بقلم : محمد الجاسم
بعثي ... لم تتلطخ اياديه بدماء عائلتي (22) استمرارً لسلسة قصص الضحايا التي تنشرها الحركة الشعبية لاجتثاث البعث في العراق تحت عنوان – بعثي ... لم تتلطخ اياديه بدماء عائلتي - نعرض للقارئ الكريم المعاناة التي تحملها جسد الصبي الذي لم يكن استثناء من عذابات العراقيين لولا عمره الصغير وامانيه التي حطمها صعلوك من صعاليك البعث ذلك الذي تولى التحقيق معه . نترككم مع قصة الكاتب العراقي الاستاذ محمد الجاسم والمعانات التي تحملها جسده النحيف وهو لم يتعدى السادسة عشر من عمره المليئ بالمعانات. القصة: بقلم : محمد الجاسم حين يكون المرء في سن الخامسة عشرة من العمر يكون عنده كل شي بمعنى المغامرة والفضول و حب التعرف وإثبات الذات وسبر أغوار النفس لأستنطاق مكنوناتها من الموهبة والمعرفة ومعالجة الإمكانات المكبوتة بين سن المراهقة وسن الشباب.. ولذلك كنت في الثاني المتوسط والثالث المتوسط ارتاد جمعية رعاية الفنون والآداب في الناصرية مقابل سينما البطحاء الشتوية بصحبة الراحل أخي أحمد الجاسم وأكتب محاولات شعرية بالقلم الرصاص على دفتر مدرسي لكي أعرضها على معلمي الاول والدي الشاعر عبد الحسين الجاسم الذي زرع في نفسي غرسة العشق للغة العربية ومعلمي الثاني أحمد الجاسم ومدرّسي طيّب الذكر في اللغة العربية استاذ ماجد رحمه الله في متوسطة سومر ، ثم انني كنت استمتع كثيرا بالوقت الذي اقضيه مع زميلي سعد تحت اشراف ورعاية خاله الفنان التشكيلي الاستاذ كامل الموسوي حينما كنا نرسم (الستيل لايف) الحياة الجامدة ونقيم تخطيطات التماثيل الموجودة في مرسم المتوسطة.وليس بعيدا عن هذه الأجواء الثقافية ، إهتممت بالمطالعة وأقمت صداقة حميمة مع الكتاب وقد شجعني على المطالعة بشكلها المنهجي والمسؤول زميلي الرائع جمال أمين الذي استغل ابتعادي عن الاتحاد الوطني لطلبة العراق وبغضي لمسؤوله الشاب حازم ابن ناظر محطة قطار الناصرية فدعاني مرة الى (جلسة ثقافية راجلة) نتمشى فيها الى جانب ضفاف الفرات وعلى رصيف شارع المتنزه ليحدثني عن آخر كتاب قرأه وطلب مني الحديث عن آخر كتاب قرأته قبل أن يفاتحني بالإنضمام الى صفوف إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. لقد مضى على ذلك اللقاء الوحيد مع جمال أمين في الهواء الطلق عدة شهور حاصرتنا بعدها امتحانات الثالث متوسط الوزارية ، وبعد استعدادات حثيثة من قبلي لخوض الأمتحانات الوزارية والمراجعة اليومية للكتب العديدة التي تثقل كاهل طلاب هذه المرحلة في البيت أو في بستان المرحوم الشيخ حمدان الكنزاوي الذي يمتد لمساحة واسعة وفسيحة خلف بيتنا في منطقة الثورة..في هذه الاثناء حضرت الى بيتنا مفرزة من مديرية أمن ذي قار بسيارة صغيرة بيضاء أجهل نوعها واقتادوني الى مديرية الامن الكائنة بجوار المحكمة ، حيث ابتدأ التحقيق معي من أول دخولي للباب الصغيرة المؤدية الى غرفة الاستعلامات وكان التحقيق الأبتدائي على شكل لكمات وشتائم بذيئة وصفعات على مؤخرة الراس لم يكن من الهيـّن على شاب مراهق ان يتحملها دون التصريح العلني بالبكاء. كان ثمة ضابط ينادونه بكلمة سيدي بالملابس المدنية ينتظرني في غرفة صغيرة في الطابق الارضي وفي وسط الممر الكائن في المديرية.ابتدرني بالسؤال (هل انت شيوعي ) ؟ ( لا والله استاد أنا لست شيوعيا انا لا أهتم سوى بالامتحانات وانا في الثالث وعندي بكالوريا ) أجبته بذلك وصورة جمال أمين تتراقص في عيني حيث رقرقها الدمع الحزين المتخلف من الإهانات الفظيعة التي تعرضت لها كرامتي في هذه الدائرة الحكومية. عاود التأكيد(انت شيوعي وتقارير الاتحاد الوطني والمكتب الطلابي للحزب في المتوسطة تقول انك تحضر اجتماعات راجلة ) . قلت له:(استاد لو كان بي خير وأستطيع أن اعمل شيئا كبيرا كالذي تتهمني به فإن الأجدر بي أن انجح بالبكالوريا لاحقق طموحي بالالتحاق بمعهد الفنون الجميلة ). قال لي :( حلو.. يعني شيوعي ودمبكجي !!) وقبل أن يهم بتوجيه صفعة قوية الى وجهي أدمت حاجبي وطرف عيني قلت له :( لا استاد اريد اصير رسام) كان يواجه براءتي وصغر سني بسيل من الشتائم والصفعات .. ثم دعا الشخص الواقف بجانبه وقال له: (هذا لسانه طويل .. ينرادله تاديب) فما كان من الشخص ذاك الّا أن انهار علي بالركلات على بطني وعجزي وعلى ظهري وكتفي بعد أن وقعت أرضا من على الكرسي حتى لم أعد اشعر بما يدورحولي . لقد عاد اليّ وعيي في مساء نفس اليوم في بيت أهلي وقد كان ثمة ما يشبه مجلس فاتحة بدون جنازة بحضور والدي ووالدتي وأخي أحمد وأخي طه والصغارمازن وحبيبية أما اختي الكبرى فقد كانت تعيش في الحلة مع عائلتها وأخي الكبير ماجد في بغداد مع عائلته واختي رملة في معهد الفنون الجميلة في بغداد. استمر التداوي فترة طويلة كنت خلالها أسير الهواجس والكوابيس الليلية لا افقه من الدنيا شيئا سوى القلق على خوض الامتحانات ولكني لم اتمكن البتة من مسك الكتاب والمراجعة مما أدى ذلك اضافة الى الحالة النفسية السيئة الى رسوبي بالامتحان الوزاري في تلك السنة ، الأمر الذي دفع العائلة ولاسباب اخرى للهجرة الى بغداد في العام التالي 1975. لقد شاع في أوساط الطلبة في منطقة الأسكان في الناصرية بعد هذا الحادث وحوادث مشابهة طالت الطلبة ان حازم ناجي السامرائي مسؤول البعث في المتوسطة هو الذي كان يوافي مديرية أمن ذي قار بالتقارير الواشية والكيدية عن تحركات الطلبة الذين لم يركبوا قطار البعث آنذاك، لكني شخصيا لم أتحقق من ذلك بشكل أكيد الى يومنا هذا. www.no-ba3th.comاشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha