احمد عبد الرحمن
يختلف الناس في عموم بقاع العالم عموما، وفي العراق على وجه الخصوص، حول مختلف قضاياهم وشؤونهم، وذلك امر طبيعي، ولعل الاختلاف يصل الى مرحلة ومستوى الخلاف والنزاع والتقاطع والافتراق في احيان كثيرة، وهذا مانلمسه واضحا في القضايا السياسية اكثر من غيرها.ومن الصعب-ان لم يكن من المستحيل-ان يتوحد ويلتقي ملايين الناس ويتوافقون على قضية معينة، ولكن قضية الامام الحسين عليه السلام والملحمة الخالدة التي رسمها في ارض الطف قبل اربعة عشر قرنا بدمه الطاهر والدماء الطاهرة لاهل بيته واصحابه مثلت استثناء عن القاعدة.ففي يوم امس الاول، اجتمع فقط في مدينة كربلاء المقدسة حول مرقدي الامام الحسين واخيه العباس عليهما السلام اربعة ملايين زائر لم يكونوا جميعهم من العراقيين فحسب، ولم يكونوا جميعهم من مذهب اهل البيت عليهم السلام، بل لم يكونوا جميعهم من اتباع الدين الاسلامي الحنيف.هذه الملايين التي من الطبيعي ان تختلف في توجهاتها وارائها السياسية والثقافية، وتتنوع في انتماءاتها القومية والمناطقية، وتتعدد في مستوياتها وخلفياتها الاجتماعية اجتمعت تحت راية العز والاباء والتضحية والفداء الحسيني، ورددت بصوت واحد شعارات لايمكن ان تردد أي شعارات غيرها بصوت واحد وبوقت واحد وبأيقاع واحد.والملايين الاربعة التي اجتمعت وتجمعت في كربلاء الحسين لاتمثثل سوى جزءا قليلا ونزرا يسيرا من عشرات-او مئات-التي احيت ذكرى الملحمة الحسينية الخالدة في العاشر من محرم الحرام، والايام التسعة التي سبقته.يمكننا ان نقطع بأنه لم تبق بقعة من بقاع الارض لم يصدح فيها صوت الحب والولاء والعشق الحسيني بكل صدق وتفاعل وذوبان، ولم تبق بقعة من بقاع الارض لم تنهمر فيها الدموع حرى على مصاب ابي الاحرار وسيد الشهداء واهل بيته.ماذا يعني كل ذلك؟.. انه يعني ان الحسين عليه السلام كان بتضحياته العظيمة مشروعا عالميا للوحدة، ومشروعا عالميا للحياة الحرة الكريمة، ومشروعا عالميا للعز والاباء ورفض الضيم والتسلط والفساد والطغيان، ولو لم يكن كذلك لما اصبح قبلة لكل الاحرار، ومنارة لكل الشرفاء، وقدوة للانسانية جمعاء.
https://telegram.me/buratha