا كان من القرون من قبلكم اولوا بقية ينهون عن الفساد في الارض الا قليلا ممن انجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين )) هود116.وقال سبحانه ((كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون )) المائدة79. وقال تبارك أسمه ((ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون))آل عمران 104. وقال عز وجل ((لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما)) النساء 114. وقال ذو الجلال ((قال يا قوم ارايتم ان كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب)) هود 88.وقال ذو الإكرام((يا بني اقم الصلاة وامر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور))17لقمان. وقال أيضا ((كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو امن اهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون واكثرهم الفاسقون))110.وقال أيضا((يؤمنون بالله واليوم الاخر ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين)) 114آل عمران. وقال أيضا((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم)) 71التوبة . وقال أيضا((الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة واتوا الزكاة وامروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور))41الحج . وليس مسألة فرعية يمكن نفيها أو حذفها أو تغييبها .. بل هي حاضرة على الدوام في كل زمان ومكان ..
https://telegram.me/buratha